وصف حزب "الديمقراطيين الأحرار" الزيادة الأخيرة لأسعار الفائدة التي قررها "بنك إنجلترا" Bank of England في المملكة المتحدة، بأنها "كابوس ما قبل عيد الميلاد" بالنسبة إلى العائلات في بريطانيا، وذلك في إشارة إلى الرواية السينمائية الاحتفائية القاتمة للمخرج الهوليوودي تيم بورتون The Nightmare Before Christmas [تميز الفيلم برؤيته المرعبة وشخصياته المخيفة].
لكن، إذا كان قرار "لجنة السياسة النقدية" في "بنك إنجلترا" رفع أسعار الفائدة الأساسية بنحو 0.5 نقطة مئوية، ووصل بها إلى أعلى مستوى في البلاد منذ 14 عاماً عند 3.5 في المئة، هو الجزء الأحدث في مسلسل الكوابيس المزعجة التي تطارد بريطانيا في الوقت الراهن، فإنه في الحقيقة لم يكن غير متوقع.
فقد التقى معظم المعلقين والمحللين على أن هذه النتيجة كانت محتملة. وقد فعل أعضاء "لجنة السياسة النقدية" ما كان متوقعاً منهم، لكن بقليل من اللف والدوران في نهاية المطاف.
إذ صوت ستة أعضاء في اللجنة لمصلحة الزيادة، وعارضها شخصيتان، أولهما سيلفانا تينريرو، التي كانت لفترةٍ طويلة بمثابة "الحمامة" البارزة في "لجنة السياسة النقدية" إذ إنها فضلت اعتماد سياسة نقدية أكثر مرونة، وثانيهما سواتي دينغرا وهي الأحدث انضماماً إلى اللجنة. وكلاهما عضوان خارجيان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونظراً إلى تاريخ التصويت السابق للثنائي تينريرو ودينغرا، فإن ما فعلتاه لم يكن مفاجئاً. وفي الواقع، إن كاثرين مان هي التي سجلت منعطفاً بارزاً. إذ تُعد من كبار الصقور في "لجنة السياسة النقدية"، وقد شددت على ضرورة تحرك البنك المركزي بوتيرةٍ أسرع والتدخل بأسلوب أشد صلابة، وذلك من خلال العمل على إقرار زيادة ثانية على التوالي، بمقدار 0.75 نقطة مئوية.
إن هذا الانقسام الثلاثي بين الداعين إلى اعتماد معدلات أقل، أو أعلى مستوى، وما استقرت عليه في نهاية الأمر "لجنة السياسة النقدية"، إنما يؤكد على المعضلة الكبيرة التي يتخبط بها البنك المركزي. فمن خلال رفع أسعار الفائدة، إنما يلقي بمزيد من الأعباء على كاهل اقتصاد هزيل قد يكون أساساً في حال ركود، حتى لو لم يجرِ تأكيد ذلك من الناحية التقنية. في المقابل، إن المنحى الانحداري الذي سلكه الاقتصاد على مدى ربعين متواليين في السنة، قد يمثل دليلاً كافياً على ذلك.
لكن، ما هو الجانب الذي يتعين على "بنك إنجلترا" أن يعطيه الأولوية؟ أهو الاقتصاد، ولا يُقصد بذلك التخفيف من شأنه وأهميته، أم وظائف الناس؟ أو ربما تلك الزيادات الصارخة في الأسعار التي أوقعت بعض الناس في شِباك ضائقة مادية خانقة؟
ومن خلال التصريحات العامة التي أدلت بها، تريدنا "لجنة السياسة النقدية" أن نصدق أنها مزودة بأسلحة مواجهة موجة التضخم، وإعادته إلى الهدف السنوي الذي سبق أن وضعه لها "بنك إنجلترا" ويبلغ 2 في المئة. إلا أن أفعالها تعطي صورة مختلفة بعض الشيء. ولا بد من موازنة هذا الهدف مع الضرر الاقتصادي الناجم عن رفع أسعار الفائدة.
لم تعمل "لجنة السياسة النقدية" على مواجهة ارتفاع الأسعار بالشراسة نفسها التي أظهرتها بعض نظيراتها من اللجان في بنوك مركزية أخرى. ولعل ذلك بديهيٌ لأنها تتعامل أكثر من سواها مع اقتصاد أشد هشاشة [بالمقارنة مع اقتصادات أخرى]. وبحسب بعض التنبؤات، يحل اقتصاد روسيا في المرتبة الأدنى على مقياس "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية". [جرى تعليق عضوية روسيا في المنظمة عام 2014 بعد ضمها شبه جزيرة القرم في أوكرانيا إليها].
وفي واقع الأمر، جاء أداء الاقتصاد البريطاني أفضل بقليل مما كان يُخشى منه أخيراً. إذ إن أرقام الناتج المحلي الإجمالي لم تكن قاتمةً، بحسب ما توقع بعض الناس. صحيح أن سوق العمل تراجعت بعض الشيء مع انخفاض عدد الوظائف الشاغرة بشكلٍ طفيف، إلا أن معدل إمدادها بالعمالة شهد تحسناً طفيفاً. وعاود العاملون الأكبر سناً الذين كانوا يُصنفون سابقاً على أنهم "غير ناشطين من الناحية الاقتصادية"، الانخراط مجدداً في سوق العمل. لكن على رغم الوضع الصعب (للغاية) الذي تواجهه الشركات العامة المحدودة المسؤولية في المملكة المتحدة، فإن التأثير على الوظائف كان حتى الآن خفيفاً للغاية.
أُدرك جيداً أن البطالة مؤشر يأتي في مرحلة متأخرة. لكن الأخبار السيئة لا تزال تتواتر بشكل أبطأ من المتوقع. وربما تؤدي الزيادة الأخيرة في سعر الفائدة إلى تسريع ذلك (من الواضح أن الأمر يشكل هاجساً ثقيلاً بالنسبة إلى تينريرو ودينغرا).
وبصورة عامة، يتقاضى محافظو البنوك المركزية رواتب جيدة وفقاً لمعايير القطاع العام. لكن هذا لا يجعلهم في وضع أفضل بكثير، إذ إن الأوضاع السيئة تُلقى في النتيجة على كاهلهم، من دون شك. وفيما تبذل مجموعات الأعمال جهوداً حثيثة لاحتواء التضخم، بدأ أعضاؤها يظهرون بعض الاستياء بأثر من الضغوط التي فرضتها زيادة معدلات الفائدة التي تُعد الأعلى من أي وقت مضى.
في المقابل، يتعين أن نتذكر أن هذه الخطوة (رفع سعر الفائدة) هي التاسعة على التوالي. وقد بدأت هذه السلسلة في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي حينما بلغت المعدلات الأساسية أدنى مستوى تاريخياً لها عند 0.1 في المئة. وأخذت الزيادات تتوالى ببطء قبل أن تتسارع وتيرتها، مع ارتفاع 0.75 نقطة في نوفمبر (تشرين الثاني)، الذي شكل أكبر زيادة فرضتها "لجنة السياسة النقدية" منذ أعوام.
وبالنتيجة، لقد أدى ذلك إلى توجيه توقعات السوق في شأن بلوغ أسعار الفائدة أدنى مستوياتها المحتملة، بحيث باتت الآراء متفقةً الآن على عتبة 4.25 في المئة، على رغم أنه لا يزال هناك من يعتقد بأن الأسعار ستظل تشهد ارتفاعاً قليلاً عن مستواها الآن.
من المفترض أن يشعر "بنك إنجلترا" بارتياح الآن لهذا المستوى، لأنه لم يكن هناك أي حديث عن ذلك في أحدث المقترحات. لكن التضخم يواصل منحاه التصاعدي، ومن السابق لأوانه الحسم بشأن أن يشكل الانخفاض المفاجئ في نوفمبر مؤشراً على أن الأسوأ قد مر بالفعل، وأن الزيادة المجنونة التي أوصلت سعر الفائدة إلى 11.1 في المئة في أكتوبر (تشرين الأول)، قد شكلت الذروة في تلك الارتفاعات.
لقد تلقينا الوعود المعتادة من "لجنة السياسة النقدية" باتخاذ إجراءاتٍ صارمة كي تبقى أرقام التضخم مكانها. إلا أنه يجب ألا ننسى الأشخاص الذين لا يستطيعون تأمين القوت لأنفسهم ولأفراد أسرهم. وبالتأكيد، لم تفعل كاثرين مان سوى ذلك.
لكن باستثناء أموال المدخرين، فإن العلاج المفترض برفع سعر الفائدة البريطانية لا يزال طعمه مريراً. وليس من المتوقع أن تُضاف إليه نكهة حلوة بغية تسهيل ابتلاعه والاحتفال بخبر يدعو إلى بعض من البهجة، قبل منتصف السنة المقبلة على الأقل.
© The Independent