على مدى عام كان يحمل وعوداً بالعودة للحياة الطبيعية، ألقى عام 2022 كثيراً من الضغط والصعوبات على المستهلك الأميركي، فقد ظلت سلاسل التوريد في حال من الفوضى حين تفاقمت الأزمات المستمرة بشكل كبير بسبب الإغلاق في الصين والهجوم الروسي على أوكرانيا، وارتفع متوسط أسعار الغاز في الولايات المتحدة إلى الشمال من خمسة دولارات للغالون للمرة الأولى على الإطلاق، وارتفع التضخم إلى مستويات لم نشهدها منذ أوائل الثمانينيات، كما ارتفعت أسعار الفائدة بسرعة إذ توغل الاحتياط الفيدرالي في أعقابها واتخذ كل ما يتطلبه الأمر لكبح جماح الأسعار المرتفعة.
المستهلكون المسلحون بكثير من الطلب المكبوت الناجم عن الوباء والمخازن المالية الوفيرة أبقوا الاقتصاد متقلباً طوال معظم عام 2022، وقد ظل الإنفاق المعدل للتضخم فوق مستويات عام 2021، وهبط عند اثنين في المئة اعتباراً من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
وفي مذكرة بحثية حديثة قال كبير محللي الصناعة في "بنك ريت" تيد روسمان إنه "من المحتمل أن تكون الموارد المالية لمعظم الناس أفضل مما نعطيهم، لكن أعتقد أن هناك مخاوف معقولة قد لا تدوم".
وظل إنفاق المستهلكين مرناً طوال معظم عام 2022، ومع ذلك تسبب التضخم المرتفع بعناد في خسائره وأزال الوسادة المالية.
ومع استعداد أسعار الفائدة للارتفاع عام 2023 وعدم اليقين الاقتصادي المؤكد، يمكن أن يبدأ المستهلكون في الجفاف خلال أسوأ الأوقات.
وأشار روسمان إلى أن كثيراً من المستهلكين تمكنوا من مواكبة تضخم الفواتير خلال العام الحالي، لكن السؤال الأهم في الوقت الحالي يتمثل في إلى أين نتجه خلال العام الجديد؟ وقال إن ذلك يمكن أن يتغير بسرعة إذا ارتفع معدل البطالة المنخفض تاريخياً كما يتوقع الاحتياط الفيدرالي والاقتصاديون.
العودة لمستويات ما قبل الجائحة
وتشير البيانات إلى أن معدل المدخرات الشخصية للأميركيين وصل إلى أعلى مستوياته على الإطلاق خلال الوباء، ووفر عدد من العمال المغلقين في كلفة تنقلاتهم اليومية وغيرها من النفقات، واستفادوا من الشيكات الحكومية التي تهدف إلى تحفيز الإنفاق، لكن معدل ادخار الأسر الآن يبلغ 2.4 في المئة، وهو أدنى مستوى منذ 2005 وثاني أقل معدل منذ أكثر من 60 عاماً.
وبلغت الالتزامات المالية للأسرة، أي الدين، كنسبة مئوية من الدخل الشخصي المتاح أدنى مستوى لها على الإطلاق عند 12.57 في المئة خلال الربع الأول من عام 2021، وفقاً لبيانات الاحتياط الفيدرالي، وارتفعت الحصة الآن إلى 14.49 في المئة، وهي أقل بكثير من متوسط معدلات السنوات الـ 40 الماضية إذ يتجه المستهلكون أكثر إلى بطاقات الائتمان وغيرها من الاقتراضات.
واعتباراً من 30 سبتمبر (أيلول) الماضي، ظلت حالات التأخر في سداد بطاقات الائتمان قرب أدنى مستوياتها التاريخية بمعدل 2.07 في المئة، وفقاً لبيانات الاحتياط الفيدرالي.
ومع ذلك فإن هذا المعدل أعلى من الربع السابق وتم التوصل إليه بأسرع وتيرة على الإطلاق، وفقاً لبيانات الاحتياط الفيدرالي التي تعود لعام 1991، وأيضاً فإن معدل التأخر في سداد قروض السيارات الذي انخفض إلى أدنى مستوى منذ عام 2003 يتسارع إلى مستويات ما قبل الجائحة، ومع ذلك فإن هذا الجنوح يتصاعد بشكل أسرع مما كان عليه خلال تلك السنوات الـ 20 تقريباً.
وأضاف روسمان، "التأخر في السداد هو أكبر مشكلة في الوقت الحالي أكثر من أشياء مثل بطاقات الائتمان والرهون العقارية".
وأكبر مشكلة في قروض السيارات هي أن الارتفاع الحاد في الأسعار أثناء فترة الوباء تسبب في تجاوز الناس للموازنة، لافتاً إلى أن رفع الأسعار لم يساعد، وقال "نرى مزيداً من الأشخاص يأخذون 700 دولار أو 800 دولار على دفعات وقروض شهرية تدوم خمس أو ست أو سبع سنوات، ويبدو أن كثيراً من الأشخاص قد توسعوا بالفعل في هذا الأمر، ويبدو أن هذا يؤدي إلى مزيد من المخاوف في شأن حالات التخلف عن السداد، لا سيما في مجال السيارات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبلغ متوسط الدفعة الشهرية لسيارة جديدة 703 دولارات خلال الربع الثالث بزيادة تقارب 26 في المئة عن عام 2019 وفقاً لموقع "إيموندس دوت كوم".
وقال كبير الاقتصاديين في "كوكس أوتوموتيف" جوناثان سموك، إنه على رغم أن حالات التأخر في السداد والتخلف عن السداد وإعادة الملكية آخذة في الارتفاع من أدنى مستوياتها القياسية، إلا أنه من غير المتوقع أن ترتفع إلى "مستويات التأهب الأحمر"، وكتب في مذكرة بحثية حديثة أن "القلق الحقيقي في السوق الآن هو الركود، وليس تسونامي من عمليات الاسترداد، وكنا نتوقع زيادة حالات التخلف عن سداد القروض وإعادة امتلاكها، لكن التوقعات طويلة الأجل حتى منتصف العقد تشير إلى أن حالات التخلف عن السداد وإعادة الممتلكات ستظل ضمن المعايير المتوقعة."
الموازنات العمومية تبدأ في الانكماش
وتابع روسمان أن البندول يتأرجح من مكان كان فيه عدد من هذه المقاييس منخفضاً بشكل مصطنع، مضيفاً "لا تبدو الأمور على ما يرام مع ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة، وليس من الرائع أن ينخفض معدل الادخار خلال الوقت الحالي إلى 2.3 في المئة فقط، ولكن في ما يتعلق بالمال الذي يمتلكه بعض الأشخاص في البنك فهو أكثر من ذلك بكثير".
وقد سمحت المساعدة الوبائية جنباً إلى جنب مع التقليص الحاد في إنفاق المستهلكين خلال ذروة الوباء إلى تضخم حسابات مدخرات الناس، وقدر الاقتصاديون في الاحتياط الفيدرالي أنه بين عام 2020 وحتى صيف عام 2021، جمعت الأسر الأميركية مدخرات بقيمة 2.3 تريليون دولار تتجاوز اتجاهات ما قبل الوباء، وكان المستهلكون يستنزفون هذه الخزائن إلى نطاق يقدر بنحو 1.2 تريليون دولار إلى 1.8 تريليون دولار، وفقاً لـ "جي بي مورغان تشيس".
وفي وقت سابق من الشهر الحالي قال الرئيس التنفيذي لـ "جي بي مورغان" جيمي ديمون إن "هذا الـ 1.5 تريليون دولار سينفد في وقت ما منتصف العام المقبل"، مشيراً إلى أن التضخم يؤدي إلى "تآكل" كومة المدخرات.
وقال روسمان إن اعتماد الأميركيين على بطاقات الائتمان وأشكال التمويل الأخرى، بما في ذلك قروض التقسيط "اشترِ الآن وادفع لاحقاً"، آخذ في الازدياد.
توقعات عام 2023 تزداد غموضاً
في الوقت نفسه تتجمع الرياح المعاكسة، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى الضغط على إنفاق الأسر الذي يشكل نصيب الأسد من الاقتصاد الأميركي، ففي تقرير حديث قال كبير الاقتصاديين في "إي واي بارثينون" غريغوري داكو إن "المحرك الرئيس للنمو في الولايات المتحدة هو المستهلك الذي لا يزال يعمل، ولكن مع اقترابنا من عام 2023 تشير ثلاثة عوامل رئيسة إلى أنه سيفقد قدراً كبيراً من القوة".
وتابع "أولاً سيضعف اتجاه الدخل الضعيف أكثر خلال 2023 بسبب ضعف التعويضات ونمو التوظيف، وثانياً تراجع المدخرات غير مسبوق وغير مستدام، وثالثاً يمثل تفاقم الائتمان خطراً حقيقياً بالنسبة إلى العائلات التي تقع في الطرف الأدنى من نطاق الدخل".
وتوقعت "إي واي بارثينون" تراجع الإنفاق الاستهلاكي عام 2023 بعد نموه بنسبة 2.7 في المئة العام الماضي، وأشار داكو إلى أن استمرار التضخم والظروف المالية المتشددة وضعف النمو العالمي قد تساعد في دفع الولايات المتحدة إلى ركود معتدل خلال النصف الأول من العام. وكتب، "مع تراجع معنويات الأسر تاريخياً وتضاؤل وسائد الادخار بسرعة فمن المرجح أن يزداد إحجام المستهلكين عن الإنفاق خلال الأشهر المقبلة، وسيصبح هذا أكثر وضوحاً مع تدهور ظروف سوق العمل وتأثر ثروة الأسرة من هبوط أسعار الأسهم وانخفاض قيمة المساكن".