في إطار ما بات يعرف بـ"ملفات تويتر"، يواصل رجل الأعمال الأميركي إيلون ماسك نشر وثائق داخلية تتعلق بالإدارة السابقة لـ "تويتر"، تعود لسنوات قبل أن يستحوذ الملياردير الأميركي على العصفور الأزرق، تظهر كيف تلاعب موظفو المنصة بالمنشورات لصالح توجهات يسارية، من بينها إخفاء تفاصيل حول الكمبيوتر الشخصي الخاص بهانتر بايدن نجل الرئيس الأميركي جو بايدن، قبل الانتخابات الرئاسية 2020.
ومجدداً نشر ماسك تغريدات تشكك في نزاهة الانتخابات التي أجريت في البرازيل في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مشيراً إلى أن "تويتر" ربما تدخل في الانتخابات الرئاسية الأخيرة المثيرة للجدل، وكتب على حسابه الرسمي بالمنصة "لقد رأيت كثيراً من التغريدات المقلقة حول الانتخابات البرازيلية الأخيرة"، وأضاف "إذا كانت هذه التغريدات دقيقة، فمن المحتمل أن موظفي تويتر أعطوا الأفضلية لمرشحي اليسار".
يشير المنشور إلى أن موظفي "تويتر" ربما شاركوا في التأثير في الانتخابات الأخيرة التي أعلنتها المحكمة البرازيلية العليا وجاءت بانتصار بفارق ضئيل للمرشح الاشتراكي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا على الرئيس اليميني المتشدد جايير بولسونارو، فاز لولا في الانتخابات بنسبة 50.9 في المئة من الأصوات مقابل 49.1 في المئة لبولسونارو، وهي نتيجة أثارت احتجاجات ضخمة في جميع أنحاء البلاد من قبل أنصار الأخير الذين زعموا حدوث تزوير واسع النطاق.
سياسات تعديل المحتوى
يأتي تعليق ماسك على انتخابات البرازيل بعد أيام من تصريحه بأنه قبل توليه منصبه، كانت "الحقيقة الواضحة" هي أن المنصة "تتدخل في الانتخابات" من خلال سياسات تعديل المحتوى.
في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الفائت، بعد أن اعترف سابقاً بالهزيمة، زعم بولسونارو أن التدقيق الذي أجراه ائتلافه أظهر علامات "عطل" يعتقد فريقه أنه أثر في حوالى 280 ألف آلة تصويت، وبحسب هذه الادعاءات فإن النتيجة ستتأرجح إلى 51.05 في المئة لبولسونارو و48.95 في المئة لمنافسه اليساري إذا أبطلت الأصوات موضع العطل، غير أن جليسي هوفمان، رئيس الحزب الاشتراكي، اعتبر شكوى بولسونارو بأنها "خدعة"، وكتب على "تويتر" "لا مزيد من التسويف وعدم المسؤولية وإهانة المؤسسات والديمقراطية.. الانتخابات حسمت في التصويت والبرازيل بحاجة إلى السلام لبناء مستقبل أفضل".
استخدم كل من لولا وبولسونارو منصة "تويتر" على نطاق واسع خلال حملاتهما الانتخابية، وعلقت حسابات بعض حلفاء بولسونارو مثل النائب البرازيلي المحافظ الحاصل على أكبر عدد من الأصوات في البرلمان نيكولاس فيريرا بأوامر من القضاء بعد الجولة الثانية للتشكيك في نتائج الانتخابات، داعياً إلى التحقيق في مخالفات مفترضة أدت إلى خسارة بولسونارو الانتخابات.
وتقول بعض وسائل الإعلام الأميركية إن مزاعم ماسك في شأن البرازيل ليست مدعومة بأدلة، ويلمح آخرون إلى محاولة الملياردير الأميركي دعم بولسونارو في إطار مصالح تجمع الرجلين، إذ يلفت البعض إلى أن الرئيس البرازيلي السابق استضاف ماسك في اجتماع في ولاية ساو باولو البرازيلية في وقت سابق من العام الجاري، ووصف صفقة شرائه لـ"تويتر" بأنه "نسمة أمل" ووصفه بأنه "أسطورة الحرية".
الانتخابات الأميركية
والجمعة الماضية، نشر ماسك وثائق داخلية تظهر كيف قام موظفو الشركة بإخفاء تفاصيل حول الكمبيوتر الخاص بنجل بايدن، في إطار دعم المنصة للأخير خلال الانتخابات الرئاسية التي تنازع عليها مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب.
وفي أغسطس (آب) الماضي، أثار مؤسس موقع "فيسبوك" مارك زوكربيرغ، الجدل بعد تصريحات كشف فيها أن شركة "ميتا" وضعت قيوداً على بعض القصص الصحافية قبيل الانتخابات الرئاسية 2020، بموجب تحذير من مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي "أف بي آي"، وما زاد من الانتقادات لا سيما من قبل المحافظين في الولايات المتحدة إقراره بأن القصة التي نشرتها صحيفة "نيويورك بوست" حول فضيحة الكمبيوتر الشخصي لهانتر بايدن، كانت بين عديد من المواد التي تم تقييد انتشارها على شبكة التواصل الاجتماعي من خلال الخوارزميات.
كانت صحيفة "نيويورك بوست" نشرت في أكتوبر 2020، تحقيقاً يكشف محتويات جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بهانتر بايدن، قائلة إن نسخة مستردة من المحتويات تضمنت رسائل بريد إلكتروني تشير إلى أن جو بايدن استغل منصبه كنائب للرئيس خلال إدارة باراك أوباما، لدعم العلاقات التجارية لابنه في أوكرانيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويصر المحافظون أن الرسائل تحتوي على أدلة تتعلق باتهامات للاحتيال الضريبي وعمليات الضغط الأجنبي غير القانوني ووثائق تظهر تعاملات تجارية بين نجل بايدن وشركة الغاز الأوكرانية "بوريسما" التي أصبحت محور أول مساءلة للرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب عام 2019. ويقول الجمهوريون إن رسائل البريد الإلكتروني تشير إلى تورط نجل بايدن في صفقة بملايين الدولارات مع شركة نفط صينية مملوكة للحكومة.
وتقول "نيويورك بوست" إن كلاً من هانتر بايدن والحملة الانتخابية لوالده لم ينفيا صحة المواد الموجودة على الكمبيوتر المحمول، التي تتضمن بشكل خاص رسالة بريد إلكتروني تظهر أن الابن قدم والده إلى أحد شركائه المثيرين للجدل في الخارج، كما أكدت صحيفة "نيويورك تايمز" وصحيفة "واشنطن بوست"، صحة رسائل البريد الإلكتروني على الكمبيوتر، واستشهدت الصحيفتان بمصادر مطلعة على تحقيق جنائي في احتيال ضريبي محتمل ومخالفات محتملة لهانتر بايدن، إضافة إلى خبير قام بفحص نسخة من القرص الصلب.
معركة ماسك واليسار التقدمي
في أبريل (نيسان) الماضي، انتقد ماسك تحيز إدارة "تويتر" لصالح اليسار، قائلاً إن واحدة من الأسباب التي دفعته للاستحواذ على الشركة هي أن منصة التواصل الاجتماعي تفرض رقابة على المحافظين، وأضاف "أشعر بالقلق من أن يكون للتحيز المفروض في خوارزمية تويتر تأثير كبير على الخطاب العام".
وثمة معركة طاحنة تدور رحاها عبر منصة "تويتر" بين ماسك، الذي في حين كشف قبلاً عن ميله للحزب الديمقراطي لكنه أقر بأن ولاءه للحزب قد تذبذب بسبب المتشددين في الداخل، والتيار اليساري المتشدد داخل الحزب أو ما يعرف باليسار التقدمي، ففي بيان إعلانه عن صفقة شراء العصفور الأزرق، قال ماسك إن "حرية التعبير هي حجر الأساس لديمقراطية فاعلة، وتويتر هو ساحة المدينة الرقمية حيث تناقش الأمور الحيوية لمستقبل البشرية"، مضيفاً أن "لدى تويتر إمكانات هائلة، أتطلع إلى العمل مع الشركة ومجتمع المستخدمين".
لكن حديث ماسك عن حرية التعبير لم يرق لفئة تمتلك ما يكفي من القوة والسيطرة على وسائل الإعلام الرئيسة في الولايات المتحدة والجماعات المناصرة لفرض أجندة أو آراء محددة، وحتى القدرة على إسكات الآراء المخالفة عبر ما يعرف بـ"ثقافة الإلغاء"، فلم يمض أسبوعان على إتمام الصفقة حتى بدأت مجموعات ناشطة ووسائل إعلام رئيسة بشن هجوم لاذع على ماسك وسط مخاوف من تغيير سياسات "تويتر" ورفع الحظر عن حساب ترمب وعدد واسع من الحسابات المحافظة التي أغلقتها الإدارة السابقة للشركة بزعم ترويج معلومات مضللة أو معاداة المثليين وغيرها من الأطروحات المحافظة التي تتناقض مع تيار "اليسار التقدمي".
في غضون ذلك، أثار ماسك مزيداً من الدراما من خلال نشر رسم يوضح ما يعتقد أنه الطيف السياسي بين أولئك الذين يميلون بين اليسار (التقدمي-الليبرالي) واليمين (المحافظ)، ويقارن الرسم البياني كيف يشعر ماسك بأن آراءه السياسية قد تغير تصنيفها خلال الأعوام 2008 و2012 و2021، مع اتجاه السياسات اليسارية نحو مزيد من التشدد، ووفقاً لصورة المخطط الذي نشره في مايو (أيار) الماضي، كان ماسك يعتبر نفسه شخصاً "ذا ميول يسارية" في عام 2008، ثم أصبحت آراؤه تصنف ضمن تيار الوسط بشكل تدريجي، وباتت لاحقاً في خانة اليمين في عام 2021.