بعدما كان عام 2022 صعباً على التونسيين اقتصادياً ومالياً بتدهور قدرتهم الشرائية، إضافة إلى تسجيل مستويات قياسية لأسعار معظم المواد الاستهلاكية وتواضع المؤشرات الاقتصادية في البلاد، فإن عام 2023 سيكون أكثر صعوبة على تونس وذلك باعتراف الحكومة.
وأقرت الحكومة التونسية صراحة ضمن خطتها التنموية لعام 2023 بأن الأمور ستكون أكثر صعوبة وأن العام المقبل لن تختلف فيه الأوضاع عن العام الحالي وتُرجِم ذلك من خلال نسبة النمو الهزيلة التي تستهدفها الحكومة التي ترأسها نجلاء بودن، بنسبة 1.6 في المئة.
وكشفت الحكومة التونسية في مشروع الميزان الاقتصادي للعام المقبل، وهي الخطة التنموية المزمع تنفيذها، أنها ستواصل تحريك أسعار المحروقات وستبدأ برفع الدعم عن المواد الأساسية.
عام محوري
ويُعتبر عام 2023 وفق الحكومة محورياً في مسار بناء "رؤية تونس 2035" والانطلاق في رسم منوال تنموي جديد يمكن من خلاله كسب الرهانات المستقبلية وبلوغ الأهداف المنشودة.
ووفق وثيقة مشروع الميزان الاقتصادي، فإن سنة 2023 تكتسي طابعاً خاصاً باعتبارها السنة الأولى في تنفيذ المخطط التنموي 2023/2025، الذي يتضمن برنامجاً متكاملاً للإصلاحات الهيكلية المعمقة يؤسس لهيكلة اقتصادية جديدة تستجيب للخيارات التنموية وتواكب التحولات على المستويين الدولي والوطني.
ويُنتظر أن يكون عام 2023 صعباً باعتبار الوضع العالمي غير المستقر وتعدد المخاطر، بما أدى إلى تراجع نسق النمو والمبادلات العالمية مع ارتفاع نسب التضخم وما قد يصحبه من مزيد من تشديد السياسات النقدية في أهم البلدان المتقدمة.
الاقتصاد التونسي يواصل تعثره
أما على الصعيد الوطني فيُنتظر أن يتأثر الاقتصاد التونسي بصعوبات تتجسم أساساً ببروز تداعيات موجة الجفاف وتأثيرها الحاد على الإنتاج الفلاحي وقطاع الصناعات المعملية الغذائية إضافة إلى تواصل الانخفاض الطبيعي لمخزونات النفط والغاز.
كما تكمن خصوصية السنة المقبلة في تعدد التحديات وعمق التعقيدات التي تتمثل تحديداً في انخفاض نسق النمو الكامن نظراً إلى ضعف المجهود الاستثماري خلال السنوات الأخيرة والتأخر في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية وتفاقم إشكالية النقص في الموارد المائية والشُح المائي وتبعاته على منظومات الإنتاج الفلاحي علاوة على تعقد الإشكاليات التي أثرت على انتظام إنتاج الفوسفات ونقله ودخول شبكة الحديد السريعة ومشاريع الطاقات المتجددة والمشاريع العامة المهيكلة حيز الاستغلال.
1.6 في المئة نمواً متوقعاً
وأظهرت الخطة التنموية أنه يُفترض تطور الناتج المحلي الإجمالي العام المقبل، بنسبة 1.6 في المئة، وهو نسق يستند إلى فرضيات حذرة وواقعية تأخذ في عين الاعتبار طبيعة المرحلة على المستوى الوطني ولكن بالخصوص ارتفاع المخاطر الضمنية على الصعيد الدولي بحسب معدي المشروع.
ويُعد عام 2023 صعباً على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية بعلاقة مع عمق تداعيات الأزمات الاقتصادية الأخيرة وحدة انعكاسها على الاقتصاد الوطني.
ويُنتظر أن يبلغ الناتج المحلي الإجمالي نسبة 1.6 في المئة العام المقبل مقابل 2.2 في المئة متوقعة لكامل عام 2022.
ويُعزى هذا المستوى من النمو إلى تباطؤ النشاط في قطاع الصناعات الموجهة للتصدير نظراً إلى تراجع الطلب الخارجي من قبل الاتحاد الأوروبي، الشريك التجاري لتونس، إضافة إلى تواصل تراجع إنتاج قطاع المحروقات، فيما يُنتظر أن يتم تسجيل نمو معتدل في معظم القطاعات المنتجة الأخرى.
وعلى هذا الأساس، سيبلغ الدخل الفردي في تونس 13688.9 دينار في عام 2023 (4277.8 دولار). مع الإشارة إلى أن تونس مصنفة ضمن الدول ذات الدخل المتوسط خلال 2022 بحسب تصنيفات البنك الدولي.
ويرتكز منوال النمو لعام 2023 على أساس ارتفاع القيمة المضافة للقطاع الفلاحي بنسبة 1.3 في المئة على الأسعار، وذلك استناداً إلى جملة فرضيات تتمثل في إنتاج حوالى 19 مليون قنطار من الحبوب مقابل 17 مليون قنطار خلال موسم 2021-2022 وإنتاج 1240 ألف طن من الزيتون، مقابل 1180 ألف طن في الموسم الحالي، وإنتاج نحو 372 ألف طن من التمور، مقابل 368 ألف طن في الموسم الحالي إلى جانب إنتاج 480 ألف طن من القوارص مقابل 345 ألف طن منتظرة خلال عام 2022. وينتظر أيضاً ارتفاع القيمة المضافة للقطاع الصناعي بنسبة 1.5 في المئة بسبب تباطؤ القيمة المضافة للصناعات الموجهة للتصدير، في علاقة مع تراجع الطلب الخارجي والتراجع الطبيعي لمخزونات المحروقات في ظل غياب الاستكشاف والبحث والتجديد.
وفي المقابل، توقع مشروع الميزان الاقتصادي نمو القيمة المضافة في قطاع الخدمات بنسبة 1.8 في المئة أي بنسق أعلى من نسق تطور الناتج المحلي الإجمالي بفضل التحسن النسبي للإنتاج في كل القطاعات المنتجة تقريباً.
ويُنتظر أن يسترجع القطاع السياحي حيويته السنة المقبلة في موازاة تنويع العرض السياحي لتحسين موقع تونس كوجهة سياحية فضلاً عن تطوير السياحة البيئية والثقافية والصحراوية وسياحة المؤتمرات والعلاج الطبيعي بمياه البحر وسياحة الاستشفاء وتنمية السياحة البديلة بمنطقة الجنوب الشرقي.
كما يُنتظر أن تشهد السنة المقبلة تطور النشاط في قطاع النقل بجميع مكوناته وبخاصة السكك الحديدية نتيجة دخول خط الشبكة الحديدية السريعة طور الاستخدام في النقل البري، إضافة إلى تعزيز أسطول الحافلات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مواصلة إصلاح مناخ الاستثمار
وأكدت وثيقة المشروع في محور الاستثمار أن الجهود ستتكثف خلال السنة المقبلة من أجل مزيد تحفيز الاستثمار وتحسين مناخ الأعمال بما يسمح بتوفير بيئة استثمارية جاذبة وملائمة لاستقطاب الاستثمارات الوطنية والأجنبية.
وستشهد الفترة المقبلة تسريع نسق الإصلاحات الرمية إلى تحفيز المبادرة الفردية وتحرير الاستثمار بما يسهم في استرجاع ثقة المستثمرين وتوضيح الرؤية وتحرير المبادرة من أجل تحسين القدرة التنافسية للاقتصاد وإرساء مقومات نمو مستدام.
كما سيتم اعتماد برنامج لإصلاح مقومات مناخ الأعمال سيشمل 120 إجراء تم تحديدها في إطار تشاركي مع القطاع الخاص والإدارات الرسمية المعنية.
واستناداً إلى الآفاق والفرص المتاحة الناجمة عن الإصلاحات الهيكلية والاستراتيجيات القطاعية المحفزة للاستثمار وبخاصة الدفع المنتظر لمختلف الإجراءات التي تم إقرارها لتحسين مناخ الأعمال، يُنتظر أن يتطور الاستثمار بنسبة 14 في المئة في 2023 ليرتفع إلى 26731.5 مليون دينار (8353.5 مليون دولار) أي ما يعادل 16.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
كما تستند التقديرات إلى تعبئة 2962 مليون دينار (925.6 مليون دولار) للاستثمارات الخارجية المباشرة مقابل 2384 مليون دينار (745 مليون دولار) منتظرة في عام 2022.
التحكم في المبادلات التجارية
في السياق، يعد استرجاع سلامة التوازنات المالية الخارجية، وفق الحكومة، من أولويات العمل التنموي خلال عام 2023 خصوصاً بسبب تذبذب الأسعار العالمية وبروز السياسات الحمائية إضافة إلى تفاقم الصعوبات المرتبطة بسلاسل التزويد والإمدادات.
ويفترض منوال النمو تطور صادرات السلع والخدمات بنسبة 7.1 في المئة مقابل 25.6 في المئة مقدَرة في 2022، وذلك في علاقة مع تراجع الطلب الخارجي الموجه إلى تونس.
كما يُتوقع أن تشهد واردات السلع والخدمات نمواً بنسبة 4.8 في المئة في الأسعار الجارية، مقابل 30.6 في المئة منتظرة في العام الحالي.
كما يُفترض أن تتطور صادرات الفوسفات بنسبة 10 في المئة خلال 2023 بالعلاقة مع تطور الأسعار العالمية وتزايد الطلب الخارجي وتحسن الإنتاج الوطني.
ويُنتظر أن تتطور واردات مواد الطاقة بنسبة ستة في المئة مقابل 75.7 في المئة في 2022 نتيجة التراجع المنتظر في الطلب والأسعار على المستوى العالمي.
واستناداً إلى مجمل هذه التطورات ينتظر أن يسجل العجز التجاري تقلصاً بـ1.5 نقطة لينحصر في حدود 15.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 17.3 في المئة متوقعة لكامل 2022.
بدء إصلاح منظومة دعم المواد الأساسية
ومن المنتظر أن يشهد عام 2023 تواصل النسق التصاعدي لتطور مؤشر الأسعار عند الاستهلاك نتيجة تزامن عوامل عدة، أبرزها تواصل الضغوط على الأسعار العالمية للمواد الأولية والأساسية في ظل التوقعات باستمرار تداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية والتوترات الجيوسياسية على المستوى الدولي.
وفي هذا الإطار كشفت الخطة التنموية عن شروع تونس في إصلاح منظومة دعم المواد الأساسية تزامناً مع تقديم منح مالية للمواطنين في شكل تحويلات إلى جانب مواصلة تحريك أسعار المحروقات.
ويُنتظر أيضاً أن تسهم السياسة النقدية التقييدية تزامناً مع التحكم في نسق تطور الأجور في الوظيفة العمومية، في التحكم بالطلب وبالتالي في الحد من تفاقم الضغوط التضخمية.
في المحصلة، سيظل اقتصاد تونس العام المقبل يرزح تحت ضغوط داخلية وخارجية ستزيد من تعقيد أوضاع المواطنين لا سيما من حيث تدهور قدرتهم الشرائية وكذلك تخبط البلاد في إشكاليات سياسية أثرت سلباً على البعدين الاقتصادي والاستثماري.