كشف تحليل اقتصادي جديد عن أن نمو الصادرات البريطانية تراجع بشكل كبير عن مثيلاتها في الدول الكبرى الأخرى، بما فيها ألمانيا والولايات المتحدة، وذلك منذ وصول حزب "المحافظين" إلى السلطة.
وتظهر الأرقام التي جمعتها "مكتبة مجلس العموم" Commons Library أن الصادرات التجارية للمملكة المتحدة نمت بنسبة 24.4 في المئة فقط في الفترة الممتدة ما بين عامي 2010 و2021، وهو ما يشكل المعدل الأدنى للنمو بين دول "مجموعة السبع" G7 باستثناء اليابان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هذا في الوقت الذي بلغ فيه متوسط نمو الصادرات في كتلة الاتحاد الأوروبي 35.5 في المئة للفترة نفسها، بينما حققت الولايات المتحدة زيادة بنسبة 37 في المئة، ووصل متوسط ألمانيا إلى 34.5 في المئة - وجميع تلك الدول كان أداؤها أفضل بكثير من المملكة المتحدة.
هذا التراجع البريطاني يأتي على رغم الحملة التجارية الحكومية رفيعة المستوى، والمزاعم بأن مسار "بريكست" (الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي) سيساعد المملكة المتحدة في القيام بأعمال تجارية مع الخارج. وكانت الصادرات البريطانية قد نمت في ظل آخر حكومة لحزب "العمال"، من 243.3 مليار جنيه استرليني (294.4 مليار دولار أميركي) في عام 1997، إلى 452.9 مليار جنيه استرليني في عام 2010.
الحكومة البريطانية أكدت أن استراتيجيتها المقبلة للتصدير ستغير أداء المملكة المتحدة، مشيرة إلى وجود دلائل بدأت تظهر على تحقيق أداء جيد للتصدير هذه السنة. لكن حزب "العمال" المعارض اتهم الحكومة بـ "الفشل المستمر في دعم الصادرات"، معتبراً أن اتفاق "بريكست" يحتاج إلى إصلاح مع ضروة اعتماد استراتيجية صناعية جديدة.
غاريث توماس، وزير التجارة في حكومة الظل "العمالية" قال لـ "اندبندنت" إن "هذه الأرقام المدمرة تؤكد هشاشة النمو الاقتصادي المحلي على مدى عقد من الزمن، وتقترن بفشل مستمر في دعم الصادرات وفي مساعدة الشركات البريطانية على طرح منتجاتها في الأسواق الخارجية".
وأضاف: "عندما يقول وزير سابق للتصدير من حزب ’المحافظين‘ إن الحكومة لا تقوم بما يلزم للمساعدة في النهوض بقطاع الصادرات، فهذا يعني أن الوقت قد حان للتغيير. إن حزب ’العمال’ سيجعل النمو الاقتصادي يتصدر قائمة أولوياته في الحكومة التي يتولاها، لمعالجة أزمة ارتفاع كلفة المعيشة، وزيادة عدد الوظائف ذات الأجور المناسبة".
وقال توماس: "سنقوم كجزء من خطتنا للنمو، بإصلاح اتفاق التجارة مع أوروبا لخفض إجراءات التدقيق الروتينية للبضائع، وسنضع استراتيجية صناعية جديدة من شأنها تعزيز التصنيع المحلي والدعم للصادرات البريطانية".
في هذا الإطار نبهت مجموعات بريطانية للأعمال، إلى أن العوائق الجديدة للتجارة مع الجار الأقرب للمملكة المتحدة - وهو الاتحاد الأوروبي - تزيد من صعوبة تصدير السلع. واستناداً إلى تحليل "مكتبة مجلس العموم"، كان أداء اليابان فقط، التي عانى اقتصادها من حال الركود في محطات كبيرة خلال فترة الأعوام الـ11 الأخيرة، أسوأ من أداء المملكة المتحدة، فيما سجلت فرنسا مستويات نمو مماثلة إلى حد كبير.
التحليل الاقتصادي البريطاني استند إلى أرقام تم جمعها من "مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية" UN Conference on Trade and Development، الذي يستخدم البيانات الوطنية الرسمية للدول المشاركة في التجارة العالمية.
وأشار حزب "العمال" أيضاً إلى أن أحدث أرقام وزارة التجارة الدولية تظهر أن الصفقة التي أبرمت مع اليابان في عام 2020 من جانب وزيرة التجارة البريطانية آنذاك ليز تراس، منيت بفشل "واضح". وتبين الأرقام أن الصادرات البريطانية إلى اليابان، تراجعت من 12.3 مليار جنيه استرليني إلى 11.9 مليار جنيه استرليني في العام المنتهي بشهر يونيو (حزيران) من السنة 2022، بما فيه انخفاض بنسبة 4.9 في المئة في السلع.
وعلى رغم التباهي الشهير للسيدة تراس خلال مؤتمر حزب "المحافظين" عام 2014 في شأن "بيع الشاي للصين" و"فتح أسواق جديدة للحوم الخنازير" في بكين، فقد كان أداء المصدرين البريطانيين في تلك الفترة ضعيفاً بالمقارنة مع منافسيهم.
يضاف إلى ذلك أن التصويت على خروج المملكة المتحدة من الكتلة الأوروبية في عام 2016 زاد في الطين بلة. فقد أكد "مكتب مسؤولية الموازنة" Office for Budget Responsibility التابع للحكومة البريطانية الأسبوع الماضي، أن المغادرة البريطانية للاتحاد الأوروبي، كان لها "انعكاس سلبي كبير" على التجارة في المملكة المتحدة، "لجهة تقليل حجم التجارة الإجمالية وعدد العلاقات التجارية بين شركات المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي".
وفيما أكد مسؤولون تجاريون حكوميون أن صادرات المملكة المتحدة وصلت إلى 748 مليار جنيه استرليني في الأشهر الـ12 الأخيرة، أي بزيادة مقدارها 132 مليار جنيه استرليني عن الأشهر الـ12 السابقة، إلا أن هذا الارتفاع الكبير لا يتجاوز الرقم المسجل في عام 2019 إلا بـ 48 مليار جنيه استرليني فقط، بعدما تأثرت صادرات المملكة المتحدة بمفاعيل "بريكست" وبتفشي الوباء في الفترة الفاصلة، مما يعني أن الرقم الجديد ارتفع بنسبة 6.9 في المئة فقط على مدى الأعوام الأربعة الماضية.
وتبين الأرقام الصادرة في وقت سابق في بروكسل عن مكتب "يوروستات" Eurostat (مركز الإحصاءات والبيانات والمؤشرات الرئيسة للاتحاد الأوروبي)، أن الصادرات من بريطانيا تضررت بنسبة 14 في المئة في عام 2021 وسط تزايد أعمال التدقيق الروتينية المطولة لبضائع الشركات التي كانت تتمتع في السابق بمزايا عضوية السوق الموحدة والاتحاد الجمركي.
تجدر الإشارة إلى أنه في وقت سابق من هذا الشهر، فقد رئيس الوزراء ريشي سوناك فعلياً أي أمل في التوصل إلى صفقة تجارية مع الولايات المتحدة الأميركية قبل الانتخابات المقبلة هناك، وأبلغ مراسلي الإعلام في قمة "مجموعة الـ 20" G20 التي انعقدت في بالي في إندونيسيا، بأن هناك طرقاً أخرى يمكن للولايات المتحدة والمملكة المتحدة أن تتعاونا من خلالها.
لكن خبراء اقتصاديين في التجارة رأوا أنه حتى مع وجود مثل هذه الصفقات، لا يزال هناك أمل، وإن كان ضئيلاً، في النهوض بالاقتصاد واستعادة المزايا التي فقدتها المملكة نتيجة مغادرتها السوق الأوروبية الموحدة.
وكان وزير البيئة السابق، جورج يوستيس، قد رأى في وقت سابق من هذا الشهر أن اتفاق التجارة الحرة الموقع مع أستراليا "لم يكن في الواقع جيداً جداً"، بينما قال الوزير السابق للصادرات في حزب "المحافظين" مايك فرير إن وزارة التجارة الدولية فشلت في بذل جهود كافية لمساعدة الشركات في بيع منتجاتها وبضائعها بالخارج.
ويل ماكغاريغل، رئيس سياسة التجارة العالمية في مجموعة الأعمال المسماة "اتحاد الصناعة البريطانية" Confederation of British Industry (CBI) (منظمة غير ربحية تتحدث باسم 190 ألف شركة)، رأى أن العوائق الجديدة في مجال التبادل التجاري بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي تقيد الصادرات البريطانية.
وأضاف: "إن التجارة البريطانية هي الأضعف بين ’مجموعة السبع‘ من حيث النسبة المئوية من الناتج المحلي الإجمالي. ويشكل تحسين أداء الصادرات أهمية بالغة لتحقيق النمو في مختلف أنحاء البلاد، ويبدأ ذلك من خلال التعاون مع أقرب جيراننا. وعلى رغم وجود اتفاق مع الاتحاد الأوروبي في شأن الإعفاء من الرسوم الجمركية والحصص، لا تزال الشركات تواجه أعباء إدارية هائلة وتكاليف كبيرة للتصدير إلى الاتحاد الأوروبي. لكي ترى الشركات الآثار الإيجابية للإمكانات الكاملة للصفقة، فإن هناك حاجة للتوصل إلى حل وسط من كلا الجانبين، لحل للمشكلات (المتعلقة بـ) ’بروتوكول إيرلندا الشمالية‘ Northern Ireland Protocol (يحكم قضايا الجمارك والهجرة على الحدود في الجزيرة ما بين إيرلندا وبريطانيا وإيرلندا الشمالية والاتحاد الأوروبي، لكن منذ بدء تنفيذه أثار خلافات بين لندن وبروكسل لأنه عطل التجارة بين بريطانيا العظمى وإيرلندا الشمالية)".
ولفت إلى أن من الأهمية بمكان مساعدة الشركات - بمختلف أحجامها - على توسيع نطاق مبيعاتها العالمية، بما في ذلك الاستفادة من الصفقات التجارية المبرمة. فالشركات التي تكون قادرة على التصدير، لا تستفيد من خلال تحقيق معدلات نمو وأرباح أعلى فحسب، بل تصبح أيضاً أكثر قدرة على الصمود، وأكثر مرونة على مواجهة الصدمات الاقتصادية المحلية".
يأتي هذا الأداء التجاري الهزيل مقارنة بمنافسي المملكة المتحدة، بعدما أبلغ أندرو بيلي محافظ "بنك إنجلترا" أعضاء البرلمان بأن بريطانيا تتراجع أيضاً "بشكل كبير" من حيث النمو.
وكان بيلي قال في الأسبوع السابق لـ "اللجنة النيابية المختارة لشؤون الخزانة" إن الناتج المحلي الإجمالي في المملكة المتحدة انخفض الآن بنسبة 0.7 في المئة عن مستواه قبل جائحة "كوفيد"، مقارنة بمستوى منطقة اليورو الذي كان أعلى بنسبة 2.1 في المئة مما سجله في نهاية عام 2019، وكذلك بمستوى الولايات المتحدة الذي هو الآخر أعلى بنسبة 4.2 في المئة.
وتعليقاً على ما تقدم، قال متحدث باسم وزارة التجارة الدولية البريطانية: "إننا نعمل على الترويج لشركات التصدير عالمية المستوى في المملكة المتحدة، كي تتمكن من الاستفادة من الفرص العالمية". وأشار إلى أن "صادرات المملكة المتحدة بلغت في الأشهر الـ 12 الماضية، 748 مليار جنيه استرليني، أي بزيادة قدرها 132 مليار عن الأشهر الـ12 السابقة و48 ملياراً عن عام 2019.
وختم بالقول: "إن استراتيجيتنا في مجال التصدير التي تتألف من 12 بنداً، كما سلسلة الفعاليات الجديدة التي تم تنظيمها بهدف دعم التصدير، تمنح الشركات الأدوات والطرق الآيلة إلى مساعدتها في مبيعاتها حول العالم. وتتيح لها في المقابل صفقاتنا التجارية الجديدة والطموحة، مزيداً من الفرص لزيادة الوظائف لديها وتحسين الأجور وتنمية الاقتصاد".
© The Independent