لم تكن فكرة الانضمام إلى جمهورية الصين الشعبية أقل جاذبية لشعب تايوان مما هي عليه اليوم. فبحسب دراسة استقصائية تتبعية تجريها جامعة تشينغتشي الوطنية (تايوان)، ويستند إليها على الدوام، فإن نسبة سكان الجزيرة ممن يريدون الوحدة فوراً مع البر الصيني الرئيس كانت على الدوام نسبة ضئيلة، وهي باستمرار تقدر بأقل من ثلاثة في المئة. بيد أن نسبة الأشخاص الذين يرون أن على تايوان، في نهاية المطاف، التحرك نحو الوحدة – وليس بالضرورة أن تكون مع النظام الصيني الراهن (بقيادة الحزب الشيوعي) – انخفضت دراماتيكياً من 20 في المئة عام 1996 إلى خمسة في المئة اليوم. حتى أن حزب كيومينتانغ (KMT) [الحزب القومي الصيني]، المناصر للوحدة، تكبد في دورتي الانتخابات الرئاسية الأحدث هزيمة ساحقة، فلم يتمكن في الدورتين من الحصول على 40 في المئة من الأصوات.
من السهل فهم سبب عدم شعبية فكرة الوحدة. إذ إن تايوان خلال العقود الأربعة الماضية حولت نفسها إلى ديموقراطية ليبرالية تعددية متسامحة، فيما بقيت الصين بلداً استبدادياً صارماً مضى قدماً في مسار تطوير دولة رقابة تدخليّة لم تتردد في تنفيذ حملة إبادة ضد شعبها. من هنا فإن الوحدة مع "جمهورية الصين الشعبية" ستعني نهاية جميع ما جهدت تايوان لتحقيقه من حريات سياسية، وذاك أمر ظهر عندما قامت الصين بالقوة بضم هونغ كونغ إلى البر الصيني على رغم وعودها بالسماح للجزيرة في الاحتفاظ بحكم ذاتي ضمن صيغة تعرف بـ "بلد واحد بنظامين". وعديد من التايوانيين، أو ربما أغلبيتهم يمكن القول، لا يريدون الوحدة مع الصين بغض النظر عن طبيعة حكومتها. إذ لـ تايوان بحسبهم تاريخها الخاص وثقافتها وهويتها، وفخرها العميق على الصعيد الوطني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن على رغم مما تظهره معطيات الرأي العام من وضوح من ناحية عدم اهتمام الأغلبية الساحقة من التايوانيين بأن يكونوا تحت حكم بكين، فإن ذلك لا يعني أنهم يريدون إعلاناً رسمياً لاستقلالهم. إذ إن مفهوم البلد للاستقلال كان تطور على نحو كبير خلال الحقبة الماضية في أوساط الرأي العام، كما في دوائر النخبة السياسية. وخلال العقود التي خلت كانت فكرة الاستقلال تشترط تحقيق انفصال قاطع ورسمي عن كل الروابط القانونية والمعلنة مع الصين. لكن اليوم هكذا خطوة تعد على نطاق واسع خطوة غير ضرورية. إذ إن تايوان بالنسبة إلى أغلبية الناس هي بلد ناجز السيادة سلفاً وليست مجرد جزيرة ذات حكم ذاتي تعيش في حال من عدم الاستقرار. وليس ثمة من حاجة إحداث جلبة من خلال الإعلان رسمياً عما هو موجود أصلاً، خصوصاً وإن الصين بالتأكيد ستقوم برد فعل غاضب إزاء هكذا خطوة. ولأن هناك واجب على السياسيين التايوانيين في الاستجابة للرأي العام، فقد التزم أعضاء النخبة السياسية الذين يؤيدون الاستقلال، وإلى حد كبير، بهذا الاستنتاج الذي يجمع عليه شعب البلاد، والقائل إنه بدل التوهم بمواجهة الوضع القائم وتحديه، لا ضير في معايشته، لاسيما أن معظم التايوانيين لا يرون أي فوارق جوهرية بين وضع سيادي مثالي (يحلمون به) وبين الوضع القائم اليوم، وهي فوارق إن وجدت لا تستحق القتال من أجلها.
سبيل الاستقلال
غربيون كثر يفاجأون في أن الاستقلال التايواني لا يتعلق فقط بمواقف معارضة للصين، وأنه ليس مجرد فكرة برزت بعد عام 1949 عندما لجأ زعيم "جمهورية الصين" (ROC)، تشيانغ كايشيك، وقرابة مليون ونصف من أنصاره إلى الجزيرة بعد هزيمتهم في الحرب الأهلية الصينية. إذ يمكن القول إن عام 1895، حين تنازلت بيكين عن تايوان لليابان بعد هزيمتها بالحرب أمام طوكيو، كان عاماً مفصلياً تماماً مثل عام 1949. فقد بدأ حينذاك تشكل شعور حديث بالهوية الوطنية التايوانية، وصدرت دعوات إلى الحكم الذاتي والاستقلال التايواني طوال الحقبة الاستعمارية اليابانية. حتى أن المناضل الاستقلالي التايواني، سو بينغ، قام برد تكون الهوية التايوانية (المستقلة) إلى زمن أسبق، إذ رأى في مؤلفه الأساسي الصادر عام 1962 بعنوان "400 عام من التاريخ التايواني" (Taiwan’s 400 Year History)، أن تايوان كانت أمة ومجتمع مستقلين منذ بدء الهجرة الكبرى لسلالة الـ "هان" إلى الجزيرة في مطلع القرن الـ17. وقد تميز تاريخ تايوان بالنسبة إلى سو باستعمارات ووقائع استغلال متكررة قامت بها قوى خارجية، مثل الهولنديين والإسبان، ومزاعم بأحقية تبوء العرش من قبل سلالة الـ "مينغ" المتفككة، وسلالة الـ "كينغ"، واليابانيين، وحزب "كيومنتانغ" (KMT) بقيادة تشيانغ نفسه، كلهم أقاموا أنظمة حكم في تايوان تخدم مصالحهم – حارمين شعب الجزيرة من حق تقرير مصيره.
وبنى نظام تشيانغ في تايوان ركائزه على فكرة أن "جمهورية الصين" لم تخسر الحرب الأهلية، وهي ما زالت تمثل الحكومة الشرعية بالنسبة إلى الصين كلها. وعلى رغم تصنيف "جمهورية الصين" نفسها كديموقراطية، إلا أن نظام الـ "كيومنتانغ" لم يكن باستطاعته المجازفة بالسماح بتحدي طروحاته، وعلى هذا الأساس أعلن الأحكام العرفية (القانون العسكري). فجرى تثبيت الممثلين الشعبيين على المستوى الوطني في مناصبهم من دون أن يحتاجوا إلى إعادة انتخاب، كما قامت الحكومة على نحو ممنهج بخنق المعارضة السياسة. وأحكم نظام "كيومنتانغ" قبضته على مجمل المشهد السياسي في البلاد من خلال سيطرته على آليات عمل الدولة، خصوصاً الجيش. وعلى هذا الأساس فإن كل ميول ومطالبات تايوانية الهوى، خصوصاً تلك المتعلقة بالاستقلال، كانت تعد تهديداً مباشراً لشرعية النظام القائم، فيجري قمعها فوراً بلا هوادة. وقد مثلت حكومة "جمهورية الصين" (ROC) حينها، طوال حقبة حكم حزب كيومنتانغ السلطوية، العقبة الأولى أمام قيام تايوان بحكم نفسها بنفسها وتقرير مصيرها.
وتوصل الوطنيون التايوانيون، نتيجة إلى هذا، إلى خلاصة مفادها بأن السبيل لتحرير الشعب التايواني يتمثل في التخلص تماماً من هذا النظام السياسي ومن بنيته برمتها. كان على كيومنتانغ (KMT) و"جمهورية الصين" (ROC) وكل صلة أخرى بالصين (أي البر الصيني) أن تنتهي. لكن ما أن راحت تايوان تتجه نحو الديموقراطية في أواخر الثمانينيات ومطلع التسعينيات، اكتشف أولئك الوطنيون التايوانيون الناشطون أن رؤيتهم محدودة الجاذبية. وفي عام 1991، جرت أخيراً إحالة مسؤولي البلاد المسنين إلى التقاعد، وتمكنت تايوان من إعادة انتخاب ممثلين جدد على المستوى الوطني للمرة الأولى، من بينهم أعضاء المجلس الوطني (مجلس النواب)، المؤسسة التي تتمتع بسلطة انتخاب الرئيس وتعديل الدستور (فيما بعد جرى إلغاء هذا المجلس). وقد دعا "الحزب التقدمي الديموقراطي" (DPP) - المعارض الأساسي لحزب كيومنتانغ – من دون تردد، إلى استبدال مفهوم نظام "جمهورية الصين" بـ "جمهورية تايوان" المستقلة رسمياً. بيد أن دعوته هذه مثلت كارثة (في الانتخابات)؛ إذ لم يفز الحزب التقدمي الديموقراطي سوى بـ23 في المئة من الأصوات الانتخابية. وجاء حكم الناخبين ليقول إن إعلان الاستقلال رسمياً سيكون في غاية الراديكالية. ومع الجيل التالي، تبلورت الحكمة السياسية السائدة في البلاد والقائلة إن طرح فكرة الاستقلال التايواني الرسمي ليس سوى سماً يدس في صناديق الاقتراع.
لدى تايوان تاريخها الخاص وثقافتها وهويتها وشعورها بالاعتزاز الوطني
في ذلك الوقت طبعاً، كانت وحدة تايوان مع البر الصيني ما زالت أمراً محتملاً. فالنظام السلطوي على مدى عقود لقن الشعب أن الوحدة أمر مرغوب وحتمي. كما أن التحول الديموقراطي التدريجي لتايوان لم يطرح قطيعة حادة مع الماضي، لذا بقي حزب كيومنتانغ في السلطة حتى بعد أن صار بإمكان الناس التصويت والانتخاب، وقد احتفظ القوميون من أنصار الوحدة مع الصين بنفوذ ثقافي وسياسي كبير. وكانت الصين في المقابل تشهد ذاك النمط من النمو الاقتصادي الذي سبق لتايوان أن عاشته طوال عقود خلت – وهو نمط النمو الذي ساعد تايوان في سلوك طريق الديموقراطية. واعتقد كثيرون من التايوانيين أن بر الصين الأساسي سيشهد بالتأكيد إصلاحات سياسية مماثلة مع مواصلة الاقتصاد توسعه. كما توقع القوميون الصينيون في تايوان أنه فور تبدل الصين سياسياً، وإتمام الوحدة بين البلدين، ستلعب تايوان دوراً مؤثراً في رسم المستقبل المشترك. حتى أن هيئات غير رسمية من الطرفين اجتمعت في عامي 1992 و1993، وحققت الخطوات الأولى في تأسيس قنوات التواصل المنتظمة والدورية. وقد حمل سؤال السيادة المطروح في طياته آمال التعاون البراغماتي بين الطرفين ومدى صعوبة التنازل بينهما، على حد سواء. ولأن التوصل إلى اتفاق مقبول من قبل الطرفين ومكتوبة ومبرمة كان مستحيلاً، فقد وافق ممثلو الصين وتايوان بصورة غير رسمية على التحدث المباشر في إطار ما سيطلق عليه في ما بعد (للمفارقة) اسم "توافق عام 1992". وطرح كل طرف خلال تلك المحادثات فكرته شفاهياً عن مبدأ "الصين الواحدة"، متظاهراً بعدم سماع الطرف الآخر، ورافضاً الاعتراف بإمكانية وجود أي تأويل (للفكرة المطروحة).
لكن الآمال التي افترضت أن الطرفين سيغدوان على نحو تدريجي أكثر تشابهاً وسيمضيان نحو وحدة سياسية يوافق عليها كل منهما، كانت في غير محلها. فإزاء تعمق الديموقراطية التايوانية مع الوقت راحت جاذبية القومية الصينية تشهد تراجعاً موازياً بالنسبة لسكان ومواطني الجزيرة. في الوقت عينه، وبدل الاتجاه نحو الديموقراطية بموازاة تزايد غناها وقوتها، غدت "جمهورية الصين الشعبية" أكثر جموداً واستبداداً.
فلك "توافق عام 1992" ضم في الحقيقة تلك الآمال الخائبة. وبعد خسارة الانتخابات الرئاسية عام 2000 بمواجهة "الحزب التقدمي الديموقراطي" (DPP)، قام رئيس حزب كيومنتانغ (KMT)، لين تشان، بإعادة بناء حزبه على فكرة تحقيق الغنى لـ تايوان وضمانة السلام عبر دمج اقتصاد تايوان باقتصاد الصين. ولكي يضمن استعداد مسؤولي جمهورية الصين الشعبية للتعاون مع نظرائهم التايوانيين، ابتكر لين معادلة تستند إلى ما يفترض أن الطرفين كانا اتفقا عليه عام 1992: "صين واحدة، كل طرف وفق تأويله الخاص". وقد جرى طمأنة الناخبين العاديين في تايوان بأنه سيتم الحفاظ على الوضع القائم، كون التأويل التايواني يرى أن "الصين الواحدة" تعني "جمهورية الصين" (ROC). هذه المعادلة في الواقع شكلت القاعدة الرئيسة لرئاسة القيادي في حزب كيومنتانغ، ما ينغ جيو، للبلاد التي شهدت مقداراً كبيراً من الاتصالات والعلاقات الرسمية والتفاعل الاقتصادي بين الصين وتايوان. بيد أن "جمهورية الصين الشعبية" ثابرت في إصرارها على اعتبار أن "توافق عام 1992" دعا ببساطة إلى "صين واحدة" – هي جمهورية الصين الشعبية (PRC) – واستمرت في مطالبتها بتحقيق خطوات ملموسة نحو الوحدة. وهي (الصين الشعبية) لم تعترف أبداً بالجزء من المعادلة الذي يقول "كل طرف وفق تأويله الخاص"، بالتالي فإن الوحدة قد تعني أن "جمهورية الصين" (ROC) لم تعد موجودة. هذا الأمر لم يقم فقط بخنق التوافق حتى الموت عبر تجريده من كل التباس ومرونة، بل بلور أيضاً فكرة أن كيومنتانغ (KMT) و"جمهورية الصين" (ROC) ليسا شريكين متساويين – أو بالأحرى شريكين أدنى مرتبة – مع الحزب الشيوعي الصيني ومع جمهورية الصين الشعبية في تقرير مستقبل الصين. وهكذا فإن أحلام كيومنتانغ في خلق صين موحدة مسالمة ومزدهرة وديموقراطية فقدت صدقيتها تماماً، وساهم تعارض موقع "جمهورية الصين الشعبية" مع فكرة المحافظة على "جمهورية الصين" ليجعل من فكرة الوحدة أشبه بسم يدس في صناديق الاقتراع.
الحال كما هي
منذ هزيمة عام 1991 الانتخابية، ثابر "الحزب التقدمي الديموقراطي" (DPP) على الابتعاد من دعاوى الاستقلال الرسمي. واتخذ الحزب مع حلول عام 2000 الموقف القائل إن تايوان مستقلة أصلاً ودولة ذات سيادة اسمها "جمهورية الصين" وليس ثمة من ضرورة لإعلان الاستقلال رسمياً. ومن جهتها قامت الرئيسة التايوانية الحالية، تساي إنغ ون، القيادية في "الحزب التقدمي الديموقراطي"، بتطوير فكرة السيادة التايوانية على نحو أكمل، فلم يمثل تجنب الحديث عن الاستقلال الرسمي الطريقة الوحيدة التي اختلفت بها تساي وتمايزت عن دعاة الاستقلال السابقين. وتشدد الرئيسة تساي في فكرتها على تاريخ التايوانيين الخاص والمشترك، وذاك يتضمن (حقبة) "الإرهاب الأبيض" (القمع العنيف الذي قام به نظام حكم كيومنتانغ الاستبدادي)، والمواجهات العسكرية مع بكين، والنمو الاقتصادي المتسارع، وتبني الديموقراطية، والانتصارات الرياضية، والكوارث الطبيعية. غير أن نظرتها للشعب التايواني تقوم على تجربة مشتركة عمرها 70 سنة، وليس 400 سنة. لذا فإن نظرتها هذه تشمل بصراحة مهاجري حقبة ما بعد الحرب باعتبارهم جزءاً أساسياً من الشعب التايواني وليسوا غرباء مستوطنين. حتى إنها أظهرت نفسها داعمة للجيش، معيدة تشكيل هذه المؤسسة التي كانت في السابق ركيزة النظام الاستبدادي وعدواً لدوداً للوطنية التايوانية ليغدو الضامن لسلامة تايوان وسيادتها.
على أن أفكار تساي لا تسعد كثيراً دعاة الاستقلال التايواني التقليديين، إذ هناك عديد من المتشددين ضمن أنصار الحزب التقدمي الديموقراطي ممن يحلمون باستفتاء للاستقلال ويشعرون بشيء من الانزعاج إزاء صور رئيستهم مع علم "جمهورية الصين". بيد أن موقف تساي يتلاءم على نحو عفوي مع ما يريده معظم التايوانيين. ويظهر الاستطلاع التتبعي الذي تجريه جامعة تشينغتشي الوطنية والمتعلق بالموقف الشعبي من الوحدة والاستقلال أنه برغم ارتفاع نسبة مؤيدي الاستقلال مع مرور الزمن إلا أن أكثرية واضحة من التايوانيين يفضلون الوضع القائم راهناً. وثمة دراسات استطلاعية أخرى ترى أن الاستطلاعات التتبعية في الحقيقة ربما تقلل من شأن عمق تأييد الوضع القائم. وكان استطلاعان أجريا بعد الانتخابات، أحدهما من عام 1996 والثاني من عام 2020، سألا المواطنين الذين يفضلون الوضع القائم إن كانوا يؤيدون الوحدة لو أن الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الصين وتايوان متشابهة (لو غدت الصين مثلاً دولة غنية ديموقراطية)، أو إن كانوا سيؤيدون إعلان الاستقلال (رسمياً) لو أن قيامهم بذلك لن يستثير رداً عنيفاً من بكين. وقد سجلت نسبة مؤيدي الوضع القائم والمنفتحين على الوحدة، حتى في ظل هذه الشروط الافتراضية، انخفاضاً من 58 في المئة إلى 22 في المئة. أما نسبة مؤيدي الوضع القائم المنفتحين على الاستقلال فقد بقيت ثابتة تقريباً، إذ تراجعت قليلاً من 57 في المئة إلى 54 في المئة.
ويبدو واضحاً تماماً واستناداً إلى الاستطلاع التتبعي الرئيس وردود فعل مؤيدي الوضع القائم يمكن القول إن عدداً أقل من الناس اليوم يريدون الوحدة. لكن بالنسبة إلى تنامي تأييد الاستقلال، من المهم أن نتذكر أن الأفكار المتعلقة بمعنى الاستقلال قد تبدلت. وفي الحقيقة أظهرت الدراسة التي أجريت عام 2020 أن أكثر من 70 في المئة من الشعب التايواني يرون أن بلادهم هي دولة ذات سيادة أصلاً وليس هناك سوى قلة من الناس ممن يرون أن هناك حاجة إلى مفاقمة العلاقات رسمياً مع الصين. لذا، بناء على هذا، فإن التأييد المتزايد للاستقلال خلال العقود القليلة الماضية، لا يعني بالضرورة أن هناك عدداً متزايداً من الناس يطالبون بإعلان الاستقلال.
على أن هذا التحول في الرأي لم ينتج منه دائماً نجاحاً انتخابياً للحزب التقدمي الديموقراطي. فخلال دورتي الانتخابات المحلية الأخيرتين سجل الحزب نتائج كارثية. وفي 26 نوفمبر (تشرين الثاني)، أجبرت تساي على التنحي من رئاسة الحزب بعد أن فاز الأخير بخمسة مقاعد فقط من أصل 22 في الانتخابات البلدية. لكن سيكون من الخطأ تأويل هذه النتائج كتحول في الموقف العام من الوحدة أو اعتبارها (النتائج) ابتعاداً عن فكرة الاستقلال. إذ إن الانتخابات المحلية (البلدية) تتعلق على نحو كامل بقضايا الإدارة المحلية، مثل إنشاء الطرق وبرامج الرعاية والتعامل مع الجائحة – ولا تتعلق بالصين. ومعظم المنافسات الانتخابية تفهم على أنها استفتاءات على أداء مسؤولي أعضاء حزب كيومنتانغ الشعبيين الساعيين إلى الاحتفاظ بمناصبهم. واللافت أن موضوع السيادة أو مسألة كيفية التعامل مع الصين كانت غائبة عن النقاشات التي خاضها الحزب التقدمي الديموقراطي بعد الانتخابات، وهي نقاشات دارت حول أسباب النتائج الضعيفة في الانتخابات. كما أن لا أحد في كيومنتانغ تداعى للقول إن هذه النتائج تعني إمكانية زوال القلق تجاه التعرض للهجوم كحزب مؤيد للوحدة.
لكن على رغم أن تساي لم تعد رئيسة للحزب، فإن رؤيتها الكبرى تجاه مستقبل تايوان – الرؤية الهادفة إلى موضعة تايوان ضمن المجتمع الدولي الديموقراطي، وتعزيز قوة البلد العسكرية الخاصة، وتقوية مظاهر التعاون مع جيوش أجنبية، والقيام تدريجاً ببث التنوع في الاقتصاد التايواني، وانتهاج سياسات رعاية اجتماعية تقدمية، والدفاع عن سيادة تايوان، وغيرها من أمور – تبقى الغالبة داخل الحزب التقدمي الديموقراطي. كما أن الموضوع الصيني سيكون حاضراً بقوة حتماً في الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة عام 2024. والحزب سيحقق مرة أخرى مكاسب انتخابية، خصوصاً إن لم يقم بتبديد موقعه البارز كمؤيد للوضع القائم عن طريق التهور في السعي إلى إعلان الاستقلال رسمياً.
ناثان اف. باتو باحث وزميل مشارك في "معهد العلوم السياسية، أكاديمية سينيكا"، تايوان.
عن فورين أفيرز، 12 ديسمبر 2022