بتوقيعه على أمر دعوة الناخبين إلى إجراء الانتخابات التشريعية في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، أغلق رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي باب جدل استمر طويلاً حول إمكان إجراء الانتخابات أو تأجيلها، الأمر الذي كان يراود أطرافاً سياسية راغبة في ذلك في محاولة لتحسين مواقعها لدى الرأي العام وزيادة فرص نجاحها بعد فهمها أن الرأي العام ليس راضياً على أدائها السياسي أو دورها في مؤسسات الحكم خلال السنوات الخمس الماضية.
أكتوبر موعد الانتخابات المقبلة
الإعلان عن موعد الانتخابات واقتراب موعد تقديم الأحزاب والقوائم المستقلة لترشحاتها للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، فتح الباب أمام جميع الأحزاب والقوائم المستقلة من أجل العمل والاستعداد لها، مع تراجع ملحوظ لدى الرأي العام في الاهتمام بمواقف الأحزاب وخطاباتها جراء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة والنتيجة السلبية لعملها في السنوات الخمس الأخيرة.
تخمة حزبية
منذ سقوط نظام بن علي، ارتفع عدد الأحزاب في تونس من أقل من 10 أحزاب، عدد منها غير معترف به إلى 219 حزباً حصلت على تأشيرات قانونية، وعلى الرغم من أن غالبيتها العظمى لا يعرفها الشعب التونسي، ولكن على المستوى الرسمي، هي موجودة ويمكنها المشاركة في الانتخابات.
هذه التخمة الحزبية وصفها الإعلامي والمحلل السياسي هشام الحاجي في حديث إلى "اندبندنت عربية" بأنها لا يمكن إلا أن تلعب دوراً سلبياً في تشتيت أصوات الناخبين، ولكن في النهاية ستنحصر المنافسة بين 15 حزباً على أقصى تقدير بسبب اعتماد قانون انتخابي جديد إن أُقرّ يفرض حصول الأحزاب على نسبة لا تقل عن ثلاثة في المئة لدخول البرلمان، ما سيقصي عدداً كبيراً منها ومن المستقلين وسيحدّ من النتائج السلبية للتشتت الحزبي.
ونبّه الحاجي إلى أن الأحزاب الكبرى فشلت في تشكيل تحالفات انتخابية مهمة من شأنها خلق توازن سياسي، وقال إن قراءة نوايا التصويت الحالية تطرح بقوة أن يكون المجلس النيابي المقبل فسيفسائي التنوع ما سيخلق صعوبة تشكيل كتلة قادرة على الحكم بسهولة، وعلى البرلمان المقبل مواجهة إقرار إصلاحات هيكلية صعبة يحتاج تمريرها غالبية برلمانية مريحة.
الأحزاب الجديدة والبحث عن موطئ قدم لها
ومنذ انتهاء انتخابات العام 2014 شهدت الساحة السياسية في تونس ولادة عشرات الأحزاب الجديدة سواء التي انفصلت عن أحزاب موجودة في الساحة كما جرى لحزب نداء تونس الفائز الأكبر في تلك الانتخابات، والذي انشق عنه لغاية اليوم خمسة أحزاب جديدة، أو قيام أطراف سياسية بتأسيس أحزاب أخرى تسعى إلى التعريف ببرامجها وأهدافها وتحاول أن تجد موطئ قدم لها في الساحة.
الإعلامي والمحلل السياسي إبراهيم الوسلاتي اعتبر أن أسماء الأحزاب علامات تجارية تترسخ في ذهن المواطن، وهناك أحزاب عرفت كيف تختار أسمها وتثبته لدى الرأي العام، والمواطن العادي يحفظ اسم الحزب فقط، وهذا سيكون في مصلحة الأحزاب التي كان لها وجود وفعل في المشهد السياسي منذ العام 2011.
وبخصوص الأحزاب التي وجدت بعد العام 2014 أوضح الوسلاتي أنها تواجه عقبة القانون الانتخابي الجديد، والذي إن جرى إقراره سيضع نسبة ثلاثة في المئة كعتبة انتخابية ما سيؤدي إلى غياب عدد كبير منها عن المشهد، عدا قلة قليلة بدأت ترسخ أسماءها في عقل الناخبين بفضل سياسة وتحرك مدروسين بذكاء.
واعتبر الوسلاتي أن الانتخابات المقبلة ستنحصر المنافسة فيها بين عدد محدود جداً من الأحزاب والتي استطاعت أن تثير اهتمام الراي العام سواء عبر برامجها أو عبر صفة رئيسها كما هو الحال في حزب "قلب تونس" الذي أسسه صاحب قناة تلفزيونية استعملها طوال سنوات في برامج خيرية قبل أن يعلن ترشحه لمنصب رئاسة الجمهورية، ويؤسس حزباً صار يشكل منافساً كبيراً على الصدارة في البرلمان المقبل.
الأحزاب والاستعدادات المقبلة
كثير من الأحزاب ما زلت تعد القوائم وأسماء المرشحين للانتخابات التشريعية القائمة، بينما أتمّت بعضها ومنها حركة النهضة اختيار مرشحيها عبر انتخابات داخلية، لكنها لم تعلن عنهم في انتظار موافقة القيادة على النتائج، ما خلق حالة من الترقب والتوتر في صفوف قواعدها، بينما يبدو العجز في إعداد قوائم لأحزاب كانت كبيرة، لكن الانشقاقات وضعتها في مرحلة عجزت فيها عن تقديم قوائم في عدد من الدوائر التي تبلغ 33 دائرة انتخابية داخل تونس وخارجها.
حيرة الناخبين
في انتظار فتح باب تقديم الترشحات ابتداء من يوم الاثنين 22 يوليو (تموز) الحالي والتي من المتوقع تقديم مئات القوائم الحزبية والمستقلة، أعلن الإعلامي كمال بن يونس أن هذا العدد الكبير المتوقع تسجيله سيقابله امتناع عن التصويت من جانب الناخبين بسبب تعمق أزمة الثقة بين الطبقة السياسية بكل مكوناتها والشعب.
وبسبب أزمة الثقة بالأحزاب التي تحكم البلاد منذ ثمانية أعوام وبمعارضيها، فإن نسب التصويت سترتكز أساساً على المستوى المحلي لشخصيات لها وزنها الاعتباري يثق الناس بها خصوصاً رؤساء القوائم، بينما لن تجد القوائم الحزبية أو المستقلة التي ترشح أسماء غير معروفة تحت يافطاتها أي صدى أو تأثير في المشهد، لأن الانتخابات ستكون على الوجوه الاعتبارية وليس على أسماء الأحزاب وشعاراتها.