للمرة الأولى منذ بدء الأزمة علقت الحكومة المصرية على ما يحدث في سوق الصرف من خسائر عنيفة للجنيه المصري مقابل الدولار، حيث نفى مجلس الوزراء المصري المزاعم والادعاءات التي يتم ترويجها في ما يتعلق بسعر صرف الجنيه والزعم بنقص الدولار في مصر. وأوضح أن مصر اتجهت أخيراً إلى تبني سياسة مرونة سعر الصرف، وهي السياسة الأنسب في حالة الاقتصادات المنفتحة على العالم الخارجي التي تتبنى سياسة نقدية مستقلة.
وقال، إن هذه السياسة تسهم في زيادة مستوى الصادرات نظراً إلى زيادة تنافسيتها وخفض جاذبية الواردات، نظراً إلى ارتفاع أسعارها خصوصاً عندما تتسم هياكل الإنتاج بالمرونة.
وذكر المجلس في تقرير حديث، أنه تزامناً مع تطبيق تلك السياسة تبنت الحكومة عديداً من الإجراءات الهادفة إلى زيادة مستويات الإنتاج الزراعي والصناعي، للتقليل من مستويات تأثر المواطن المصري من أثر الارتفاعات السعرية الناتجة عن تحرير سعر الصرف، التي أثبتت نجاحها بشكل كبير في زيادة مستويات الإنتاج من بعض السلع الزراعية والصناعية أخيراً، وارتفاع معدلات توريد الحاصلات الزراعية الرئيسة وعلى رأسها القمح.
البنك المركزي يضخ سيولة بشكل مستمر
وأشار التقرير إلى أن هذه السياسة المرنة لسعر الصرف هي إحدى الركائز الداعمة لسياسة استهداف التضخم التي يتبناها البنك المركزي المصري لتحقيق الاستقرار السعري، واحتواء معدلات التضخم في مستويات منخفضة لا تضر بالمستهلكين والمستثمرين.
وذكر أنه عادة ما يكون الأثر الخاص بتمرير التغيرات في سعر الصرف للأسعار المحلية مؤقتاً، ويبلغ ذروته في أعقاب تبني سياسات مرنة لسعر الصرف، ثم يبدأ في الانحسار تدريجاً وهو الأمر الذي شهده الاقتصاد المصري في أعقاب الموجة السابقة لتحرير سعر الصرف في إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تم تبنيه في عام 2016.
وقال مدبولي، إن حكومته تتبنى حزماً من الإصلاحات الهيكلية في إطار البرنامج الوطني للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، لمواجهة الأثر المتوقع لمرونة سعر الصرف على السلع والخدمات، الأمر الذي من شأنه تقليل مستويات الأسعار، وخلق مزيد من فرص العمل (ستة محاور إصلاح، و32 سياسة وهدفاً، و88 إصلاحا هيكلياً وإجرائياً وتشريعياً ذا أولوية من إجمالي 310 إجراءات إصلاحية).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح أن البنك المركزي المصري يضخ سيولة دولارية بشكل مستمر، للإفراج عن السلع المتراكمة في الموانئ، ويعطي الأولوية للسلع الأساسية ومكونات الإنتاج، حرصاً على عدم توقف العملية الإنتاجية، إضافة إلى ما تم من تكوين مجموعة عمل من "البنك المركزي ووزارة المالية لتحديد الفجوة الدولارية للعام المالي 2022-2023 ووضع سيناريوهات مختلفة لكيفية سد الفجوة الدولارية في موازنة العام المالي 2022-2023، إلى جانب إصدار مجموعة من التوجيهات لعدد من الوزارات بهدف ترشيد الإنفاق الدولاري.
وفي ما يتعلق بإجمالي تدفقات العملة الصعبة إلى مصر، وكيفية سد الفجوة الدولارية، أشار تقرير مجلس الوزراء إلى أن الحكومة تقوم بصورة دورية بمتابعة موقف موارد واستخدامات النقد الأجنبي بالتنسيق مع البنك المركزي بهدف خفض الفجوة الدولارية وضمان توفير النقد الأجنبي اللازم للوفاء بالاحتياجات الأساسية للاقتصاد المصري.
خطة محكمة لتوفير العملة الصعبة
وكشف رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي أن الدولة لديها خطة محكمة تعمل عليها أجهزة الدولة لتوفير موارد بصورة غير تقليدية من النقد الأجنبي خلال الفترة المقبلة، وتحديداً حتى 30 يونيو (حزيران) 2023، وذلك من أجل تأمين الاحتياجات من النقد الأجنبي، لتمكين الاقتصاد المصري من التحرك بقدر من المرونة.
وأشار خلال مؤتمر صحافي إلى أن البنك المركزي أصدر قراراً مهماً في شأن مستندات التحصيل وإلغاء الاعتمادات المستندية، حيث تمت زيادة قيمة الشحنات المستثناة من قرار الاعتمادات المستندية إلى 500 ألف بدلاً من خمسة آلاف دولار، وهو ما ساعد في الإفراج عن جزء كبير من البضائع، لكن لا تزال هناك قائمة نعمل عليها بصورة تدريجية.
وأكد أنه خلال شهرين على أقل تقدير، ستتمكن الدولة من إنهاء المشكلات الخاصة بالاعتمادات المستندية وهذا ما يتم العمل عليه بالفعل بصورة دائمة، موضحاً كذلك أن الدولة تعمل بكل جهدها من أجل العودة إلى حالة الاستقرار في ما قبل الأزمة.
وفي ما يتعلق بملف السلع وجهود الحكومة المستمرة في توفير السلع الاستراتيجية للمواطن المصري، أكد رئيس الوزراء المصري أن هذا الملف مهم للغاية، فهناك 130 مليار جنيه (5.284 مليار دولار) احتياطيات في الموازنة العامة للدولة، في سبيل تحمل العبء بقدر المستطاع وتخفيفه عن كاهل المواطنين، واستقرار السلع، وعدم ارتفاع أسعارها بشكل مبالغ فيه، إلا أنه على الجانب الآخر يستغل بعض التجار الأمر لرفع أسعار السلع بشكل كبير، ويحمل جشع هؤلاء التجار العبء على الحكومة.
وأشار إلى أن الحكومة تعمل بالتنسيق مع أجهزة الدولة المختلفة والقوات المسلحة ووزارتي الداخلية والتموين، من خلال المنافذ الموجودة في المحافظات لطرح السلع بأسعار ملائمة لمختلف الشرائح، ليغطي جزءاً ليس بالقليل من شرائح المواطنين. وأضاف "إلا أنه بالنسبة لباقي السوق، فإن التعامل بالتدخل العنيف، من الممكن أن يؤدي إلى اختفاء السلعة، ومن ثم فإن الدولة تبذل قصارى جهدها من خلال أجهزتها المختلفة لكبح جماح جشع التجار، وعن طريق جهاز حماية المستهلك والمحافظات ووزارة الداخلية وشرطة التموين، وغيرها من الجهات المكلفة التعامل مع هذه المخالفات".
محاربة التجار الجشعين
رئيس مجلس الوزراء المصري أشار إلى أن المواطن عليه دور مهم في الإبلاغ عن هؤلاء التجار الجشعين، حتى يتسنى للدولة وأجهزتها مجابهة هذا الأمر، والتحرك نحو تحسين واستقرار الأوضاع خلال الفترة المقبلة.
وفي شأن الإجراءات التي تعمل الحكومة عليها لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية على الرغم من استمرار الصراع الروسي- الأوكراني، أشار مدبولي إلى أنه تم الإعلان عن عدد من الحوافز الجديدة التي من شأنها جذب الاستثمارات وتحسين ورفع كفاءة مناخ الاستثمار في مصر، ومن ذلك حوافز المشروعات الخضراء، وبعض الحوافز تم توجيهها لصناعات وقطاعات بعينها، كما تم طرح منظومة جديدة لإتاحة الأراضي لمشروعات الصناعة سواء حق انتفاع أو تملك بقيمة المرافق.
وأكد أنه في سبيل التصدي للعقبة الأهم التي تتمثل في تعقيد الإجراءات التي تزعج المستثمر، تم تفعيل "الرخصة الذهبية" لإصدار التراخيص للمستثمرين، كما تم تشكيل لجنة برئاسة رئيس مجلس الوزراء لإصدار تراخيص للمشروعات الجادة، منوهاً بأنه تم اليوم توقيع عدد كبير من الاتفاقيات في شأن تنفيذ مشروعات عديدة في مجال الهيدروجين الأخضر، ومنذ أيام تم توقيع عقود مع 29 شركة محلية وعالمية في مجال تكنولوجيا المعلومات وصناعة التعهيد، لتوفير 34 ألف فرصة عمل للشباب خلال الفترة المقبلة.
وأشار إلى أن مشروعات البنية الأساسية (الموانئ، والمطارات، والطرق، وغيرها) هي المحفز الرئيس لجذب المستثمرين بالتالي توفير فرص عمل للشباب المصري، حيث تحتاج الدولة، في تحد واضح، إلى توفير نحو مليون فرصة عمل سنوياً، وهو أمر يصعب تحقيقه في بعض الدول المتقدمة نفسها، ولكن على الرغم من ذلك تعمل الدولة المصرية بأقصى جهد ممكن لسد تلك الفجوة، مؤكداً أن المشروعات القومية تسهم في توفير الملايين من فرص العمل وخفض معدل البطالة.