نجح رئيس الحكومة الإسرائيلية المقبل بنيامين نتنياهو وحوله أحزاب ائتلاف اليمين المتطرف في شرعنة رزمة قوانين عنصرية متطرفة تمس ليس فقط فلسطينيي 48 وغير اليهود بل المجتمع الإسرائيلي برمته، كما تمس ما هو معروف بـ"البقرة المقدسة" التي لا يسمح لأحد في إسرائيل الاقتراب منها وهي الجيش، مما يثير نقاشاً داخلياً عاصفاً لم تشهده إسرائيل منذ أعوام طويلة.
وبينت استطلاعات الرأي أن أكثرية في إسرائيل تتجاوز في كل استطلاع 60 و70 في المئة ترفض قوانين الحكومة المقبلة واستباق نتنياهو وقادة أحزاب اليمين وفي مقدمتهم إيتمار بن غفير موعد تنصيب الحكومة الجديدة بتشريع قوانين تخدم مصالحهم وأهدافهم اليمينية والمتطرفة.
وشهدت إسرائيل نقاشات عاصفة بين رؤساء أحزاب الائتلاف وقادة أحزاب المعارضة وهيئات ومؤسسات عدة حذرت من تداعيات القوانين التي تمت المصادقة عليها.
ووصلت ذروة النقاش والخلافات الداخلية عندما خرج رئيس أركان الجيش أفيف كوخافي عن صمته ليواجه نتنياهو بتحذيرات من تداعيات مس الجيش الإسرائيلي من خلال التشريعات الجديدة، لتتسع الخلافات فتشمل رؤساء أحزاب الائتلاف والجيش، خصوصاً بين بتسلئيل سموتريتش وكوخافي.
ضد القوائم السوداء
بحسب الجدول الزمني، سيقدم رئيس الحكومة المقبل أمام 120 عضو كنيست حكومته الجديدة التي يعتبرها سياسيون وعسكريون وأمنيون أكثر الحكومات الإسرائيلية يمينية، كما وصفتها بعض الشخصيات اليهودية بـ"الفاشية" والمعارضة للديمقراطية.
وعلى رغم ما خطط له نتنياهو من أجواء احتفالية لدى تقديم حكومته فإن مجموعات عدة خططت لإقامة تظاهرات احتجاجية بالتزامن مع الإعلان الرسمي عن الحكومة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وجاء في الدعوة "معاً عرباً ويهوداً، متدينين وعلمانيين، مستقيمين ومثليين، نساء ورجالاً، سنحتج خلال تنصيب الحكومة ضد العنصريين ومعدي القوائم السوداء، ضد أولئك الذين يريدون استمرار السيطرة على شعب آخر، ضد من يهدف إلى تصفية النظام القضائي والوزارات الحكومية. سنتظاهر معاً أمام حكومة الفصل من أجل دولة قانون ديمقراطية ومساواة وسلام لها مكان لكل واحد منا".
في جانب آخر واجهت الحكومة قبل الإعلان الرسمي عنها احتجاجات إعلامية وشعبية وبرزت تحركات للمستشفيات والبنوك ومؤسسات خرجت في مواجهة القوانين العنصرية. وكانت الصرخة الأعلى للأطباء اليهود والعرب من مختلف أرجاء البلاد الذين رفضوا عبر مختلف وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي الدعوة إلى عدم تقديم العلاج يوم السبت لغير اليهود.
وبعث الأطباء برسالة إلى نتنياهو عبروا فيها عن "قلقهم العميق إزاء الخطوات التي يقوم بها الكنيست المنتخب والحكومة القائمة لطعن الديمقراطية والمس بها وكذلك طعن حقوق الإنسان".
وأضافت الرسالة أن "تغيير القوانين الأساسية واستمرار طغيان الغالبية ينتهكان حقوق الإنسان الأساسية لجميع مواطني الدولة ويقوضان التوازن الدقيق بين جميع مكونات المجتمع الإسرائيلي ويضران بجميع أنظمة الحكم والضوابط والتوازنات".
وتابع الأطباء "إننا نواجه منحدراً خطراً لا تراجع عنه، فنحن كأطباء ندرك جيداً ما يعني عدم تقديم العلاج لمريض يعاني انهياراً صحياً في جسده، فعندما يتوقف عضو في الجسم عن العمل تتوقف خلفه أعضاء أخرى حتى وفاة المريض، وهذا ما لا يمكن لنا السماح به".
وختم الأطباء رسالتهم بالقول "من واجبنا أن نصرخ ونحذر من الأعمال التي تضر بالكرامة الإنسانية والحرية لكل مواطن في إسرائيل، ونعتبر مثل هذا المطلب ضربة خطرة للنظام الصحي الذي يعاني أصلاً الإهمال".
قضاة متقاعدون على الدرب
في جانب آخر واحتجاجاً على مضمون اتفاقات الائتلاف التي تمس بشكل خطر الجهاز القضائي، وقع 78 قاضياً متقاعداً على عريضة حذروا فيها مما تشكله بعض بنود اتفاقات الائتلاف من انتهاكات خطرة لحقوق المواطنين واستقلال النظام القضائي، "وتعمل على تحويل المناصب العامة التي يتوجب على أصحابها الحفاظ على قواعد الإدارة السليمة في الدوائر الحكومية، إلى مناصب ذات تبعية سياسية".
ووصفت جهات قانونية وسياسية عريضة القضاة المتقاعدين بالخطوة الاستثنائية غير المتبعة من قبل القضاة "الذين يمتنعون عن التصريحات السياسية أو التعبير عن مواقفهم خارج منظومة القضاء أو الدوائر المغلقة".
وأوضح القضاة في رسالتهم أنهم قاموا بهذه الخطوة "بدافع القلق من الإجراءات التشريعية المقررة من قبل الائتلاف المرتقب، وعلى رأسها ’بند التغلب‘ الذي يهدف إلى الالتفاف على المحكمة الإسرائيلية العليا وتقليص صلاحياتها، بحيث يتم منعها من شطب قوانين يسنها الكنيست حتى لو كانت غير دستورية وتتعارض مع قوانين أساسية".
وعبر القضاة عن قلقهم الشديد من احتمال أن "تفتح هذه التشريعات الباب أمام انتهاك حقوق الإنسان وتؤدي إلى تغيير جوهري في آلية تعيين القضاة التي ربما تشوبها اعتبارات سياسية، وتحويل المناصب الاستشارية القانونية إلى مناصب خاضعة للسياسيين".
الجيش يخرج عن صمته
في حال غير مألوفة في إسرائيل وبعد منح رؤساء أحزاب الائتلاف صلاحيات كانت تقتصر على الجيش وقادته، أعلن رئيس الأركان أفيف كوخافي موقفه المعارض لنقل صلاحيات من وزارة الأمن والجيش إلى أحزاب الائتلاف والمتطرفين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش.
وفي محادثة خاصة مع نتنياهو حذر كوخافي من التغييرات التي ستطرأ داخل الجيش في أعقاب اتفاقات الائتلاف "التي ستقوض قيادة الجيش وسلطة قائد القيادة الوسطى ومسؤولية الجيش الإسرائيلي في الضفة، في أعقاب نقل مسؤولية الإدارة المدنية بعيداً من صلاحياته".
ونقل عن مقربين من كوخافي أن المحادثة كانت متوترة وسمعت صرخات من قبل رئيس الأركان الذي حذر "من أن التغييرات المقررة والمتفق عليها في الاتفاقات الائتلافية ستضر بمكانة إسرائيل الدولية".
ونبه كوخافي أن نقل صلاحيات الإدارة المدنية سيظهر للرأي العام الدولي أن "إسرائيل تحكم بنظامين قانونيين مختلفين، واحد لليهود وآخر للفلسطينيين".
النائب العام السابق في عهد نتنياهو ورئيس المجلس الاستشاري لوحدة مكافحة العنصرية في وزارة القضاء إلياكيم روبنشتاين هو الآخر وجد نفسه بين معارضي سياسة رئيسه السابق، معتبراً أن ما تتضمنه اتفاقات الائتلاف بكل ما يتعلق بها بصلاحيات الجيش "وصفة واضحة للفوضى وتسييس الجيش الإسرائيلي".
وحذر روبنشتاين من صورة إسرائيل الدولية مستقبلاً، قائلاً "في عهد تصاعد اللاسامية في العالم بالذات، الشعب اليهودي يعطي يداً للعنصرية".