دفعت الاحتجاجات على مستوى إيران التي أطلقت شرارتها وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني البلاد إلى حقبة جديدة من الأزمة المتفاقمة بين القيادة الدينية والمجتمع بوجه عام.
وأطلقت وفاة أميني العنان لمظالم مكبوتة منذ سنوات في المجتمع الإيراني، تتعلق بقضايا مختلفة بداية من تشديد الضوابط الاجتماعية والسياسية إلى البؤس الاقتصادي والتمييز ضد الأقليات العرقية.
وتوفيت أميني (22 عاماً) بعد ثلاثة أيام من اعتقالها على يد شرطة الأخلاق في الـ 13 من سبتمبر (أيلول) الماضي بسبب انتهاكها قواعد الملبس التي تفرضها إيران.
وفيما قالت عائلتها إنها تعرضت إلى الضرب وهي رهن الاعتقال، أعلنت السلطات أن وفاتها نتجت من مشكلات صحية كانت مصابة بها قبل القبض عليها.
قتل وقمع وتخوين
وفي مواجهة أسوأ أزمة تتعلق بالشرعية منذ الثورة عام 1979، حاول الزعماء الدينيون في إيران تصوير الاضطرابات على أنها انتفاضات انفصالية من جانب أقليات عرقية تهدد الوحدة الوطنية وليس حكم رجال الدين، ويقول نشطاء ومنظمات حقوقية إن التضامن بين الأطياف العرقية المختلفة في إيران خلال الاحتجاجات قوض هذه الجهود التي تبذلها السلطات، إذ ردد المحتجون شعارات مؤيدة للأقليات.
وخرج محتجون من شتى أطياف المجتمع إلى الشوارع مطالبين بإسقاط النظام، ومزقت النساء الحجاب الإلزامي وأحرقنه بغضب.
وقال حكام إيران إن ائتلافاً من "فوضويين وإرهابيين وأعداء أجانب" يقف وراء تنظيم الاحتجاجات، فيما أحصت وكالة أنباء نشطاء حقوق الإنسان (هرانا) الإيرانية مقتل 506 محتجين حتى الـ 21 من ديسمبر (كانون الأول) بينهم 69 قاصراً.
كما أفادت "هرانا" بمقتل 66 من أفراد قوات الأمن، بينما تم اعتقال الآلاف وإعدام اثنين من المحتجين، مما أثار إدانة غربية قوية.
أهمية ما يحدث
وتشكل الاضطرابات، مع وجود النساء والشباب في المقدمة، تهديداً خطراً للأولوية الواضحة في حكم الزعيم الأعلى علي خامنئي منذ عام 1989، وهي بقاء النظام الإيراني ومؤسسته الدينية بأي ثمن.
ومع ذلك فإن الاضطرابات المستمرة لا تعني أن الجمهورية الإيرانية التي تأسست منذ أربعة عقود ستختفي في أي وقت قريب، نظراً إلى السلطة التي تتمتع بها أجهزتها الأمنية، ويمثل سير حركة الاحتجاج بلا قيادة تحدياً لفرض نظام سياسي جديد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن الاضطرابات أظهرت أن المؤسسة معرضة لخطر الغضب الشعبي، مما أثار مخاوف بين كبار القادة من أن زلة قدم قد تعني مزيداً من المشكلات في المستقبل، حتى لو هدأت الاحتجاجات الحالية.
وليس هناك ما يضمن أن القوة ستنهي الاضطرابات، إذ إن حملة القمع العنيفة لم تُسفر حتى الآن سوى عن مزيد من الاحتجاجات.
وأدت الحملة القمعية للاحتجاجات وإمدادات إيران المشتبه فيها من الطائرات المسيرة والصواريخ لروسيا لمساعدتها في حربها على أوكرانيا إلى إحجام القادة الغربيين عن الضغط من أجل إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015، والذي من شأنه أن يوفر لطهران موارد إضافية بمليارات الدولارات.
ومع السخط الشعبي المنذر يخشى القادة الدينيون أن يؤدي البؤس الاقتصادي إلى نفور مؤيديهم الأساس بين الإيرانيين ذوي الدخل المتوسط والمنخفض، إذا ظل الاتفاق النووي مجمداً.
ماذا يعني ذلك لعام 2023؟
ستجتاح إيران ما يسميه المحللون "عملية ثورية" من المرجح أن تغذي مزيداً من الاحتجاجات في عام 2023، مع عدم تراجع أي من الجانبين.
ومع اعتقاد خامنئي (83 عاماً) أن إبداء المرونة في ما يتعلق بركائز أيديولوجية لإيران مثل الحجاب سيؤدي إلى انهيارها، ستتجه المؤسسة إلى مضاعفة القمع مما يؤدي إلى مزيد من الغضب بين السكان البالغ عددهم 85 مليون نسمة، 70 في المئة منهم دون سن الـ 30.
كما أنه من المحتمل أن يفاقم السؤال حول من سيخلفه في نهاية المطاف كزعيم أعلى، وهو دور يتمتع بسلطة هائلة، التنافس بين النخبة مما قد يؤدي إلى اتساع الانقسامات داخل المؤسسة.
ولم تنجح أربع سنوات من العقوبات في وقف توسيع إيران برنامجها النووي أو الحد من دعمها لوكلائها في الخارج، لكن أزمتها المحلية ستمنح قوى الغرب على الأرجح مجالاً أكبر لزيادة الضغط على طهران.