تكرست نجومية المطرب والممثل زياد برجي عام 1996 منذ إطلالته في "برنامج "استوديو الفن" ومن ثم فوزه بالميدالية الذهبية، ولكن الأهم من تلك الميدالية بالنسبة إليه كانت دعوة فيروز لزيارته في منزلها، بعد إعجابها بأدائه لأغنية "أهواك بلا أمل". ومع أن برجي لا يتحدث عما دار بينهما وعن كواليس تلك الزيارة، سوى أن فيروز أعدت له "السمبوسك" بيديها، وهو يؤكد أنه لا يمكن أن ينسى تلك اللحظات أبداً.
لكن مرحلة ما بعد "استوديو الفن" لم تخل من العثرات وخيبات الأمل، ولم يكن الحظ حليفه في علاقته مع شركات الإنتاج، إلى أن جاءته الفرصة الذهبية من خلال التمثيل، وهو عرف كيف يستغلها ونجح في أن يفرض نفسه كممثل وثم كنجم غنائي على مستوى العالم العربي، خصوصاً وأنه كان جهد وكافح وحصن نفسه برصيد كبير من الأغاني التي حملت توقيعه كملحن وأيضاً كشاعر في بعضها. كملحن تعاون برجي مع أسماء لامعة في عالم الأغنية، أبرزها جورج وسوف الذي جدد تعاونه معه، أخيراً، من خلال أغنية "بيتكلم عليا"، أما كممثل فيضم رصيده سبعة مسلسلات وستة أفلام آخرها "ولا غلطة" مع المخرج سعيد الماروق.
المنطقة الآمنة
لا ينفي برجي أن نجاحه كممثل مهد الطريق له كمطرب مع أنه بدأ مساره الفني كمغن، إذ يوضح "كان يلزمني تصوير عدد كبير من الأغاني لكي أحقق الانتشار الذي حظيت به بفضل مسلسل "غلطة عمري" مع الممثلة نادين الراسي والمنتج مروان حداد الذي كان أول من اختارني لدور تمثيلي. يومها لم أتمكن من استيعاب السبب، لكنني وافقت وقلت إنني يمكن أن أستفيد من أجري في المسلسل لتصوير أغنياتي. وفكرت في أنني إذا اعتمدت على إحساسي يمكن أن أحقق شيئاً ما كممثل، وربما لن أكون مبدعاً في التمثيل، ولكنني أستطيع أن أوصل العمل إلى المنطقة الآمنة. والحمد لله نجح المسلسل كثيراً واختصر الطريق وحقق لي انتشاراً كبيراً، ثم تكررت التجربة مع المنتج مروان حداد والمخرج سيف الشيخ نجيب ومن بعدها تواصل النجاح في تجربتي السينمائية مع "فالكون فيلمز"، وعدد من المخرجين مثل سيف الشيخ نجيب ونبيل لبس وسعيد الماروق. تجربة التمثيل كانت هدية ربانية كافأني الله بها كمطرب عانى كثيراً وكممثل حظي بالقبول عند الناس، عدا عن أنها صبت في مصلحتي كمطرب لأن أغاني المسلسلات والأفلام التي قدمتها فيها حققت نجاحاً فاق نجاح الأغاني التي صورتها. ومع الوقت ارتبطت شخصيتي كمطرب بشخصيتي كممثل وكملحن وصرت أفضل أن تنتزع عن اسمي التسميات وأن يتم التعريف عني كفنان، حتى إنني كتبت بعضاً من أغنياتي مع أنني لست بشاعر. لقد وهبني الله ملكة الغناء والتلحين والتمثيل والكتابة، ولكنني لست أفضل الممثلين ولا أفضل الملحنين ولا أفضل الشعراء، ويكفيني أن أكون "ماستر" في الفن وأسمح بأن أمنح نفسي صفة فنان. وعندما يقال زياد المطرب والملحن والشاعر والممثل، أشعر أنني "ثقيل الدم" وأعمل في أكثر من مجال".
في المقابل، يؤكد برجي أنه يوازن بين تجاربه الفنية ويحرص على الجودة في كل ما يقدمه، نافياً أن يكون قد تعدى على أي مجال من المجالات التي يعمل فيها، ويضيف "لست ببراعة أحمد زاهر وقصي خولي في التمثيل، ولا بليغ حمدي وزياد بطرس وبلال الزين في التلحين، ولا أحمد ماضي وأمير طعيمة وعلي المولى ومنير أبو عساف في كتابة الشعر، بل هذه المواهب هي أسلحة وهبني الله إياها لكي أخدم زياد المطرب الذي لم يؤمن به أحد، وعلى الرغم من ذلك نجح بألحانه. فأنا لم أكن محظوظاً إنتاجياً إلا مع شركة "روتانا"، وكذلك في تعاوني أخيراً مع المنتج وائل حلواني، ولكن بعض الأشخاص السيئين دخلوا بيننا وأخذوا مني فرصة التعامل معه، لكنني نجحت بالتعويض من خلال التلحين وقدرتي على تأليف ألحان جميلة، كما من خلال التمثيل الذي اعتمدت على مدخولي منه، لكي أصور الأغاني، كما أنني أكتب كلام أغنياتي وهذا ما يساعدني في توفير المال الذي يحتاج إليه التلحين والكتابة، في حين أن كل المطلوب من المطرب الذي يتعامل مع شركة إنتاج أو أشخاص يؤمنون به هو اختيار الأغنية. الدنيا حظوظ ولكن الحظ يمكن أن يدعم الإنسان لفترة وجيزة، إلا إذا كان نشيطاً وعرف كيف يستغل الفرصة، بينما أنا تعبت للحصول على فرصتي التي كنت قد هيأت لها كل الحواجز التي تمنع زوالها بسرعة".
السينما نقطة التقاء
وعن نظرته إلى التمثيل وهل هو يشكل أولوية عنده أم أنه مصدر رزق وحسب، يوضح "التمثيل يشكل ركيزة أساسية في شخصيتي، وأنا أنجذب للعمل في السينما أكثر من التلفزيون، لأن تصوير المسلسل يستغرق عدة شهر. الفيلم يشكل نقطة التقاء بيني وبين الجمهور في عالم مختلف يرضي الممثل الموجود في داخلي، ويظهره من خلال هذه الزاوية التي أحبها والتي تسمح لي بالغوص في عالم الأغنية وتقديم حزمة كاملة مكتملة، تجمع بين السينما والموسيقى التي أحب أن أشتغلها بنفسي. أنا أحب التمثيل وأشعر أنني أتطور في المجال وأتعلم من أجل تقديم الأفضل والأحسن. ولكنني لا أطمح بالضرورة إلى منافسة عظماء الممثلين الذين يحترمونني ويعترفون بي ويقولون إنني لست مستهتراً في المهنة التي لي فيها إطلالات متواضعة، ولكنني أعطيها كل وقتي وزخمي وأجمل موسيقى. التمثيل ليس سياحة أقوم بها سنوياً في أفلامي، بل أنا أضع فيها كل ثقلي وأدعمها بأجمل الأغاني وأشتغل على علاقاتي ومعارفي وأحضر لأي فيلم جديد قبل عام كامل من تصويره، وأفلامي تحظى بحصة الأعياد وتحولت إلى محطة ثابتة فيها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتابع "إنني أتعامل مع التمثيل بجدية، وأحترم نفسي في كل شيء أفعله وأتقنه بشكل كامل على قدر إمكاناتي وما يتطلبه العمل. وهذا الأمر ينسحب على كل المجالات الأخرى. عندما ألحن، أكرس نفسي للتلحين وأتخلى عن كل تفاصيل المطرب، وأوجد في الاستوديو وأشتغل كأي ملحن. ومع أنني حصلت عدة مرات على جائزة "الفنان الشامل" لكنني لا أحب أن يقال عني فنان شامل لأن فيه نوعاً من الاستعراض الذي لا أحبه، وأفضل لقب فنان وأحاول أن أكون فناناً حقيقياً بكل ما أقدمه".
في المقابل ينفي برجي أنه يشترط على الغناء وأن يكون مسؤولاً عن الموسيقى في أعماله السينمائية لأنه إذا فعل ذلك لا يعطي التمثيل حقه، ويقول "لكن معظم النصوص التي يتم التحضير لها منذ أن بدأت مساري التمثيلي تدور حول عالم الرومانسية و"اللايت" وتشبه الموسيقى التي أقدمها. من يشتغل في الإنتاج يجب أن يعرف كيف يستغل الناحية التي تطغى على المنتج شرط ألا تكون ثابتة بل يتخللها بعض التنويع. ولقد جربت هذا الأمر وتخليت عن نفسي كمطرب وعن أجواء "اللايت" في مسلسل "وبلحظة". وباستثناء أغنية الشارة لم أشارك بشيء له علاقة بالموسيقى ولم أقدم شخصية المطرب "الجغل". هي كانت قفزة وما لبثت أن عدت أدراجي ولو فعلت الشيء نفسه في السينما، سيكون الأمر أكثر إنصافاً لي، لأن السينما توفر خلال ساعة ونصف ساعة، صورة ومنتجاً فاقعاً والناس سيلاحظون هذه النقلة، بينما في التلفزيون تكون مدة العرض مختلفة، وكذلك معايير الصورة والفكرة التي تصل في الفيلم خلال ساعة ونيف تحتاج إلى ثلاثة أشهر في التلفزيون، ولا يتكون انطباع عند المشاهد بأنني قدمت شيئاً مختلفاً. وفي فيلمي الجديد "ولا غلطة" حافظت على نوع الأفلام التي اعتاد الناس علي فيها، أي الاجتماعية، إنما توجد نقلة على مستوى الشخصية لكنها لايت أيضاً".
عبدالحليم حافظ وعمرو دياب
لا يخفي برجي تأثره بتجربة عبدالحليم حافظ السينمائية وأنه على غراره لم يسمح للمطرب بأن يتأثر بالممثل وفي الوقت نفسه هو لم يحمل معه الممثل عندما يغني على المسرح، ويضيف "تأثرت بهذا الأسلوب وتعلمت منه وعرفت كيف أستثمره، والناس لا يشاهدون فيّ الممثل عندما أغني على المسرح"، لكنه في المقابل يرفض التعليق على تجربة عمرو دياب السينمائية التي يرى كثيرون أنها لم تكن موفقة ويعتبر أن المنتجين والمخرجين والممثلين الكبار يعرفون ذلك أكثر منه. يقول "لا أعرف لماذا لم ينجح غيري، ولكنني أعرف سبب نجاحي كممثل مع أنني لا أعتبره نجاحاً كبيراً حققت إنجازات من خلاله. أنا حجزت مكاناً لي كمطرب في لبنان والدول العربية، ولكن حضوري كممثل لا ينافس حضور تامر حسنى السينمائي أو أي من الممثلين العرب. وفي الأساس السينما اللبنانية لم تفرض نفسها عربياً، وأرقامها لا تزال محدودة. ومع أن فيلم "بالغلط" حقق أعلى إيرادات على مستوى السينما التجارية في لبنان، وهذا يعد إنجازاً على أمل أن تتطور الصناعة السينمائية أكثر، وأن نتمكن مستقبلاً من تحقيق نجاح أكبر وانتشار على مستوى الدول العربية، وأن تقدم بلغة "بان اراب" لكي تناسب الجمهور العربي. هو طموح ولا أعرف ما إذا كنت قادراً على تحقيقه، ولكن يجب أن نعمل من أجل أن يتجاوز البيع السوق اللبنانية. صحيح أن هناك أفلاماً لبنانية تشارك في مهرجانات وتحقق جوائز ونجاحات، ولكن السينما التجارية لم تنجح حتى الآن في أن تصبح عربية مشتركة، ولم تتمكن من المنافسة عربياً، مع أننا نجحنا في تحقيق ذلك في عالم الموسيقى التي تمكنت من تجاوز الدراما، مع أن الإمكانات المتوفرة في الدراما في لبنان، لا تقل عن تلك المتوفرة في الموسيقى لكي تنافس عربياً".
وعما إذا كان يفضل السينما على التلفزيون بخاصة أن مسلسله الأخير لم ينل حقه "أنا مع الدراما التلفزيونية إذا كانت بمستوى الأعمال المهمة التي تقدم في الأعمال المشتركة. الشاشة الصغيرة تحتاج إلى إنتاج ضخم، وهي تتعرض للظلم إذا لم يبذخ عليها مادياً. أما السينما فهي حالة خاصة حتى لو كانت بإنتاج غير كبير. ولكي يكون للدراما التلفزيونية التأثير نفسه، وخصوصاً على مستوى الصورة التي أتمسك بها كثيراً، فيجب أن تكون عالية الجودة، كتلك التي يقدمها صادق الصباح أو جمال سنان، وإلا فأنا مكتف بتجربتي مع رائد سنان الذي أقدم معه فيلماً عالي الجودة سنوياً، نتوجه من خلاله إلى الجمهور الذي يشبهنا. وهو صديق وليس مجرد منتج ونحن نحمل الفكر نفسه والتوجه نفسه ونطبقه في عالم السينما، وأتمنى أن ننتقل لاحقاً إلى عالم الدراما التلفزيونية وأن نقدم أعمالاً بالجودة نفسها التي نقدمها في السينما بل حتى أفضل منها".