منذ استدعاء المرأة إلى العمل في المصانع خلال الحرب العالمية الأولى بعد تجنيد نسبة كبيرة من الذكور، بدأت المطالب النسائية بالحقوق التي تساويهن بالرجال تصبح علنية وتلقى استماعاً في وسائل الإعلام وفي المحافل التي يسيطر عليها الذكور. فعمل المرأة في المصانع ساند الجبهات بالأسلحة وأسهم في منع انهيار معظم اقتصادات الدول المشاركة في الحرب، ومنذ ذلك الحين أعطيت المرأة حق الاقتراع في معظم الدول الأوروبية، وانطلقت سبحة المطالب المحققة، من قبيل الحق بالعمل والتعليم وحرية الرأي والتعبير، ورفض السلطة الذكورية التي تبدأ من سلطة الأب إلى سلطة الزوج، فالابن، وهكذا دواليك، حتى باتت حقوق المرأة واحدة من القضايا الأممية الأولى خلال القرن الـ20 بعدما تقدمت معظم القضايا التي عاصرتها قبل أن تظهر مجموعات أخرى بمطالب مختلفة كحقوق الطفل أو المنظمات البيئية التي دقت جرس الإنذار بخصوص التلوث البيئي والاحتباس الحراري، بدءاً من ثقب الأوزون الذي كان القضية الأولى بيئياً منذ أواسط سبعينيات القرن الـ20.
ما بين حقوق المرأة والتمييز ضد مجتمع الميم
وظهرت قضايا مختلفة كان لها تأثير على وهج قضايا حقوق المرأة، منها تلك التي تتعلق بوقف التسلح النووي ووقف دعم المتحاربين في الحروب الأهلية، ومن ثم ظهور قضايا "مجتمع الميم"، أي مجتمع مثليي الجنس إلى جانب قضايا الإجهاض ومنع تزويج القاصرات. فقضايا المرأة والطفل المترابطة كانت تتنافس مع قضايا مثليي الجنس التي لقيت دعماً في معظم دول العالم وداخل الهيئات الدولية وعلى رأس الأمم المتحدة التي ضمت حقوق المثليين إلى برامج قضاياها التي تدافع عنها عبر مساعدة جمعيات المجتمع المدني في مختلف أنحاء العالم، هذا إلى جانب دعم قضايا المرأة التي لا تنتهي طالما أن الحروب الأهلية أو الدولية العابرة للحدود لم تنته بعد، فبحسب إحصاءات الأمم المتحدة فإن النساء والفتيات المراهقات والأطفال هم الفئات الأكثر تضرراً من الحروب بسبب النزوح والتهجير والفقر والبطالة وفقدان أفراد الأسرة. ويتعرض "مجتمع الميم" أيضاً لمواجهة من نوع مختلف، في معظم المجتمعات، سواء المحافظة أساساً أو المجتمعات المنفتحة، والتي يوجد فيها فئة ولو قليلة تحارب "مجتمع الميم" والدعم الذي يتلقاه من مختلف الجهات من أجل جعله "جزءاً طبيعياً" من المجتمعات العالمية، سواء بحقوق الزواج وتكوين أسرة والعمل أو بحقوق التعبير عن آرائهم. أعضاء ذلك المجتمع ومواقفهم من المواضيع التي ما زالت مجتمعات كثيرة تعتبرها من ضمن "التابوهات" التي لا يمكن تحويلها إلى مواضيع للنقاش في المجال العام.
وبحسب بيانات الأمم المتحدة المتعلقة بحماية "مجتمع الميم" فإنها تصنف الاعتداءات التي يتعرض لها أفراد هذا المجتمع في إطار التمييز على أساس الجنس، مثله مثل التمييز العنصري على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني، ويضاف إلى هذا التمييز أن الأشخاص من "مجتمع الميم" أكثر عرضة للتمييز والعنف بدافع الكراهية. وبحسب مكتب الأمم المتحدة لحقوق الانسان أن التمييز ضد "مجتمع الميم" يتم في سوق العمل وفي المدارس والمستشفيات، ويتعرضون لسوء المعاملة والتبرؤ من قبل أسرهم، ويتعرضون للاعتداء الجسدي والتعذيب والقتل. وما زالت 77 دولة تقريباً تجرم العلاقات الجنسية المثلية ويتعرض "المرتكبون" للاعتقال والمحاكمة والسجن، وفي خمس دول على الأقل يتعرضون لعقوبة الإعدام. وفي يوليو (تموز) 2013 أطلق مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان برنامج "أحرار ومتساوون"، وهي حملة إعلامية عالمية غير مسبوقة للأمم المتحدة تهدف إلى تعزيز المساواة في الحقوق والمعاملة العادلة لـ"مجتمع الميم".
المرأة العربية و"مجتمع الميم" سواء بالعنف
في ما يتعلق بحقوق المرأة يمكن الاستناد أيضاً إلى مكتب حقوق المرأة والطفل في الأمم المتحدة الذي أظهر في بيانه الأخير أن المرأة في المنطقة العربية تسجل أقل نسبة مشاركة في الحياة السياسية على مستوى العالم، وتحتل المرتبة الأدنى في المشاركة السياسية في مؤشر الفجوة بين الجنسين بمعدل 15.2 في المئة فقط. وتعد المنطقة متخلفة عن المعدل العالمي البالغ 22.1 في المئة من النساء الممثلات في البرلمان، والأمر ينطبق على تمثيلها في الأحزاب السياسية وفي السلطة القضائية وفي المناصب الوزارية، حيث إن هذا التمثيل الناقص يترجم أكثر إلى الحياة العامة، بما في ذلك المشاركة في الأنشطة السياسية والتصويت.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولهذا، تم إطلاق شبكة نسائية إقليمية للبرلمانيات "الشبكة النسائية العربية للمساواة من أجل المساواة". وتعد هذه الشبكة مبادرة رائدة لتعزيز المساواة بين الجنسين، وتضم عضوات من 22 دولة في المنطقة العربية. وتم تأسيس "تجمع وطني للبرلمانيات الجزائريات"، كانت من بين التوصيات الرئيسة لإعلان الجزائر 2013، وفي تونس من خلال مشروع "الأكاديمية السياسية للنساء المرشحات لانتخابات البلدية. وفي المغرب تم توجيه فريق عمل "البرلمانيون من أجل المساواة"، من خلال دعم الأمم المتحدة للمرأة، من أجل تحليل مشاريع القوانين المتعلقة بهيئة المساواة ومكافحة جميع أشكال التمييز والانتخابات، ووضعت توصيات للتأثير في مجموعاتها البرلمانية وضمان دمج حقوق المرأة في تحليل هذه القوانين بمجرد مناقشتها في اللجان ذات الصلة، لكن موضوع التمثيل السياسي والانتخابي للمرأة في الدول العربية يصبح بسيطاً أمام تعرضها للعنف من قبل الذكور في مجتمعها، إذ تقدر منظمة الصحة العالمية أن 37 في المئة من النساء اللاتي كان لهن شريك في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط تعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي من الشريك في مرحلة ما من حياتهن، بما في ذلك جرائم القتل المتعلقة بـ"الشرف" والزواج المبكر والقسري والموقت والممارسات الضارة مثل تشويه الأعضاء التناسلية للإناث.
ويتسبب العنف بكلف باهظة من أجل الرعاية الصحية والنفقات القانونية والخسائر في الإنتاجية، على سبيل المثال، في المغرب، يكلف عنف الشريك النظام القضائي 6.7 مليون دولار أميركي سنوياً. وفي مصر قدرت تكلفة العنف الذي تعانيه النساء وأسرهن بما لا يقل عن 208 ملايين دولار أميركي في عام 2015.
وفي المغرب، على سبيل المثال، يعتقد 60 في المئة من الرجال أنه يجب على الزوجات تحمل العنف للحفاظ على بقاء الأسرة، ويرتفع الرقم إلى 90 في المئة في مصر، وفي ما يتعلق بفلسطين، فإن نسبة الرجال الذين وافقوا هذا الرأي عالية، وبلغت 63 في المئة، بينما انخفضت النسبة كثيراً في لبنان لتصل إلى 26 في المئة، وهي نسبة لا يزال التغاضي عنها صعباً.
وتأتي معاملة المرأة العربية بهذه الطريقة ضمن ظروف صعبة جداً من الحروب والنزاعات خلال العقد الماضي أدت إلى تشريد نحو 17.7 مليون شخص في مختلف أنحاء الدول العربية في السنوات الست الماضية، مع وجود خمسة ملايين لاجئ فلسطيني يعيشون خارج منازلهم. وعملت النساء في كل هذه الظروف بفاعلية، سواء في المطالب التغييرية في معظم العواصم العربية، أو في مخيمات اللاجئين والمشردين وداخل المجتمعات المضيفة، حيث كن معيلات لعائلاتهن ومجتمعاتهن.