مع ارتفاع نسق الحملات الانتخابية في تونس التي وصفها مراقبون بالخافتة مقارنة باستحقاقات سابقة، انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو ولافتات لمرشحين يطلبون دعم الناخبين.
بعض تلك الفيديوهات واللافتات لاقت سخرية واستهزاء من طرف رواد الإنترنت باعتبارها تحمل شعارات مضحكة وغير واقعية مثل الوعد بتحرير فلسطين وبناء موانئ في مناطق داخلية لا يوجد فيها بحر من الأساس.
كما ضمت الحملات الانتخابية عبارات مبتذلة في الشعارات ومشاهد طاولتها السخرية، إذ ظهر أحد المرشحين بلباس الفارس المغوار يعد الناخبين بحياة أفضل، وآخر اعتمد الطبل والمزمار لاستقطاب المارة وشد انتباههم.
المقاطعة حل سياسي
هذه المشاهد الغريبة اعتبر بعضهم أنها تهدف إلى النيل من المشهد الانتخابي والإساءة إليه خدمة لحملات المقاطعة التي تبنتها بعض الأطراف السياسية كموقف رسمي.
الكاتب الصحافي سمير جراي يعتقد بأن "المقاطعة كحل سياسي هي الأنسب مع الانتخابات التي تعتبرها غالبية الأحزاب غير مستقلة وغير ديمقراطية مع سطو رئيس الجمهورية على كل السلطات وحتى لا يقع إضفاء أي شرعية على هذه الانتخابات التشريعية".
وقال جراي في تصريح خاص إلى "اندبندنت عربية" إن "نسبة المشاركة ستكون ضعيفة جداً بسبب المقاطعة، بالتالي فإن شرعية مسار قيس سعيد سيكون مشكوك فيها"، وأوضح في ما يخص الحملة الانتخابية أن "المسار الشعبوي لا يمكن أن ينتج إلا شخصيات انتهازية تسهم في الإساءة إلى المشاركة السياسية الجدية والمشهد الانتخابي بصفة عامة".
وأشار إلى أن "الجميع لاحظوا اللافتات والفيديوهات والشعارات المضحكة لبعض المرشحين، لكنها في الحقيقة مبكية ومخزية وتدل على أن هذه المحطة الانتخابية ستكون مهزلة"، بالتالي يرى أن "مثل هذه الحملات الانتخابية ستسهم حتماً في العزوف عن المشاركة" من طرف الناخبين.
دعه يفعل ما يشاء
من جهة أخرى، حذر عدد من المهتمين بالشأن السياسي في تونس من حملة الإساءة إلى المشهد الانتخابي التي تهدف إلى مقاطعة الانتخابات والعودة للمربع الأول.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المحلل السياسي خالد كرونة اعتبر أن مقاطعة معظم الطيف السياسي للمسار الانتخابي أمر جيد، واصفاً إياهم بـ"الخردة السياسية"، وقال في تدوينة عبر صفحته بـ"فيسبوك" إن "مبررات المقاطعة لدى الكل متشابهة"، مفسراً "حرص عظيم على الديمقراطية والشفافية والنزاهة والتشاركية، وهذا حقاً مضحك"، وأضاف "الحقيقة أن حركة النهضة تقاطع من باب دعه يفعل ما يشاء لقاء ألا يفعل بنا ما لا نشاء، وهذا من دهاء السياسة".
واعتبر أن "بقية الدكاكين السياسية تقاطع لأنها فقدت ظروف الارتقاء بالإسعاف كالطلاب المتأخرين في الصفوف"، ويرى أن المقاطعة لن تغير المسارات السياسية المقبلة، كما يقدر أن نسبة المرشحين ممن سماهم "المهرجين" لا تتجاوز الواحد في المئة من بين أكثر من 1400 مرشح يتنافسون على أقل من 161 مقعداً، وأن هناك "من يدفع إلى تشويه الخصال الشخصية لعموم المرشحين".
جهة خبيثة
شهاب سعداوي، أحد رواد مواقع التواصل، قال "أصبحت أشك أن جهة ما خبيثة دفعت عدداً لا يستهان به من التافهين إلى المشهد الانتخابي وأمنت لهم التزكيات المشترطة قانوناً، والهدف هو الاستهزاء والسخرية من العملية الانتخابية بقصد إفشالها عبر التشجيع على مقاطعتها مع ملاحظة وجود عدد كبير من المرشحين الجادين في كل الدوائر".
رئيس بلدية بئر الحفي في محافظة سيدي بوزيد المرشح للانتخابات التشريعية مروان عرفاوي أكد أن "هناك بعض المرشحين يعملون عن قصد أو جهل على ترذيل السياسة وتهميش هذا الاستحقاق الانتخابي"، مستدركاً في تصريح خاص إلى "اندبندنت عربية"، "لكن هناك أكثر من ألف مرشح في الجمهورية وهؤلاء يعدون استثناءات وسط المشهد، والأهم أن الكرة بملعب الشعب المطالب بحسن الاختيار وإقصاء كل مظاهر الشعبوية والتهريج من البرلمان المقبل والحرص على اختيار الصادقين والفاعلين الذين لهم قدرة على سن تشريعات وقوانين تخدم مصالح الشعب".
كذلك أكد رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر وجود محاولات كبيرة للنيل من العملية الانتخابية المقررة في 17 ديسمبر (كانون الأول) الحالي وأن هناك أطرافاً سياسية من بين الذين يقفون وراءها.
وخلال زيارة تفقد ومتابعة، الثلاثاء، إلى مقر الهيئة الفرعية المستقلة للانتخابات في محافظة بنزرت، قال بوعسكر إن "الهدف من نشر وافتعال تلك الصور ومقاطع الفيديوهات المفبركة أصلاً التي لا تمت للواقع ولا المرشحين للانتخابات التشريعية بأي صلة، منع الناخب التونسي من التوجه لممارسة حقه وواجبه الانتخابي"، واصفاً تلك الحملات بـ"اللاقانونية واللاأخلاقية".
وأضاف أن "تلك المحاولات كثيرة ولن تنطلي البتة على الناخب التونسي باعتبار أن جميع المرشحين معروفون لدى الناخبين وقريبون منهم ويمثلون مناطقهم، وهم بصدد الإعداد لحملاتهم الانتخابية من دون إشكاليات وبصفة قانونية"، لافتاً إلى أن "العملية تجري بشكل سلس".
أبرز المقاطعين
يشار إلى أن عدداً من الأحزاب المعارضة على غرار "حركة النهضة"، الذراع السياسية لتنظيم الإخوان، التي شاركت في حكم البلاد خلال العشرية الماضية وأيضاً بعض الأحزاب الأخرى مثل الدستوري الحر والتيار الديمقراطي، دعت إلى مقاطعة الانتخابات التشريعية المقبلة.
وقال الناطق الرسمي باسم "حركة النهضة" عماد الخميري إن "الانتخابات المقبلة هي مهزلة بأتم معنى الكلمة"، مضيفاً "الشارع التونسي غير مهتم بهذه الانتخابات"، كما اعتبرها محطة غير دستورية في ظل غياب مشاركة الأحزاب ومقاطعة معظم الطيف السياسي.