يبدو أن فكرة ضرب أوكرانيا بأسلحة نووية تغلغلت في عقول الأوكرانيين لدرجة أن بعضهم يعتبرها حتمية، وأن وقوعها مسألة وقت فقط، ويثق سكان كييف بتحصينات الملاجئ في مدينتهم ويعتقدون أن وصولهم إليها سينجيهم لو قصفت العاصمة بقنبلة نووية، لكن خوفهم الحقيقي والأكبر يتمثل في الموت من الجوع أو العطش أو البرد، هذا القلق دفع مواطناً يدعى سيرهي ديميتروك لتحضير "حقيبة ظهر نووية"، كما يسميها في حديثه إلى صحيفة "ذا واشنطن بوست"، مليئة بما يكفي لمدة أسبوع من المؤن والأدوات الضرورية لمساعدته في البقاء على قيد الحياة.
لم يكتف بافلو هاك بتجهيز حقيبة مماثلة، لكنه هيأ مكان عمله والأقبية في منزله، واستأجر منزلاً في الريف يخطط لتجهيزه بمولد كهربائي والطعام والوقود، يتمثل خوفه في موت الأصدقاء والأقارب الذين تجاهلوا التهديد ولم يتخذوا احتياطات مماثلة.
أما ناتاليا سوليما، فكل ما تخشاه هو أن تفترق عن ابنها ميشا البالغ من العمر خمس سنوات، الذي ما فتئت تذكره بأهمية اللحاق بشخص بالغ إلى الملجأ عندما تطلق صفارات الإنذار، ولا تسمح له بالخروج من المنزل من دون حقيبته المدرسية التي تحولت إلى حقيبة نجاة تناسب سنه، تحتوي على دميته وكتابه المفضلين وبعض الأكلات الخفيفة، وتقول الأم "لا أصدق أن علينا القيام بهذا".
تهديدات بوتين
يفكر سكان كييف بدرجات متفاوتة في احتمال استهداف مدينتهم بسلاح نووي، وهو أمر لم يكن يخطر ببالهم إطلاقاً في السابق، لكن الآن، هناك مبررات لمخاوفهم بعد تهديد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكثر من مرة بأنه مستعد لاستخدام "جميع الوسائل الضرورية" للفوز في حرب أوكرانيا، والأحاديث المتكررة في البرامج الحوارية التلفزيونية الروسية التي تدعو إلى استخدام الأسلحة النووية.
بتقدير الخبراء العسكريين يبدو خطر وقوع ضربة نووية ضئيلاً، وقال مسؤولون في البنتاغون، إنهم لا يرون أي دليل على قيام روسيا باستعدادات لتنفيذ الهجوم، وربما انحسر التهديد أكثر بعد تصريحات بوتين للصحافيين الروس يوم الأربعاء بأن روسيا لم "تفقد صوابها" في مسألة الأسلحة النووية وتدرك التداعيات الخطيرة لاستخدامها. ومع أنه لم يستبعد هذا الخيار، قال موضحاً، "إننا نمتلك هذه الوسائل، وهي أكثر تطوراً وحداثة من الأسلحة الموجودة في أي دولة نووية أخرى، هذه مسألة واضحة... لكننا لن نلوح باستخدام هذه الأسلحة وكأنها شفرات حلاقة نرشق بها العالم من كل حدب وصوب".
على كل، بالنسبة إلى عديد من سكان كييف عاصمة الدولة، التي شرعت روسيا في حربها، المخاطر كافية لتبرير وضع بعض الخطط لحالات الطوارئ على أقل تقدير، وقال ديميتروك، إن معظم الأوكرانيين لم يصدقوا أن روسيا ستهاجم بلدهم، على رغم تحذيرات الولايات المتحدة المتكررة، وأصيبوا بالذهول عندما اندلعت الحرب، مضيفاً "يعتقد الجميع الآن أنه لن تكون هناك حرب نووية ... لكن إذا أرادت روسيا فعل ذلك فإنها ستقوم بذلك ... من الجيد أن نكون مستعدين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
شبكة ملاجئ
تمتلك كييف بالفعل شبكة ملاجئ مجهزة لمواجهة ضربة نووية متمثلة في منظومة مترو الأنفاق الخاصة بها، التي شيدت أيام الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة لتستخدم كمخابئ نووية - بما في ذلك أعمق محطة قطار أنفاق في العالم، أرسنالنا، الموجودة على عمق 105.4 متر تحت الأرض.
قال حاكم إقليم كييف، أوليكسي كوليبا، إنه يتم إعداد 425 مأوى إضافياً وتجهيزها بالطعام والماء وأجهزة الراديو لخدمة الأشخاص الذين يعيشون خارج المدينة، لكنه أقر بأن الملاجئ لن تتسع للجميع وأن أبوابها ستغلق قبل خمس دقائق من أي انفجار متوقع لحماية الموجودين بداخلها بالفعل من التسرب النووي.
وأصدرت الحكومة نصائح مفصلة لمن لا يستطيعون الوصول إلى الملاجئ حول الخطوات التي يجب اتخاذها للبقاء على قيد الحياة، وتشمل، إذا كنت في الشارع عند حصول الانفجار فلا تنظر إليه "تحت أي ظرف من الظروف" فذلك قد يسبب العمى، استلق على الأرض ووجهك لأسفل وقدماك في اتجاه الانفجار، قم بتغطية جميع الأجزاء المكشوفة من جسمك، انتظر حتى تمر موجة الانفجار، انتبه لاتجاه هبوب الرياح، بعد ذلك، تحرك في اتجاه متعامد مع الريح حتى تعثر على شكل من أشكال المأوى المغلق، ويفضل أن يكون ذلك داخل غرفة، قبل دخولك الغرفة، انزع ملابسك الخارجية وضعها في كيس بلاستيكي وتخلص منها، بمجرد الدخول، أغلق الأبواب وأي نوافذ بشريط لاصق، أحضر جهاز راديو وشغله لمعرفة متى يمكنك الخروج بأمان لأنه من غير المحتمل أن تكون شبكات الهاتف المحمول تعمل.
تقول يوليا بالاشيفكا، رئيسة قسم الاستعداد للطوارئ ومراقبة الإشعاع في المركز العلمي والتقني للسلامة النووية والإشعاعية في كييف، إن النصيحة معقدة، وحتى في حال اتباعها، فإن احتمالات البقاء على قيد الحياة ليست مرتفعة، مضيفة أنه من الصعب معرفة الاستعدادات التي يجب اتخاذها ما لم يعرف حجم السلاح النووي الذي قد يستخدم أو الموقع الذي قد يضربه.
في حال أسقطت روسيا أصغر سلاح نووي تكتيكي لديها على وسط كييف فإن أجزاء كبيرة من المدينة لن تتأثر، لكن أثر استخدام سلاح أكبر سيكون مدمراً أكثر بكثير.
لكن الأمل موجود في كلتا الحالتين كما تقول بالاشيفكا، فحتى في حالة استخدام قنبلة أكبر، سيكون هناك فاصل زمني يتراوح بين خمس دقائق و15 دقيقة ما بين موجة الصدمة والتسرب النووي، ما يتيح بعض الوقت للناجين من الانفجار الأولي للاحتماء، مضيفة "لن يكون الأمل معدوماً ولن تواجه الموت الفوري".
عامل الوقت هو ما يعول عليه ديميتروك في استعداداته، فهو يفترض أنه سيكون لديه من الوقت حوالى ساعة كي يتمكن من العودة إلى المنزل وأخذ حقيبة ظهره والهرع إلى أقرب محطة مترو أنفاق تقع على بعد نصف ميل.
عبأ طعاماً طويل الأجل ومياهاً للشرب تكفي لمدة أسبوع، إلى جانب ملابس داخلية دافئة وطباخ صغير يعمل بالغاز وحقيبة نوم ومكملات اليود الغذائية وجهاز متعدد الاستعمالات يحتوي على مصباح يدوي وجهاز راديو يعمل بالموجات القصيرة وشاحن يدوي، ووضع في حقيبته أيضاً بوصلة للمساعدة في معرفة اتجاه الرياح وجهاز اتصال لاسلكياً للتواصل مع أصدقائه الذين لديهم استعدادات مشابهة.
لكن لا يأخذ جميع مواطني كييف التهديد على محمل الجد، وأنشأ بعضهم مجموعة للتواصل عبر تطبيق "تليغرام" تدعو السكان إلى التجمع على قمة تلة في كييف في حال وقوع ضربة نووية، اجتذبت 15000 مشترك قبل إزالتها من منصة التواصل الاجتماعي.
يقول هاك القلق على أصدقائه، إن بعضهم تجاهلوا التهديد قائلين إن الجميع سيموتون على أية حال إذا وقعت ضربة نووية، ويأمل الرجل أن يكون قادراً على استقبال جميع موظفي وزبائن الحانة التي يديرها في قبو المبنى، وقد أخذ مفتاح زجاجات في حقيبة ظهره كي يتمكن من فتح زجاجات النبيذ المخزنة هناك.
أما سوليما وزوجها فيتمنيان أن يتوفر لديهما الوقت الكافي للهروب إلى منزل في الريف استأجراه أخيراً، إنهما يحتفظان بعدة نجاة في صندوق سيارتهما ويخططان لإحضارها إلى شقتهما إذا لم يكن لديهما من الوقت ما يكفي للفرار، تقول السيدة "أشعر أنني قمت بكل الاستعدادات الممكنة".