يتوجه الناخبون التونسيون، السبت 17 ديسمبر (كانون الأول)، لانتخاب برلمان جديد من دون صلاحيات فعلية في انتخابات تشريعية تقاطعها غالبية الأحزاب السياسية المعارضة وتمثل مرحلة جديدة في النظام السياسي الرئاسي الذي أسس له الرئيس قيس سعيد عام 2021.
ويتكون البرلمان الجديد من 161 نائباً ويحل محل البرلمان الذي جمد سعيد أعماله في 25 يوليو (تموز) 2021 ثم حله لاحقاً، كما قرر آنذاك وضع دستور جديد وتعزيز صلاحياته، معللاً قراره بعدم فاعلية البرلمان السابق ومعلناً انطلاق "عهد جديد".
برلمان من دون صلاحيات
كان البرلمان السابق معززاً بصلاحيات حكم فعلية وواسعة، بينما سيكون البرلمان المقبل مجرداً منها بموجب الدستور الجديد الذي أقره الرئيس، وتمت المصادقة عليه إثر استفتاء شعبي لم يحظ بمشاركة واسعة في 25 يوليو الفائت.
ويرى الخبير السياسي حمادي الرديسي أن "الهدف هو تحقيق أجندة تم وضعها بعد إجراءات سعيد مباشرة"، مشيراً إلى أنها "استكمال للمسار الذي بدأ في 25 يوليو".
ويؤكد الرديسي لوكالة الصحافة الفرنسية أن هذا البرلمان "لن تكون لديه صلاحيات كثيرة لأنه لن يكون قادراً على مساءلة الحكومة أو توجيه اللوم إليها"، لأنه من الصعب تحقيق الشروط المعقدة التي ينص عليها الدستور في هذه الحالات.
وبحسب الدستور الجديد، يمكن للبرلمان اقتراح مشاريع قوانين على أن تطرح من جانب 10 نواب في الأقل مع إعطاء الأولوية للنصوص التي يقدمها الرئيس.
ويعلن في 20 مارس (آذار) المقبل عن تركيبة البرلمان النهائية بعد تنظيم الدورة الثانية للانتخابات التشريعية ما بين شهري فبراير (شباط) ومارس (آذار).
وينص القانون الانتخابي الجديد على الاقتراع الفردي ويحل محل انتخاب اللوائح، مما يضعف من مشاركة الأحزاب السياسية في الانتخابات ونتج من ذلك ترشح شخصيات غير معروفة غالبيتهم من دون انتماءات سياسية.
مقاطعة بعض الأحزاب
وبالنسبة إلى الرديسي فإن "الهدف وعلى رغم كل عيوب هذه الانتخابات ونواقصها، هو زيادة شرعية الرئاسة"، معتبراً أن الانتخابات ستنتج "برلماناً بلا صلاحيات".
قاطعت غالبية الأحزاب السياسية الانتخابات وفي مقدمتها "حزب النهضة" ذو المرجعية الإسلامية المعارض الأول لسعيد، والذي كان أكبر الأحزاب المهيمنة على البرلمان طوال 10 أعوام، إذ إنه يعتبر ما يقوم به الرئيس "انقلاباً على الدستور وعلى الانتفاضة التي فتحت طريقاً للديمقراطية الوحيدة في العالم العربي".
وجدد أحمد نجيب الشابي رئيس "جبهة الخلاص"، وهي تكتل لأحزاب معارضة في مؤتمر صحافي، الخميس، مقاطعة الانتخابات و"عدم الاعتراف بنتائجها"، وقال إن "نداءنا الأخير لعامة المواطنين بأن يمتنعوا عن المشاركة في انتخابات يوم السبت" لأن "البرلمان سيكون مجرداً من صلاحياته".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما الاتحاد العام التونسي للشغل، النقابة العمالية الرئيسة في البلاد الذي قبل بقرارات الرئيس في 25 يوليو 2021 من دون منحه "شيكاً على بياض"، فأظهر خلال الأيام الأخيرة موقفاً مختلفاً وأكثر حدة تجاه مشروع سعيد السياسي. واعتبر أمينه العام نور الدين الطبوبي في خطاب أمام مناصري الاتحاد أن الانتخابات المقبلة "لا طعم لها ولا لون" وهي نتاج "دستور لم يكن محل توافق".
ويشدد الرديسي على أن الاقتراع يطرح أيضاً "مشكلة التمثيلية" بمشاركة منخفضة للنساء (122 مرشحة، أقل من 15 في المئة) بينما تشكل النساء نصف سكان البلاد تقريباً (12 مليوناً).
ويبدي الرديسي مخاوفه من رؤية "برلمان من دون نساء"، بينما كانت المساواة إلزامية في القوائم الانتخابية في السابق.
نصف المرشحين أساتذة
وترشح للانتخابات 1085 شخصاً غالبيتهم غير معروفين من قبل الرأي العام التونسي.
ووفقاً "للمرصد التونسي للانتقال الديمقراطي"، فإن نصف المرشحين أساتذة (نحو 26 في المئة) وموظفون حكوميون ذوو مستوى متوسط (نحو 22 في المئة).
ستكون نسبة المشاركة في هذه الانتخابات رهاناً كبيراً وقدر الخبراء أن تكون ضعيفة. وحصل كل المرشحين على أكثر من 400 ألف توقيع تأييد، "لكن حتى إن تمت مضاعفة الرقم بمرتين أو ثلاث، فسيكون ذلك فشلاً ذريعاً علماً أنه في الاستفتاء السابق كما في الانتخابات الرئاسية عام 2019، سجلت مشاركة 2.5 مليون ناخب"، بحسب الرديسي.
وقال عدد من الشباب إنهم ليسوا معنيين بالاقتراع الذي سيفرز "برلماناً دمية"، مؤكدين أنهم "لا يرغبون في معرفة أي شيء عن المرشحين".
تحدثت وسائل الإعلام في تونس كثيراً عن "لا مبالاة" التونسيين بهذه الانتخابات.
وتقول التاجرة مروة بن ميلاد إن "ما يحدث على الساحة السياسية لم يعد يهمني، لم أعد أثق بأحد. البلاد تسير من سيئ إلى أسوأ".
نشاطات سعيد
لم تهتم غالبية التونسيين بالحملات الانتخابية للمرشحين بل جعلوا من مقاطع الفيديو مصدراً للسخرية والضحك.
فظهر أحدهم جالساً على كرسي وبيده باقة من زهر الياسمين ويدخن سيجارة ويقدم المال لعازفين على الطبلة من أجل ترديد شعارات تمدح الرئيس سعيد.
وخلال الأيام الأخيرة كثرت نشاطات الرئيس، فتارة يزور حياً شعبياً يفتقد لأبسط مقومات العيش، وطوراً يظهر داخل مصنع للحليب وكأنه يقوم بحملة انتخابية نيابة عن المرشحين.
في المقابل، يواصل المواطنون مواجهة النقص المتكرر في الحليب والرز والسكر، وارتفاع التضخم الذي اقترب من 10 في المئة، في حين تغرق البلاد المثقلة بالديون في أزمة اقتصادية تفاقمت بسبب تداعيات وباء "كوفيد-19" ثم الحرب في أوكرانيا.