عندما طلب من المحكمة العليا النظر في شرعية خطة الحكومة لترحيل اللاجئين من بريطانيا إلى رواندا، لم تكن ملزمة باتخاذ أي قرار بشأن ما إذا كانت هذه الخطة إنسانية أو عملية أو مناسبة من المنظور الكلفة المالية.
وإذا كان القضاة قد أخذوا هذه النقاط في الحسبان، فالأرجح أنهم فعلوها على أساس أن أياً من هذه الصفات لا ينطبق على الخطة. ولكن هذه ليست وظيفتهم طبعاً، إنما وظيفتهم الحكم على الخطة من منطلق مراعاتها للقانون. وعلى ضوء الأدلة التي وضعت بين أيديهم، ليس من المستغرب أن يكونوا قد وجدوا سياسة الحكومة قانونية تماماً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الرغم من الطعون التي تقدمت بها جماعات حقوق الإنسان أمام المحاكم العليا وتحميل المحكمة العليا وزيرة الداخلية آنذاك، بريتي باتيل، مسؤولية عدم مراعاة الظروف الفردية لثمانية أفراد كان من المقرر نقلهم إلى كيغالي، أعطت المحاكم الضوء الأخضر للحكومة لتنفيذ سياستها من الناحية النظرية (لكن بانتظار عديد من جلسات المراجعة القضائية والاستئنافات، ستظل رحلات الترحيل معلقة إلى أجل غير مسمى).
ومهما يكن من أمر، لا تزال خطة الترحيل الحكومية، برأيي، غير إنسانية وغير عملية وضعيفة القيمة. لماذا؟ لأنه بصرف النظر عن الجهود التي تبذلها رواندا في سبيل تطوير اقتصادها وتنظيف سجلها بعد الحرب الأهلية الإقليمية والإبادة الجماعية، فهي لا تزال تفتقر إلى تقاليد الترحيب بمسلمي الإيغور واللاجئين القادمين من الشرق الأوسط.
عدا عن ذلك، ثمة أسباب عدة وراء رغبة اللاجئين في القدوم إلى المملكة المتحدة وتعلقهم باللغة الإنجليزية والمجتمعات القائمة والروابط الأسرية. وهذه كلها أسباب مشروعة للبحث عن حياة جديدة في كنف بريطانيا؛ وإذا ما قوبلت بقرار الترحيل إلى رواندا، فقد تدفع بعديد من طالبي اللجوء المحقين نحو الانتحار. على أي حال، من غير المتوقع لرواندا أن تستضيف عدداً كبيراً من اللاجئين، أو بالأحرى ما يكفي من اللاجئين للتأثير في الإحصائيات.
من الناحية العملية، يفترض بخطة رواندا أن تكون بمثابة رادع ولكنها لا تؤدي عملها بشكل جيد. وكل ما فعلته لغاية الآن هو تثبيط الناس عن طلب اللجوء في المراكز الحدودية وتشجيعهم على التملص من السلطات ودخول البلاد خلسة. فالساحل البريطاني وقناة المانش أكبر من أن يخضعا لدوريات شاملة تنهي الناس عن تعريض أنفسهم للخطر بركوب الزوارق هرباً من السلطات.
وفي الوقت الحاضر، مبالغ طائلة من أموال المكلفين تضيع هباء في خبايا نظام اللجوء، سواء على خطة رواندا التي كلفت قرابة الـ140 مليون جنيه إسترليني مع أنها لم تتكفل بوصول أحد إلى كيغالي، وحتى لو فعلت، فإن التكلفة كانت لتختلف بين مهاجر وآخر أو على إنفاق الحكومة مبلغ سبعة ملايين جنيه استرليني يومياً- أي ما يعادل ملياري جنيه استرليني سنوياً– على الإقامة الفندقية للاجئين المعلقين، بدلاً من تقليل حجم الشكاوى المتراكم الهائل، وتجنيد مزيد من الفرق المتخصصة لرصد المجرمين الذين يديرون تجارة تهريب البشر، والبحث عن طرق ناجعة لزيادة المعروض من العمالة والتصدي للتضخم- والسماح للاجئين والمهاجرين بالعمل والاستقرار في المملكة المتحدة لدواع اقتصادية. ففي إطار السياسات العامة، قلما تكون الإجابة على مشكلة ما (التضخم) واضحة إلى درجة مؤلمة ومسوغاً لمناقشات مستفيضة (الهجرة).
ولكن خطة رواندا لن تستمر إلى ما لا نهاية؛ وسرعان ما ستظلل عليها الخطط البعيدة المدى التي أعلن عنها رئيس الحكومة الأسبوع الماضي وترجمها ريشي سوناك بقرار إلغاء الحق التلقائي في طلب اللجوء في المملكة المتحدة، أقله بموجب القانون البريطاني، من دون ردود أفعال مهولة على خلاف المتوقع.
وسرعان ما ستستبدل بخطة محدودة أو سلسلة من الخطط، على النحو المتفق عليه بالتشاور مع "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين". وبموجب هذه الخطة/ الخطط الجديدة، سيحرم أي شخص وصل إلى المملكة المتحدة من دون أوراق أو بواسطة قارب صغير، من حقه بطلب اللجوء أو طلب النظر في ملفه من داخل المملكة المتحدة، وثمة احتمال كبير بأن يمنع من دخول البلاد للأبد، وإن ثبتت سلامة نواياه.
ولا شك أنه سيطلب من المحاكم مجدداً الفصل في هذه المسألة، لكن ماذا سيكون حكمها هذه المرة بعدما تطايرت موثوقيتها في مهب الحكم الذي صدر أخيراً عن المحكمة العليا؟ يقال أحياناً إن الطريقة التي تعامل بها الحكومة اللاجئين هي نفسها الطريقة التي كانت لتعامل بها بقيتنا لو لم نكن محصنين بحقوق إنسانية. وإن صح هذا القول، فقرار المحكمة العليا هو حتماً مصدر قلق بالغ لنا جميعاً وليس للاجئين فحسب.
© The Independent