تركت زيارة مسؤول أمني أميركي رفيع إلى الجزائر انطباعات متضاربة تكشف حساسية الموقف بين واشنطن والجزائر، وعلى رغم أن تصريحات المسؤولين في مثل هذه الزيارات يسودها التحفظ و"الدبلوماسية" فإن توقيتها والظروف المحيطة تجعل منها مناسبات تخفي وراءها قراءات متعددة الدلالة.
في خضم التقارب اللافت بين الجزائر وروسيا التي دخلت مع أوكرانيا في حرب لا تزال انعكاساتها مستمرة دولياً على مختلف المستويات، وعشية وجود الرئيس الصيني في السعودية من أجل ثلاث قمم، واستعداد الرئيس تبون لزيارة موسكو، زار منسق شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمجلس الأمن القومي الأميركي بريت ماكغورك الجزائر في زيارة وصفت بالمهمة التقى خلالها الرئيس تبون، حسبما ذكر بيان الرئاسة الجزائرية، وأيضاً رئيس أركان الجيش السعيد شنقريحة وعدداً من المسؤولين العسكريين، بحسب وزارة الدفاع، ولم تذكر بيانات الطرفين خلفيات الزيارة ومحتوى اللقاءات، واكتفت بفقرات عامة لم تخرج عن السياق المعهود.
وزارة الدفاع الجزائرية أشارت في بيان، أن الطرفين تطرقا خلال اللقاء الذي حضره ألوية وعمداء من أركان الجيش ووزارة الدفاع وأعضاء الوفد العسكري الأميركي إلى حالة التعاون الثنائي بين البلدين، وبحثا معاً الوسائل الكفيلة بتعزيزه، كما تناولا السياق الأمني على الصعيدين الإقليمي والدولي، وأوضحت أن اللقاء شكل فرصة لتبادل وجهات النظر حول المسائل ذات الاهتمام المشترك.
فيما أشارت سفارة الولايات المتحدة لدى الجزائر، أنه تم بحث السبل لمواصلة العمل معاً من أجل السلام والاستقرار، وأن الولايات المتحدة تثمن جهود الجزائر لدعم السلام والأمن ومكافحة الإرهاب في المنطقة.
من جانبه أوضح منسق شؤون الشرق الأوسط ماكغورك، في تصريح عقب استقبال الرئيس تبون له، أن اللقاء كان مثمراً وبناء، موضحاً أن الشراكة بين الجزائر والولايات المتحدة قوية، وأبرز إرادة البلدين في العمل معاً من أجل تعزيزها أكثر، وباستثناء جملة "تم التطرق إلى الأوضاع في أوروبا وشمال أفريقيا"، فإن التصريح لم يحمل في طياته نقاطاً أو مواضيع حول خلفيات الزيارة وحقيقة ما تم تناوله بين مسؤولي البلدين.
واشنطن متوجسة
تذهب أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية نجوى عابر، إلى "أن الولايات المتحدة متوجسة من توجه الجزائر للانضمام لمنظمة (بريكس) التي تعتبرها تكتلاً مناهضاً لواشنطن، كما لا تخفي قلقها من حجم التعاون والشراكة الجزائرية الصينية المجسدة في مشاريع عملاقة عدة". وقالت إن "واشنطن تحاول انتهاج استراتيجية مزدوجة لتطويع الجزائر للمحافظة على موقعها كشريك استراتيجي في حين الدفع بها إلى البقاء في دائرة الحياد الإيجابي بخاصة بعد تحولها إلى لعب أدوار متنامية في ملفات إقليمية عدة مثل الساحل الأفريقي، والملف الليبي، وكذا توريد الطاقة إلى أوروبا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تضيف عابر لـ"اندبندنت عربية"، أن "الجزائر تبدو أكثر تصميماً على المضي في خياراتها الاستراتيجية من أجل لعب أدوار تتلاءم مع عناصر قوتها المادية والمعنوية، لا سيما أن وتيرة حركية الصراع الدولي تتجه لصالح الجزائر التي نجحت في انتهاج سياسة خارجية معتدلة وعقلانية".
وأوضحت رداً على سؤال حول توقع عقوبات في حال إصرار الجزائر على سياسة تنويع الشركاء، أن "سياسة العقوبات التي تلوح بها بعض الأطراف داخل الإدارة الأميركية لن تضر الجزائر بقدر إضرارها بمصالح واشنطن في المنطقة ككل، لأن قرار العقوبات ضد الجزائر إن صدر سيكون مبرراً لخروجها من حياد سياستها الخارجية إلى التخندق مع الأطراف الدولية المنافسة أو المتصارعة مع الولايات المتحدة، وهذا ما يفسر التردد والتوجه لاعتماد خطاب مزدوج تجاه الجزائر".
بين ترمب وبايدن
من جانبها، يعتبر الناشط السياسي محمد محمودي، في تصريح خاص، أن العلاقة بين الجزائر وواشنطن توترت منذ توقيع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إعلاناً يعترف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، وهو ما أدى بالجزائر إلى تغيير البوصلة علانية نحو الصين وروسيا"، وأضاف، "أن توجه الجزائر الجديد القديم زاد من غضب الولايات المتحدة بدليل مطالبة نواب بفرض عقوبات على الجزائر تحت عنوان دعمها موسكو في حربها على أوكرانيا عبر صفقاتها الضخمة لشراء السلاح الروسي، إضافة إلى وضع الجزائر تحت المراقبة بخصوص الحريات الدينية من طرف الخارجية الأميركية، في شكل ضغط". وأشار إلى أن "الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن له ماض مع الجزائر، وهو الذي قدم لائحة ضدها حين كان نائباً عام 1990، بزعم سعيها لامتلاك سلاح نووي".