جدد الشعب الإيراني خلال الأيام الماضية رفضه للطبيعة الإرهابية للديكتاتورية الدينية ومشاريعها لزعزعة الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، من خلال إحراقه لصور قاسم سليماني، التي نشرتها الأجهزة الدعائية للحرس الثوري في كل شوارع المدن الإيرانية في الذكرى الثالثة لاستهدافه في غارة أميركية بطائرات مسيرة، حينما كان يغادر مطار بغداد في الساعة الواحدة بعد منتصف ليل الثالث من يناير 2020.
كان زائراً بعد منتصف الليل للعاصمة العراقية، يجري اللمسات الأخيرة، باعتباره القائد العسكري الأعلى لعمليات إيران الخارجية، لاستهداف دبلوماسيين من السفارة الأميركية في بغداد وأميركيين آخرين في المنطقة، فقد وصل للتو إلى بغداد بعد إجراء عمليات تنسيق في بيروت ودمشق ضمن مزاج إعلامي تصعيدي للفصائل الإيرانية في المنطقة ضد الولايات المتحدة. وكانت الاستخبارات الأميركية قد أكدت من بغداد أن التوجيهات بقتل أحد المقاولين الأميركيين المدنيين وقصف السفارة الأميركية في بغداد في ديسمبر 2019 كانت بتوجيه مباشر من سليماني.
ونقلت التقارير الاستخباراتية الواردة من بغداد إلى واشنطن قبل أسبوع من حادثة مطار بغداد أخباراً عن سلسلة من التوجيهات العملياتية التي أصدرها سليماني ضد الوجود الأميركي في العراق والمنطقة، وكان الرجل يتصرف بثقة مطلقة وكأنه حاكم العراق ويتمتع بحصانة دبلوماسية. معلوم أن سليماني وصل إلى مرحلة كان فيها يعتبر الشخص الأشهر في إيران بعد خامنئي، حيث كان يقود لفيفاً من "الجماعات المسلحة غير الحكومية"، بحسب القانون الدولي، التابعة والممولة من إيران، مثل حزب الله في لبنان، وحماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، وكتائب حزب الله وعصائب أهل الحق وحركة حزب الله النجباء وسرايا المختار ومنظمة بدر في العراق، ولواء زينبيون الباكستاني، وفيلق فاطميون الأفغاني الذين يقاتلون في سوريا، والحوثيين في اليمن.
وفي واقع الحال لم يكن قائد فيلق القدس في زيارة دبلوماسية لبغداد، بل كان يدبر هجوماً وشيكاً ضد دبلوماسيين أميركيين لدى بغداد وضد أميركيين في جميع دول المنطقة، وأن سليماني كما قال الرئيس ترمب ضبط متلبساً وتم القضاء عليه. وكعادة إرهاب الدولة الإيرانية الذي يعتمد على وكلائه في التشكيلات المسلحة غير النظامية والعصابات وحتى الذئاب المنفردة، خرجت القيادات العسكرية الإيرانية لتعلن للملأ خلال الأيام القليلة الماضية، أن الانتقام من قادة ومرتكبي اغتيال سليماني سيتم قريباً، لذا يجب أن يعيش كل من له يد في هذه الجريمة حياته المخزية مع هذا الكابوس حتى يحين يوم الانتقام.
وبالطبع فإن هذه التصريحات التي تؤكد نية أذرع إيران لتنفيذ أعمال إرهابية داخل الولايات المتحدة أو داخل ألمانيا وبريطانيا اللتين تتهمهما إيران أيضاً بالمساعدة في مقتل سليماني، ما هي إلا تأكيد على أن ما صدر من تصريحات من السلطة القضائية لنظام الملالي حول بدء محاكمات في طهران وبغداد ضد أميركيين وآخرين، ليست إلا مجرد حملة دعائية لأن إيران معروف عنها أنها دولة اللاقانون. وبحسب التصريحات فإن طهران وبغداد جهزتا قوائم اتهام ضد 94 مواطناً أميركياً، على رأسهم الرئيس ترمب، ووزير خارجيته بومبيو، وقائد القيادة المركزية السابق ماكينزي.
قصف إرهاب الدولة الإيرانية
مصادر وزارة الدفاع الأميركية في تقييمها للعملية التي جاءت بتوجيه من الرئيس، أكدت مراراً أنها تتفق مع القانون الدولي وهي تشبه تلك التي نفذتها القوات الأميركية مع نهاية الحرب العالمية الثانية ضد اليابان وعرفت بـ"بعملية الانتقام"، حينما أسقطت إحدى المقاتلات الأميركية طائرة الأدميرال ياماموتو قائد البحرية الإمبراطورية اليابانية. كما أن التفويض باستهداف سليماني لا يبتعد عن ذلك الذي أصدره الرئيس أوباما باستخدام الطيران المسير ضد إرهاب القاعدة وداعش.
وبنظر القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة وتحديداً المادة الـ51 منه، فإن العملية الأميركية جاءت دفاعاً عن النفس، ولمنع وقوع هجمات وشيكة ضد الأميركيين. وكانت الإدارة الأميركية قد وضعت الحرس الثوري في قائمة المنظمات الإرهابية في 2019، وأخطرت السلطات العراقية لمخاطر وتبعات السماح لهذا الإرهابي بالتنقل بحرية مطلقة داخل العراق الذي حولته إيران إلى ساحة حرب مفتوحة ضد أميركا، وجهزت عملاءها لذلك.
وجاءت العملية الأميركية في أجواء حربية وعدائية صنعتها إيران، وبعد أن تحققت الأجهزة الأمنية الأميركية من طبيعة الخطر الداهم على حياة الأميركيين، ومن هنا توجب على الرئيس الأميركي القيام بواجبه الذي يمليه عليه الدستور لحماية مواطنيه من منطلق الدفاع المشروع عن النفس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما استنفدت المؤسسات الأميركية كل الاحتمالات للتعامل مع الإرهابي المنفلت، بما في ذلك إمكانية القبض عليه لإيقافه عن مواصلة حربه ضد أميركا، وطلبت من السلطات العراقية إيقافه، إلا أن فاقد الشيء لا يعطيه فلم تعد السلطات العراقية سيدة موقفها، تجاه رجل إيران الأول في العراق ولبنان وسوريا واليمن.
في الذكرى الثالثة لعملية بعد منتصف الليل في مطار بغداد، وجد نظام الملالي ضالته لإحداث ضجة إعلامية حول قاسم سليماني، بخاصة بعد أن فشلت كل محاولاته للعودة إلى الاتفاق النووي، وحينما وجد نفسه محاصراً بشعب جبار خرج غاضباً في كل المدن الإيرانية لإسقاط الديكتاتورية الدينية. ويدرك الشعب الإيراني أن سليماني هو تجسيد حقيقي للإرهابي الدولي بحسب القانون الدولي، ولا فرق بينه وبين إرهابيين آخرين كانت نهاياتهم وخيمة مثل كارلوس.
كيف يكون بوسع الديكتاتورية الدينية في إيران أن تفسر لشعبها أن هذا العسكري يدير شبكة من مليارات الدولارات لنشر الإرهاب باسم الشعب الإيراني، ويتحرك من دون اتفاقات عسكرية مغتصباً لسيادات الدول، وبمطلق الصلاحيات لتجنيد وتدريب وتسليح فصائل خارج سلطات الدولة في العراق ولبنان واليمن، من أعطاه الحق لتحريض من تسميهم الديكتاتورية الدينية في طهران "المستضعفين في الأرض"، على ممارسة العنف وتخريب الدول.
نهاية تاريخ دموي
22 عاماً من قيادة سليماني لفيلق القدس حملت قائمة طويلة من الجرائم الإرهابية ضد الشعب الإيراني التي أكسبته معها صفة قاتل الإيرانيين، مثل عمليات قتل الأكراد، وأكثر من 150 عملية ضد المعارضة الإيرانية في الخارج. وكانت وزارة الدفاع الأميركية أكدت أن واحداً من كل ستة جنود قتلوا أو أصيبوا في العراق، أي قرابة 500 جندي، بتوجيهات من فيلق القدس، كما يتحمل سليماني مسؤولية اختطاف عناصر حزب الله، طائرة الخطوط الجوية الإيرانية في عام 1988، حينما كانت قادمة من بانكوك وعلى متنها ثلاثة من أفراد الأسرة الحاكمة.
كما أن سليماني هو مهندس مقتل رفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني الأسبق في 2005، ومحاولة اغتيال عادل الجبير السفير السعودي في واشنطن في 2011، ومحاولة اغتيال السفيرة الأميركية لانا ماركس لدى جنوب أفريقيا في 2019، والعملية الإرهابية التي استهدفت أبراج الخبر في السعودية في 1996، إضافة إلى أحداث الفتنة في البحرين في 2011، وقتل مئات الآلاف من اليمنيين، والتدمير الشامل والمجاعة والوضع الإنساني الخطر الذي تعيشه اليمن.
ومع كل هذا فإن الديكتاتورية الدينية تصر على تصوير قاسم سليماني باعتباره ملاكاً يمشي على الأرض يوزع الحب والسلام وخير إيران العميم على دول المنطقة. حتى إن رئيسي طالب خلال الأيام الماضية رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة بضرورة إصدار قرار يدين مقتل "الفريق، الشهيد، الحاج قاسم سليماني"، "المواطن الإيراني، والمسؤول السياسي رفيع المستوى، الذي كان يقوم بمهماته الدبلوماسية داخل الأراضي العراقية".
ولم يذكر رئيسي في مذكرته التي وصفت بالقانونية، أن سليماني كان قد انتهى من القيام بعمليات إرهابية داخل العراق في انتهاك صريح للسيادة العراقية، وأنه كان يدبر أعمالاً إرهابية وشيكة ضد الأميركيين داخل ذلك البلد العربي الذي صار مستباحاً لإرهابيي الحرس الثوري، يقتلون أبناءه، ويسرقون ثرواته النفطية والمائية، ويستخدمون نظامه البنكي لغسل أموال تجارة المخدرات، ويقتلون بدم بارد قياداته التي ترفض الإذعان لمشيئة ملالي إيران.