بعد نحو أسبوع على تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على إحالة ملف فلسطين إلى محكمة العدل الدولية، فرضت إسرائيل حزمة عقوبات ضد السلطة الفلسطينية رداً على "حربها السياسية والقضائية"، في حين تعهد الفلسطينيون استمرار "تحركاتهم القانونية والسياسية ضد الاحتلال الإسرائيلي".
ويطلب القرار الذي حاربت واشنطن وتل أبيب من أجل عدم تمريره، من محكمة العدل الدولية في لاهاي تقديم رأي استشاري حول "التبعات القانونية للاحتلال الإسرائيلي بما في ذلك الإجراءات التي تهدف إلى تغيير التركيبة الديموغرافية".
واتخذت الحكومة الإسرائيلية الأمنية المصغرة، سلسلة عقوبات ضد الفلسطينيين تشمل مصادرة 40 مليون دولار لصالح أهالي قتلى إسرائيليين سقطوا في عمليات فلسطينية، وخصم فوري للرواتب التي تدفعها الحكومة الفلسطينية للأسرى وعائلات القتلى من أموال المقاصة الفلسطينية.
وتتضمن تلك القرارات تجميد خطط بناء الفلسطينيين في المناطق "ج" بالضفة الغربية التي تشكل 60 في المئة من مساحتها.
العقوبات
استهدفت العقوبات سحب بطاقة الشخصيات المهمة من وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، ومن نائب رئيس الوزراء الفلسطيني زياد أبو عمرو، ومن المندوب الفلسطيني لدى الأمم المتحدة رياض منصور بسبب دورهم في "الحرب القضائية ضد إسرائيل".
كما شملت تلك العقوبات، منظمات إنسانية وحقوقية فلسطينية في الضفة الغربية مسؤولة عن "عمليات إرهابية أو أي عمل معاد بينها عمليات سياسية قضائية ضد إسرائيل".
وقالت الحكومة الإسرائيلية الأمنية المصغرة، إنها سترد على قرار الفلسطينيين خوض حرب سياسية وقضائية ضد دولة إسرائيل، متوعدة "بالرد كلما استدعى الأمر ذلك". وجاء القرار في أول اجتماع للحكومة الإسرائيلية المصغرة بعد تشكيل الحكومة التي تضم أحزاباً يمينية متطرفة برئاسة بنيامين نتنياهو.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ثمن باهظ
في المقابل، توعد زعيم حزب "الصهيونية الدينية" وزير المالية الإسرائيلية بتسلئيل سموتريتش "بتكليف كل من يعمل ضد إسرائيل ثمناً باهظاً"، مشيراً إلى أن العقوبات الجديدة ليست سوى البداية. ووصف المندوب الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان السلطة الفلسطينية بأنها "عدو لإسرائيل، وبسببها يقتل مواطنون أبرياء".
لكن الخارجية الفلسطينية، شددت أن تلك العقوبات لن تؤثر على تحركها القانوني والسياسي ضد إسرائيل في المحاكم والمؤسسات الدولية.
وقال مساعد وزير الخارجية الفلسطيني للأمم المتحدة ومنظماتها عمر عوض الله، إن تلك الإجراءات "لن تثني دولة فلسطين عن مواصلة حراكها السياسي والدبلوماسي والقانوني بهدف وضع حد لإفلات إسرائيل من المساءلة والمحاسبة والعقاب".
ووصف عوض الله في حوار مع "اندبندنت عربية" تلك الإجراءات "بالعنصرية بامتياز، وأنها شكل من أشكال إرهاب الدولة المنظم الذي يعبر عن الإفلاس السياسي للحكومة الإسرائيلية". وأوضح أن تلك العقوبات "تعكس فقدان التوازن في إسرائيل بسبب فشلها الدبلوماسي في المحافل والمحاكم الدولية".
عقوبات مالية واقتصادية
وقبل سنوات عدة، اتخذت الحكومة الإسرائيلية سلسلة عقوبات مالية واقتصادية ضد الفلسطينيين بسبب لجوئهم إلى المحكمة الجنائية الدولية للمطالبة "بمعاقبة المسؤولين الإسرائيليين لارتكابهم جرائم حرب وضد الإنسانية".
ورفض الرئيس الفلسطيني التراجع عن خطوة اللجوء إلى محكمة العدل الدولية "رغم الضغوط الكبيرة" التي يتعرض لها الفلسطينيون.
وشدد الرئيس عباس على الاستمرار "باتخاذ جميع الإجراءات القانونية التي تتيحها لنا الشرعية الدولية، من أجل اتخاذ كل الخطوات الضرورية والمناسبة للرد على إجراءات الحكومة الإسرائيلية".
ابتزاز شخصي
في سياق متصل، يرى المتخصص في الشؤون الإسرائيلية عصمت منصور أن العقوبات الجديدة "تدشن مرحلة جديدة في علاقة إسرائيل مع السلطة الفلسطينية قائمة على الابتزاز الشخصي والضغط وتقزيم القضايا الوطنية وتفتيتها".
ويقول منصور إن "تلك الإجراءات تريد دفع السلطة الفلسطينية إلى الزاوية، فإسرائيل لا تريد عملية سلام جادة، ولا حواراً ثنائياً ذا مغزى مع الفلسطينيين، كما أنها تحارب التوجه الفلسطيني إلى المحاكم والمؤسسات الدولية".
ويوضح أن الحكومة الإسرائيلية الحالية "تشن حرباً معلنة ضد السلطة الفلسطينية لإضعافها على الرغم من إدراك المؤسسة الأمنية والجيش في إسرائيل أن السلطة تعتبر مكسباً لإسرائيل". وأضاف منصور أن الحكومة الإسرائيلية ستتعامل مع السلطة الفلسطينية "في أضيق الحدود الممكنة ضمن التعامل اليومي والأمني".
ويعتبر المحلل السياسي حسن عصفور أن تمييز إسرائيل بين المسؤولين الفلسطينيين في سحب البطاقات المهمة "كان لافتاً"، مشيراً إلى أن القرار اقتصر على "فريق المتابعة في شأن المحكمة الدولية، ولم تقترب من بقية المسؤولين كي لا تحدث ضجة كبيرة".
وطالب عصفور برد فعل جماعي من المسؤولين الفلسطينيين الذي يحملون بطاقة الشخصيات المهمة عبر "إحراق تلك البطاقات، كرد عملي على سياسة التمييز، ومنعاً للاستفراد بفريق متابعة ملف محكمة العدل الدولية".
وليست هذه المرة الأولى التي تسحب إسرائيل بطاقة الشخصيات المهمة من المسؤولين الفلسطينيين، إذ سحبتها سابقاً من وزير الخارجية الفلسطيني في مارس (آذار) 2021 رداً على بدء المحكمة الجنائية الدولية التحقيق بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية بطلب من دولة فلسطين.
وتمنح إسرائيل تلك البطاقة لكبار المسؤولين الفلسطينيين وحتى الرئيس الفلسطيني حيث تتيح لهم حرية الحركة والتنقل في الضفة الغربية وفي دخول إسرائيل، وسهولة السفر إلى الخارج بعد التنسيق معها.