بينما يخطط الجمهوريون في مجلس النواب لفتح ملف التحقيق في تعاملات هانتر بايدن نجل الرئيس الأميركي جو بايدن المثيرة للجدل، والتي ستمثل بلا شك مشكلة سياسية لبايدن الذي يستعد للترشح لإعادة انتخابه في عام 2024، اشتعلت منصة "تويتر" بما يسمى "تويتر غيت"، بعد أن سمح مالك "تويتر" الجديد إيلون ماسك بالكشف عن مراسلات مسؤولي الإدارة السابقة لشركته والتي قدمها دليلاً على انحياز الفريق السابق في "تويتر" لصالح بايدن والديمقراطيين، لأنه حظر نشر أخبار عن تعاملات نجله هانتر ولم يلتزم حرية التعبير، لكن الضجة التي ثارت على المنصة وفي وسائل الإعلام تثير تساؤلات أوسع عما إذا كان هذا الجدل سيغير من قصة هانتر، أو يضع الرئيس الأميركي في مأزق؟
سبب إحباط ماسك
على رغم أن ماسك وصف الكشف عن المراسلات الداخلية لموظفي شركته السابقين في "تويتر" التي تظهر انخراطهم في "قمع حرية التعبير" خلال الفترة الحاسمة التي سبقت انتخابات عام 2020، بأنها "قنبلة مدوية"، فإنه كان محبطاً من التغطية الإعلامية لهذا الكشف، واستنكر في محادثة صوتية على "تويتر سبيسز"، بعد ظهر السبت الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، عدم اعتراف الإعلاميين بأنهم كذبوا على الجمهور وحاولوا بدلاً من ذلك التظاهر بأن ما نشره لم يقدم جديداً.
وفي حين أقر ماسك ببعض الأخطاء مثل نشر بعض أسماء وعناوين البريد الإلكتروني لكبار موظفي "تويتر" السابقين وعضو ديمقراطي في مجلس النواب، وهو ما عرضهم لخطر التهديد من خصومهم، فقد تعهد بنشر مجموعة أخرى من المراسلات والملفات الداخلية التي يأمل أن يكون لها وقع آخر في الساحة السياسية والإعلامية الأميركية، بخاصة أن المنتقدين لما تم نشره لم يكونوا فقط من الليبراليين، بل انضم إليهم عدد من المحافظين الذين تذمروا من أن الأمر كان أقل من توقعاتهم.
حظر النشر
وعلى مدى ساعتين من مساء الجمعة، نشر مات تايبي المحرر في منصة "سبستاك" بطلب من ماسك، سلسلة مفككة من لقطات الشاشة تعود إلى عام 2020، تظهر 40 تغريدة ورسائل إلكترونية، يناقش فيها كبار موظفي شركة "تويتر" قراراً بحظر نشر قصة مثيرة للجدل في صحيفة "نيويورك بوست" عن هانتر بايدن نجل مرشح الحزب الديمقراطي آنذاك جو بايدن، وهو ما اعتبره ماسك وتايبي عملاً من أعمال الرقابة التي تتعارض مع حرية التعبير.
وكان من بين ما تم الكشف عنه أن موظفي "تويتر" لديهم قنوات مفتوحة مع أطراف ثالثة قوية، بما في ذلك أعضاء من كلا الحزبين السياسيين، حتى يتمكنوا من الإبلاغ عن التغريدات التي اعتبروها إشكالية بهدف التعامل معها، وهو ما أدى بحسب تايبي إلى خنق الحسابات المحافظة بشكل أكبر بسبب وجود مزيد من الليبراليين داخل "تويتر"، والذين وافقوا في النهاية على تدابير الاعتدال الطارئة لوقف انتشار قصة هانتر بايدن، على رغم أن عديداً منهم كانوا قلقين من عدم وجود مبرر كاف لاستخدام مثل هذه الإجراءات.
وصورت إحدى الرسائل الإلكترونية الكاشفة رئيس قسم الثقة والأمان السابق في "تويتر" يوئيل روث مدعياً أن الحقائق لا تزال غير واضحة، وبناء على ذلك شجع الموظفين على حظر نشر قصة "نيويورك بوست"، التي تحدثت عن أن هانتر حاول عام 2015 ترتيب لقاء بين والده ومدير تنفيذي في شركة أوكرانية عمل هانتر فيها.
ومع إعادة تغريد سلسلة رسائل تايبي التي تقول إن حملة بايدن توجه "تويتر" لحذف تغريدات معينة، رد ماسك على تايبي برمز تعبيري للنار وعلق قائلاً "إذا لم يكن هذا انتهاكاً للتعديل الأول للدستور، فما يكون؟".
احتفاء يميني
وكان من الطبيعي أن تثير هذه المعلومات حماسة اليمين والمحافظين الذين رأوا في الوثائق الداخلية دليلاً على مخالفات الشركة ومجموعة متنوعة من الكيانات السياسية الديمقراطية، فقد وصفها مذيع قناة "فوكس نيوز" تاكر كارلسون أنها واحدة من أكثر اللحظات غير العادية في تاريخ وسائل التواصل الاجتماعي، ووصفتها صحيفة "نيويورك بوست" في عنوانها الرئيس بأنها "قنبلة كمبيوتر محمول هانتر بايدن".
أما المعلق اليميني باك سيكستون فقد اعتبر أن هذا انتهاك للخط الأحمر وأنه يجب مساءلة وعزل بايدن بسبب ذلك، في حين تعهد النائب الجمهوري جيمس كومر على قناة "فوكس" بأن كل شخص على "تويتر" متورط في ذلك سيحال على لجنة الرقابة في مجلس النواب، كما أعاد النائب الجمهوري بيلي لونغ تغريد كثيرين من المؤثرين الذين يمتدحون إيلون ماسك لكشف الفساد على أعلى مستويات المجتمع، بينما اعتبرها الإعلامي جاك بوسيبيك أكبر قصة في تاريخ الانتخابات الرئاسية الحديثة.
وكان لدى الرئيس السابق دونالد ترمب رد فعل قوي، إذ أشار على مواقع تواصل اجتماعي أخرى إلى أنها قصة كبيرة تكشف عن الاحتيال في الانتخابات، وأنه بهذا المستوى نفسه حدث الاحتيال والخداع مع كبرى شركات التكنولوجيا. ووصف الولايات المتحدة بأنها بلد فاسد، وأن هذا النوع من الاحتيال يسمح بتدمير القواعد والنظم واللوائح وحتى البنود الموجودة في الدستور.
لا جديد
غير أن رد فعل الليبراليين والديمقراطيين كان مختلفاً، وانتقدوا ماسك وتعاملوا مع ما نشره باعتباره مجموعة مضللة ومبالغاً فيها من الوثائق الداخلية المنتقاة التي لم تكشف عن جديد، فقد اعترف "تويتر" بخطئه في جلسة استماع بالكونغرس في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، حين قال جاك دورسي الرئيس التنفيذي لشركة "تويتر" آنذاك إن الشركة أخطأت في حظر مقال "نيويورك بوست" بموجب سياستها ضد نشر المواد المخترقة أو المقرصنة، وهي قاعدة بدأت عام 2018 وأن الشركة نظرت في التعليقات وغيرت سياستها في شأن المواد المخترقة بعد مزيد من الدراسة، وتم تصحيح هذا الإجراء في غضون 24 ساعة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلاوة على ذلك، فقد كشفت الوثائق عن أن روهيت خانا عضو مجلس النواب الديمقراطي عن وادي السيليكون في كاليفورنيا تواصل مع رئيس الشؤون القانونية السابق في "تويتر" فيجايا جادي للتعبير عن مخاوفه في شأن قرار منع المقال، حتى لا ينتهك التعديل الأول من الدستور الخاص بحرية التعبير، وهو ما ينفي التدخل السلبي في هذه النقطة.
هل من مؤامرة حزبية؟
ولم يكن هناك دليل دامغ على وجود مؤامرة حزبية للرقابة على "تويتر". ويقول تيم ميلر مدير الاتصالات لحملة المرشح الرئاسي الجمهوري جيب بوش عام 2016، إن الحملات الانتخابية من جميع الأطياف الأيديولوجية لها دائماً خطوط مباشرة مع شركات وسائل التواصل الاجتماعي وتقدم طلبات في شأن المحتوى المسيء، ولهذا لا يوجد شيء غريب على الإطلاق في شأن ما يظهر في رسائل البريد الإلكتروني التي كشف عنها تايبي والتي أزالها "تويتر" لأنها كانت تحتوي على مجموعة من الروابط لهانتر بايدن وهو يدخن الكوكايين، ومشاهد جنسية أخرى لا يتصور أن تنشرها وسيلة تواصل اجتماعي، وحينما أبلغت عنها اللجنة الوطنية الديمقراطية تمت إزالتها.
وحاولت الصحافية الليبرالية مولي جونغ فاست مهاجمة بعض ما تم الكشف عنه، وتحديداً ادعاء ماسك بأن "تويتر" فرض رقابة على جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بهانتر بأوامر من الحكومة، وذكرت ماسك بأن ترمب وليس بايدن هو من كان رئيساً عام 2020 فكيف يمثل المرشح بايدن الحكومة، ووجد الكاتب السياسي في صحيفة "أتلانتيك" توم نيكولز نقطة الضعف نفسها التي وجدتها مولي فاست مؤكداً أن جو بايدن لم يكن مسؤولاً عن الحكومة الأميركية آنذاك، ويعني هذا أن السياسيين الديمقراطيين أو حملة بايدن أو مكتب التحقيقات الفيدرالي لم يكن لهم أي سيطرة على شبكة التواصل الاجتماعي.
وإضافة إلى ذلك أوضح كثيرون من الديمقراطيين أن محامي هانتر وحملة المرشح بايدن آنذاك أنكرا عام 2020 حدوث أي اجتماع بين بايدن وأي شخصية أوكرانية بترتيب من نجله حينما كان نائباً للرئيس أوباما، وأشار البيت الأبيض إلى ذلك النفي السابق.
مغازلة الجمهوريين
غير أن انتقاد ماسك لم يقتصر على الوثائق والمراسلات التي كشف عنها، بل امتد إلى السياسات والمواقف التي يتبعها. وقالت صحيفة "واشنطن بوست" إن أجندة "حرية التعبير" لماسك حددت استيلاءه المضطرب على "تويتر"، وجادل منذ الأيام الأولى للصفقة بأن المنصة تعمل بمثابة ساحة للنقاش إذ يمكن للناس التحدث بحرية ضمن حدود القانون، لكنه أكد أن الشركة لديها انحياز يساري قوي، وفي الأيام الأخيرة أعاد عدداً من الحسابات التي تم تعليقها سابقاً، بما في ذلك المؤثرون اليمينيون المتطرفون والأشخاص المرتبطون بأيديولوجية "كيو أنون" المتطرفة.
وعلى رغم أن ماسك قال إنه يتفق مع بعض سياسات الحزب الديمقراطي وبعض سياسات الجمهوريين، فإنه يغازل الحزب الجمهوري بشكل متزايد، وفي الفترة التي سبقت انتخابات التجديد النصفي شجع الملايين من أتباعه على التصويت للجمهوريين، كما قال أخيراً إنه يميل إلى دعم حاكم فلوريدا رون ديسانتيس إذا ترشح لانتخابات رئاسية محتملة في عام 2024.
معركة مستمرة
ومع ذلك، من المتوقع أن يكون ملف هانتر فرصة ذهبية لشهية مفتوحة من الجمهوريين الذين يتوقع أن يمسكوا بزمام مجلس النواب بعد شهر واحد، وسوف يجدون في شخصية هانتر وملفاته كثيراً من مواطن الضعف التي سيحاولون اختراقها بحثاً عن مخالفات قانونية، بخاصة أن المدعين العامين في ولاية ديلاوير يحققون منذ فترة طويلة في فترة مليئة بالاضطراب في الحياة الشخصية لهانتر ومأساة عائلة بايدن، إذ عانى هانتر إدمان الكحول لبعض الوقت، وفي منتصف عام 2010 بدأ استخدام المخدرات القوية بشكل متكرر بما في ذلك الكوكايين، وتوفي شقيقه الأكبر بو بسبب سرطان الدماغ عام 2015، ثم انفصل هانتر عن زوجته التي اتهمته لاحقاً في دعوى قضائية بالإسراف والإنفاق ببذخ على المخدرات والكحول والعاهرات ونوادي التعري والهدايا للنساء اللاتي يرافقهن في علاقات جنسية، وقد أنجب طفلاً من امرأة أخرى رفعت عليه لاحقاً قضية أبوة، ووسط هذه المشكلات والفوضى تردد هانتر مراراً على مصحة علاجية.
انتهاكات محتملة
ومن الواضح أن بعض تصرفات هانتر السابقة قد تتضمن انتهاكاً للقوانين، لكن التقارير لم تشر حتى الآن إلى أن هذا هو ما يركز عليه المدعون العامون، فقد أفادت شبكة "سي أن أن" بأنهم بحثوا في شراء هانتر مسدساً عام 2018، لأنه ادعى عدم تعاطيه المخدرات في نموذج شراء المسدس، لكن من غير الواضح إذا ما كانت حادثة شراء السلاح لا تزال جزءاً نشطاً من التحقيق.
ومنذ سنوات ظل حلفاء ترمب يجادلون بأن هانتر فاسد، لكنهم أرادوا ربط فساده بوالده، ومع ذلك، لم ترد أي تقارير تفيد بأن المدعين العامين يهدفون إلى القيام بهذا الربط أو أن لديهم أدلة على القيام بذلك، حتى بعد أن أفادت صحيفة "نيويورك بوست" بأن شاهداً أمام هيئة المحلفين الكبرى أشار إلى مصطلح "الرجل الكبير" في رسالة بريد إلكتروني من أحد شركاء هانتر التجاريين عام 2017 تتحدث عن تقسيم مقترح للأسهم في مشروع مشترك محتمل مع شركة طاقة صينية تشمل 10 في المئة مخصصة إلى "الرجل الكبير"، وادعى أحد شركاء الأعمال السابقين علناً أن "الرجل الكبير" هو جو بايدن الذي كان قد ترك منصبه حديثاً.
ولكن، عندما راجعت صحيفة "واشنطن بوست" هذه القضية برمتها، ذكر محققوها من الصحافيين أنهم لم يعثروا على دليل بأن جو بايدن استفاد شخصياً أو يعرف تفاصيل عن تلك المعاملات، وفي عام 2020 أصدرت حملة بايدن الرئاسية بياناً زعم أنه لم يفكر أبداً في المشاركة في أعمال مع عائلته، ولا في أي عمل خارجي على الإطلاق، ولهذا تشير كل المؤشرات إلى أن هذا التحقيق يركز بشكل مباشر على هانتر بايدن.
معركة إعلامية
وبينما ظلت قصة هانتر بايدن ملهمة للإعلام اليميني والمحافظ، يميل الإعلام الليبرالي إلى المجادلة بأنه في حين أن هانتر ربما يكون فاسداً نوعاً ما ويكشف عن العالم البائس لكيفية ترويج النفوذ في واشنطن العاصمة، فإن القصة ليست بهذه الأهمية، وينبغي ألا تكون محط اهتمام كبير من وسائل الإعلام، لكونه ليس مسؤولاً عاماً، ويجادلون بأن مخاوف الجمهوريين في شأن الفساد غير صادقة، لأن شركة عائلة ترمب تقبل أيضاً مبالغ كبيرة من المال من المصالح الأجنبية التي قد تكون مدفوعة بالرغبة في كسب ود سياسي قوي في واشنطن، وهو ما يعتبره المحافظون اختلاق عذر للتقليل من شأن قصة تجعل الديمقراطيين والرئيس بايدن يبدون سيئين.