هل "العراب" The Godfather فيلمك المفضل؟ إذاً، لا بد أنك أحسست بأن المجتمع الحديث قد سلبك رجولتك. كذلك لا بد أنك منقطع كلياً عن حوادث العالم. في الأقل، تلك هي النظرية الصحيحة وفقاً لخريج "جامعة ستانفورد" آلبي دي غراسو (الذي يؤدي دوره آدم دي ماركو)، في الجزء الأخير من المسلسل الساخر الناجح "وايت لوتس" ["اللوتس الأبيض"] The White Lotus لمؤلفه مايك وايت، الذي تعرضه شبكة إتش بي أو HBO وتدور حوادثه حول أشخاص فاحشي الثراء ينزلون في فندق فخم.
إذ يعتبر آلبي أن ذلك الفيلم الصادر في عام 1974 الذي حقق جماهيرية واسعة يمثل "رواية خيالية حول زمن كان الرجال فيه قادرين على الخروج وحل جميع مشكلاتهم عن طريق العنف، ومضاجعة كل النساء، ثم العودة للمنزل إلى زوجاتهم اللاتي لا يطرحن أية أسئلة ويحضرن لهم المعكرونة". هذا ما يسميه جد آلبي، بيرت (ف موري أبراهام) "خيال الذكر الطبيعي". لكن آلبي يرد عليه بقوله إن "الأفلام الشبيهة بهذا ترغم الرجال على تصور هذا الخيال". عندها يرمقه والده دومينيك (مايكل إمبريولي) بنظرة استياء، إنما في الأخير يؤيد بيرت الذي يدعو حفيده بـ"مغسول الدماغ".
إنه مشهد يجسد المغزى الكامل من وراء هذه السلسلة. نعلم، على غرار حوادث الموسم الأول من المسلسل، بأن أحدهم سيلقى حتفه. لكننا منهمكون بالكشف عن هوية القاتل إلى درجة أن لا أحد لاحظ على ما يبدو أكثر الجهات المذنبة في هذا المنتجع الصقلي. ما الشيء الذي يفتك ببطء بمجموعتنا الجديدة من محتسي شراب "أبيرول"، ومرتدي ثياب من ماركة "غوتشي" ومستنشقي الكوكايين وآكلي اللوتس؟ لا شك في أنها الذكورية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
استطراداً، تشكل الذكورية أساس كل الحبكات بشكل أو بآخر، سواء الأحاديث التي تدور بين الشخصيات، أو الجنس الذي لا يمارسونه. لماذا نشعر أن كل المشاهد على طاولة العشاء بالغة الحدة؟ كأن لا أحد ينطق بما يقصده أبداً؟ لماذا يبدو دومينيك دائماً كأنه بحاجة إلى دخول المرحاض؟ وبالصيغة التي استخدمتها مجلة "فانيتي فير"، باستطاعنا طرح السؤال التالي: هل رجال وايت لوتس بخير؟
يأتي الجواب بالنفي. فلنأخذ مثال جماعة دي غراسو الذين يفترض بهم قضاء العطلة برفقة زوجة دومينيك وسلفته. لسوء الحظ، ضبط دومينيك متلبساً أثناء خيانته زوجته مجدداً، لذا قررت أن تلازم المنزل مع ابنته، وقد تركتا الرجال الثلاثة يذهبون إلى شاطئ صقلية وحدهم، ويأخذون معهم ثلاثة أجيال من الذكورة الحائرة.
إن بيرت البالغ من العمر 80 سنة، شخص ذكوري كاره للنساء وغير آسف على ذلك. ولا يزال يتشبث بسلوك جنسي يرجع إلى حقبة عفا عليها الزمن. ويتصرف بطريقة غير لائقة مع كل امرأة يلتقيها. ويوبخ ابنه الوحيد لأنه "مهمل" جداً في خيانته. ويصر على أنه ما زال "قادراً على جعل امرأة تحمل" منه. في المقابل، يجسد دومينيك شخصية المنتمي إلى "الجيل إكس" Gen X-er [يضم المواليد بين منتصف ستينيات القرن الـ20 ومنتصف ثمانيناته. ويقعون بين جيل طفرة المواليد بعد الحرب العالمية الثانية، وجيل الألفية الثالثة]. ويحاول دومينيك أن يحسن نفسه لكنه يفشل بشكل ذريع في مسعاه. إذ ينهر والده بسبب مضايقته للنساء ويتصل بزوجته ليخبرها بأنه ما يزال يحبها (فترد عليه صارخة "دعني وشأني!") ويصر على أنه مجرد مدمن على الجنس يحاول أن يتعالج. لكنه في الوقت نفسه خوان مزمن. وقد أجر خدمات بائعة هوى محلية طوال فترة الأسبوع مقدماً. ربما لا يختلف عن أبيه كثيراً في النهاية، ولو أنه على درجة أكبر من الإدراك الذاتي.
لدينا أيضاً آلبي، "الشاب الجيد" بحسب وصفه لنفسه، الذي لا يروم سوى احترام المرأة. لكن مع مرور حلقات الموسم، يصبح من الواضح أنه يمثل نموذجاً بدائياً آخر، يتفق بشكل أوثق مع "الجيل زد" Z Gen (ما بعد جيل الألفية) وجيل الألفية. نقدم إليكم الشاب الرقيق. لا شك في أن آلبي يتحدى عائلته ويتفوه بجمل من نوع إن "الجندر ليس إلا مفهوماً مختلقاً" قبل أن يبتسم بغرور وينظر إلى صديقته الجديدة التي يهواها، بورشا (هيالي لو ريتشاردسون) فيبدو كما لو أنه حل مشكلة التباين في الأجور بين الجنسين. لكن الدلائل الواضحة على خطر آلبي تكمن في طريقة ضغطه عليها كي تقضي الوقت مع عائلته فيما من الواضح جداً أنها لا تريد ذلك، وممارسته الجنس مع لوسيا (بائعة الهوى نفسها التي أحضرها والده، بالمناسبة) مع أنه لا يملك المال كي يدفع لها، وشكواه من أن النساء لا يردن "الرجال اللطيفين" [الرجل اللطيف مصطلح يستخدم حاضراً في الثقافة الغربية لوصف الذكور الذين يقدمون أنفسهم بأنهم غير ذكوريين، وأنهم يحترمون النسوية، لكنهم قد لا يكونون كذلك فعلياً].
دعوني لا أتطرق أبداً إلى وصف آلبي النساء اللاتي يفضلهن على أنهن "الطيور الجميلة المجروحة".
اليوم، توضع الذكورة تحت المجهر أكثر من أي وقت مضى، ولا سيما في الثقافة الشعبية. إذ طرحت إعادة تصور للموضوع، ولطف ونزع منه السم، وتفكك بكل الطرق التي يمكنكم تخيلها. لكن السؤال الذي يطرحه وايت مختلف، ذلك إنه بعد تحليل كل الجوانب، ما الذي تغير فعلاً؟
تعالج هذه القضية بدهاء أكبر من خلال شخصيات أخرى. في مثل عن ذلك، فلنأخذ كاميرون (ثيو جيمس) وإيثان (ويل شارب) الصديقين الثريين من أيام الجامعة اللذين يقضيان العطلة مع زوجتيهما، دافني (ميغان فاهي) وهاربر (أوبري بلازا). في البداية، يقدم الرجلان على أنهما مختلفان جذرياً. إن كاميرون خبير التكنولوجيا المغرور الذي يتجاهل الأخبار ويصر على أن الخيانة أمر طبيعي ويحدد فوراً "المومسات" حينما يصل مع أصدقائه إلى الفندق. ولاحقاً يطلب منهن المخدرات ويمارس الجنس مع إحداهن.
يمثل إيثان المنافق المهووس بدراسته وعمله، الذي يبدأ كل صباح بجولة عدو باكراً ويفضل مشاهدة الأفلام الإباحية على ممارسة الجنس مع زوجته لأنها "لا تكون بأفضل أحوالها في الصباح". لكن على مر الحلقات، يبدأ التقارب في الشخصيتين، على غرار رجال عائلة دي غراسو. صحيح أن إيثان لا يمارس الجنس مع ميا، صديقة لوسيا، على رغم تشجيع كاميرون له. لكنه يقبلها، ويكذب على هاربر بشأن ما حصل عندما تجد غلاف واق ذكري في حمامهما.
لاحقاً، تتملكه الشكوك حول هاربر وكاميرون، ليس لسبب سوى أنه رآهما يضحكان سوية حينما تناولوا الغداء. وسرعان ما يسيطر على إيثان شعور بالغيرة أقرب إلى غيرة عطيل [إشارة إلى الشخصية الرئيسة في مسرحية شكسبير الشهيرة التي تحمل هذا العنوان وتشكل الخيانة الزوجية محوراً رئيساً فيها]. ويتهم إيثان زوجته بالخيانة بينما ما يزال يتكتم على ما حصل مع ميا. مع ذلك تستمر هشاشة الذات الذكورية بالسيطرة على أفكاره ومشاعره. وفي النهاية لا شك في أنها ستؤدي إلى مواجهة بينه وبين كاميرون، قد تكون منافسة تافهة قاتلة.
ثم لدينا غريغ (جون غريز). غريغ المحب واللطيف والمتواضع الذي يشتهر بأنه هب لنجدة تانيا (جنيفر كوليدج) في الموسم الأول. في الأقل، ذلك ما اعتقدناه حينها. فقد تحول بشكل من الأشكال في الموسم الحالي من سلسلة "لوتس أبيض" إلى شخص وضيع ومعتد يذم البدينين، وربما يخطط لمؤامرة كبيرة من أجل سلب زوجتها كل أموالها. حتى ممارسة الجنس معها أصبحت بمثابة الخدمة التي يؤديها لها، وحينما يقول إنه يحتاج إلى الاغتسال أولاً بسبب "المستنقع الموجود بين فخذيه" لا يسعنا سوى أن نشعر بأنه يستفزها.
لا تسيئوا فهمي، ليست النساء في "لوتس أبيض" أيقونات عن الفضيلة كذلك. إن مدرب دافني الشخصي هو أيضاً عشيقها، فيما تمارس ميا الجنس مع لاعب البيانو في الفندق لا لسبب سوى أن يساعدها في تطوير مسارها المهني الموسيقي، وربما تكون هاربر قد دخلت في علاقة مع كاميرون أيضاً. لكن لا تعاني أي من هذه الشخصيات من المرض نفسه الذي ابتلي به الرجال حولهن. ويتضمن ذلك المرض صفات مستترة في الرجولة، على غرار الكبرياء والاستحقاق والمنافسة والنشاط الجنسي للذكر المهيمن، وهي صفات متأصلة بسبب قرون من النظام الأبوي. ربما إنهن شخصيات سيئة، بكل بساطة. وبصراحة، نظراً إلى طريقة تعامل الرجال في حياتهن معهن، من يمكنه لومهن على مقاومتهم؟
حين تتحدث دافني عن عشيقها السري، تكسب فوراً احترام هاربر، ومعظم المشاهدين على الأرجح. وتقول لها خلال حديث قلبي تجريانه أثناء رحلة إلى منطقة نوتو المجاورة "لست ضحية". وفي هذه الأثناء، تبين ميا (بياتريس غرانو) ولوسيا (سيمونا تاباسكو) منذ البداية بوضوح شديد أنهما قادرتان على استغلال الذكورية السامة من خلال عملهما في الجنس، ما يقرب كل واحدة منهما من هدفها بالعمل في الموسيقى والانتقال إلى مدينة "لوس أنجلوس". مجدداً، من الصعب عدم الإعجاب بهما لهذا السبب.
يصعب علينا أن نعرف إلى أين يقودنا "وايت لوتس". وكذلك يملك مؤلف المسلسل عادة مفاجأة المشاهدين بأبطال وأشرار غير متوقعين في ختام المسلسل. ربما ينتهي المطاف بعائلة دي غراسو إلى التعويض عما فعلته. وربما يجد بيرت لنفسه زوجة ساحرة من صقلية، من عمره. وربما يخيفها بتعليق آخر غير مقنع بشأن جسد الرجل من نوع "إنه قضيب وليس غروب شمس". في أية حال، يبدو أنه في مواجهة ذكورة على هذا القدر من الاضطراب والسمية، بل المأسوية بعض الشيء، علينا اعتبار رأي دافني الرأي الأكثر جدية. فأثناء تمشيتهما في بلدة "نوتو"، تخبر هاربر، "أتعلمين، أنا أشفق على الرجال". ربما يشفق عليهم مسلسل "اللوتس الأبيض" أيضاً.
© The Independent