بالكاد يمكن اعتبار فترة صقيع مفاجئ في ديسمبر (كانون الأول) عملاً سياسياً أو مفاجأة. لكن هذا العام، يضيف الشلل الموسمي المعتاد على الطرق إلى شعور وطني بالصعوبات التي تواجه بريطانيا. ويبدو أن تمضية تسع ساعات على الطريق السريعة "أم 20" هو رقم قياسي غير مرحب به. وسيعني هطول كمية قليلة إضافية من النوع غير المناسب من الثلوج أن النقابة الوطنية لعاملي السكك الحديد والبحرية والنقل (RMT) لن تحتاج إلى تكليف نفسها عناء الإضراب. ويزداد المزاج الوطني قتامة.
تشعر الأسرة المتوسطة بالفعل بقلق من النقص الوشيك في الديوك الرومية (الراجع إلى عودة إنفلونزا الطيور)، وتقلص [عدد] زياراتها الأسبوعية إلى المتاجر، وتؤجل الانتقال إلى بيت جديد، وتفكر هل تشغل التدفئة أم لا – ونصحنا أحد الوزراء بتجنب السفر إلى الخارج في عيد الميلاد هذا، ولم يتطرق إلى الفوضى التي يُتوقَّع أن تؤثر في خدمات السكك الحديد المحلية.
بل إن الأسر الأكثر فقراً تعاني أكثر، إذ تضطر إلى الاختيار بين التدفئة أو الطعام. أما مراكز توزيع الطعام [بنوك الطعام]، التي أعاد البعض تسميتها على نحو ساخر "خزائن الطعام"، فغير قادرة على التكيف [تلبية الأزمة المستجدة]. ويعاني المشردون من وضع أسوأ حتى، إذ نبدأ باختبار أولى درجات الحرارة ما دون الصفر في فصل الشتاء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وليست الإحصاءات الخاصة بالاقتصاد الكلي أقل إحباطاً: لقد انكمش الاقتصاد على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، ما أكد على الانزلاق إلى الركود، ويخبرنا وزير المالية بأن التضخم من المرجح أن يتفاقم قبل أن يتحسن. ومن الواضح أن بريكست لا يبلي بلاء حسناً. وتعاني المملكة المتحدة من تفشي حمى الحلق البكتيرية وينفد [مخزون] البنسلين لديها. حتى مصادر الترفيه الوطنية الأخيرة لدينا لم تعد متاحة: خرجت إنجلترا وويلز من كأس العالم. وعلى غرار أغنية قديمة تظل في البال، بدأت الأوضاع تبدو كأزمة إلى حد كبير، في كل مكان يقصده المرء.
وما يزيد من الانطباع بألا شيء في بريطانيا يعمل على ما يرام هي موجة الإضرابات المقررة للأسابيع المقبلة: تتعطل القطارات والمستشفيات وسيارات الإسعاف والبريد والضوابط الحدودية وحتى اختبارات قيادة المركبات كلها بسبب الإضرابات. والواقع البارد الذي يفيد بنفاد سيطرة الحكومة على الأحداث تؤكده اجتماعات "كوبرا" Cabinet Office Briefing Rooms (COBRA) [اجتماعات حكومية تقام للتعامل مع الأزمات الوطنية أو الإقليمية] من أجل تنظيم نشر العسكر.
حين تضطر الحكومة إلى دعوة الجيش إلى الحفاظ على الخدمات العامة الحيوية، يشكل ذلك علامة على الضعف وليس القوة. ذلك أن الحكومة إذا لم تتمكن من تسوية النزاعات الخاصة بالأجور من دون اللجوء إلى مساعدة عسكرية، تكون الأمور قد سلكت مساراً خاطئاً حقاً.
يُحرَم الرجال والنساء المنهكون في القوات المسلحة البريطانية، الذين لا يتلقون مكافآت جيدة هم أنفسهم، من إجازة عيد الميلاد من أجل فض الإضرابات، وذلك ببساطة لأن أمثال [رئيس الوزراء] ريتشي سوناك و[وزير النقل] مارك هاربر و[وزير المالية] جيريمي هانت و[وزير الصحة والرعاية الاجتماعية] ستيف باركلي و[وزيرة الداخلية] سويلا برافيرمان لا يستطيعون احتواء الإضرابات.
لا شك في أن القوات ستنفّذ الأوامر وستمد يد المساعدة عند الضرورة، لكن عدد القوات هو ببساطة أقل مما يجب لإحداث فارق عملي كبير، ولا يمكن نشر القوات في مهام تقتضي فض الإضرابات إلى أجل غير مسمى. كذلك قد يخبر الجنود وقادتهم رؤساءهم السياسيين بأنهم لم يلتحقوا بالقوات المسلحة لقيادة سيارات الإسعاف أو فحص جوازات السفر، وأنهم لا يرغبون في أن يستاء منهم عدد ضخم من مواطنيهم الذين يقومون بإضراب سلمي قانوني – أو من قبل عامة الناس الذين يتعاطفون إلى حد ما مع المضربين. وهم ليسوا وكالة لموظفين مياومين.
ويتعين على [وزير الدفاع] بن والاس أن يبلغ زملاءه بقدر أعظم من الحزم مقارنة بما فعل إلى الآن، أن عليهم عدم إساءة استغلال ميزة القدرة على الاعتماد على قوات جلالته في حالات الطوارئ. ويتعين على الجنود أن يعودوا إلى ثكناتهم، أو أن يعودوا إلى منازلهم في إجازة، أو أن يستأنفوا عملهم النشط في أقرب وقت ممكن إذا لم يكونوا راغبين في أن يُنعَتوا بالعاملين البدلاء وأن يُرغَموا على أن يخترقوا بالقوة صفوف المضربين من المسعفين والممرضين. لا ينبغي استخدام الجيش البريطاني بالطريقة التي استُخدِمت بها الشرطة أثناء إضراب عمال المناجم بين عامي 1984 و1985، ما خلف مرارة مترسبة.
وعاجلاً أو آجلاً، سيكون لزاماً على الحكومة أن تنخرط بحوار أعمق مع النقابات وأن تجد إلى إنهاء الأزمة سبيلاً لا يعتمد على عمل الجنود كعاملين بدلاء. وكما كانت الحال مع موجات مماثلة من التحركات القطاعية في الماضي، لن تستمر الإضرابات إلى الأبد، ولا بد من التوصل إلى بعض التنازلات. هكذا تنتهي هذه النزاعات.
كلما سارعت الحكومة إلى إنهاء الأزمة، قل احتمال شعورها في نهاية المطاف بالإذلال والإضعاف. فالجمهور يريد إنهاء هذا التعطل، ويريد أن يتحدث زعماؤه إلى الكلية الملكية للتمريض، والنقابة الوطنية لعاملي السكك الحديد والبحرية والنقل، ونقابة العاملين في الاتصالات، ونقابة الخدمات العامة والتجارية وأي طرف آخر معني. وعلاوة على ذلك، يتعين على الحكومة أن تكرس بعض الاهتمام لتحديد الطريقة التي تعتزم بها بريطانيا حلّ مشكلة نقص العمالة لديها، الذي يتحمل جزئياً المسؤولية عن التضخم الحالي وعن النفوذ الذي أصبحت الآن النقابات العمالية تتمتع به على صعيد المساومة. في إحياء لشعار مناسب رفعه المحافظون في حقبة سابقة: "لا يمكننا أن نستمر على هذا النحو".
© The Independent