Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التحديات الاقتصادية ترفع رصيد "الأحلام المؤجلة" في مصر

كثيرون دخلوا 2023 بلا أمنيات وقرارات الإنفاق تتطلب تفكيراً عميقاً للتأكد من تأمين الضروريات أولاً

المصريون يحاولون التكيف والتعايش ومقاومة العقبات جراء الأزمة الاقتصادية (أ ف ب)

يأتي العام الجديد دوماً ومعه أمل بالتحسن للأفضل، وبعيداً من خطط المسؤولين ورجال السياسة والاقتصاد، يحاول كل فرد وكل عائلة أن تجدها فرصة في المضي للأمام، فأصغر الأمنيات والأحلام يمكنها أن تحدث فرقاً.

بعضهم يسعى لأن يحصل على وزن مثالي بالمواظبة على الرياضة، وآخرون اتخذوا قراراً بشراء احتياجات منزلية لطالما كانت مؤجلة، وعائلات وافقت أخيراً على تلبية رغبات أبنائها بالسفر لمكان يمثل بالنسبة إليهم رمزاً للرفاهية والراحة.

وحتى أصحاب الأعمال يجدونها فرصة للإعلان عن شراكاتهم وتوسعاتهم استغلالاً للأجواء الاحتفالية التي تعم العالم لمدة أسابيع قبل وبعد استقبال السنة الميلادية الجديدة.

فهل هناك أي من تلك الأشياء ينطبق على 2023، خصوصاً في ظل أزمة اقتصادية عالمية تعانيها جميع الدول بدرجات متفاوتة، وتنتقل معنا من عام لآخر مع مزيد من التفاصيل غير السعيدة؟

التذبذب الحاصل في الأسعار جراء القرارات الاقتصادية التي يفاجأ بها المواطن يومياً، هل يمكن أن تنفع معه أجندات لترتيب الأولويات وتنظيم الحسابات؟

المؤكد أن هذا الوضع الذي يواكب دوماً رفع سعر الفائدة وتحريك سعر العملة يضغط بشدة على المواطنين، ويربك أي خطط يضعها المحترفون فما بالنا بالأفراد العاديين؟

بالطبع المصريون يحاولون التكيف والتعايش ومقاومة العقبات، لكنهم رغماً عنهم يتخذون قرارات عنيفة نفسية ويحرمون عائلاتهم من بعض مسببات السعادة، ربما لأن ثقافة إدارة الموارد هي أمر غائب عن كثيرين، لكنها على ما يبدو باتت ضرورة ينبغي تعلمها الآن.

دائرة من الشك والقلق

فلا مساحة للإهدار، والضروريات يجب أن تتصدر، لكن استبعاد كل سبل الرفاهية مهما كانت بسيطة، وتجاهل كل التمنيات بالطبع يسبب ضغوطاً وشعوراً بعدم الاستحقاق، وإحساساً أيضاً بأن التفاني في العمل هو أمر بلا طائل، حيث يجد الشخص نفسه وقد قضى عامه بالكامل يكد ويكدح فقط ليحاول المحافظة على مكانه محلك سر، في ظل زيادة أسعار جميع ما يتعامل معه يومياً، والانخفاض المتواصل في سعر العملة.

لكن المشكلة الأكبر في رأي البعض هي أن السلعة الواحدة من الماركة نفسها تباع في التوقيت ذاته بأكثر من سعر في مراكز تجارية عدة، مما يولد شعوراً بعدم الثقة، وبأن هناك دائرة من الخداع، فالفرد هنا يحرم نفسه مقابل أن يزيد من دخول بعض من "تجار الأزمات" الذين لا يلتزمون الأسعار الرسمية والعادلة.

تلك المعضلة التي جعلت "سارة عيد" أم عاملة، تتراجع عن شراء غسالة أطباق كانت تتمنى أن تقتنيها منذ فترة، حيث ادخرت على مدار عامين ثمنها من راتبها وراتب زوجها ورفضت أن تشتريها بالتقسيط، ومع الارتفاع الكبير في الأسعار على مدار الأشهر الماضية لم يكن المبلغ قد اكتمل.

وأخيراً قررت أن تحصل عليها وتهديها لنفسها مع بداية عام 2023، رغم كل شيء، لكنها فوجئت أولاً بأن منتجات العلامة التجارية التي تبحث عنها وتلبي متطلباتها شحيحة جداً بسبب أزمة تأخر الإعفاءات الجمركية عن بعض السلع.

وكذلك استمعت إلى شكاوى من معارفها في شأن عدم وجود قطع أصلية في الوقت الحالي للسبب نفسه، فتنازلت وقررت أن تقتني غيرها من علامة تجارية أخرى، لكنها ذهبت إلى أربعة مراكز تجارية لتفاجأ بأن كلاً منها يبيعها بسعر مختلف وبفارق كبير.

وهنا بدأ اللغط والجدل، حيث إن عدداً من البائعين يبررون ذلك بأن غيرهم يبيع بسعر أقل لأن الجهاز لديه غير أصلي، وهكذا دخلت في دوامة شك وعدم استقرار جعلها تشطب القرار من أجندة أمنيات العام بعد كل هذا الانتظار لسلعة مهمة بالنسبة إليها كانت ستعينها كثيراً وتسهل عليها إنجاز مهمة أساسية في المطبخ باعتبارها امرأة عاملة.

موسم تأجيل الأحلام

الأم لثلاثة أطفال تؤكد أن لديها معارف يعيشون في دول أجنبية وعربية يواجهون المخاوف والقلق نفسه ولديهم خطط مؤجلة كثيرة، ولا يشعرون بانفراجة في الأفق قريباً، لا سيما أن بعضهم يعاني ارتفاعاً باهظاً في أساسات الحياة هناك، مثل الطاقة والتدفئة على سبيل المثال.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشارت إلى أن هذا الأمر لا يجعلها تجد بعض المواساة في أن كثيرين يتوحدون معها في المشكلات في جميع أقطار الأرض، لكن على العكس فالأمر يسبب لها شعوراً أكثر بالضيق وعدم اليقين مما ستحمله الأيام المقبلة على وضع أسرتها الاقتصادي، مع التمني بأن يكون هذا الأمر مؤقتاً.

وإذا كانت العائلات التي كانت تحسب نفسها متوسطة الحال حتى وقت قريب تواجه ارتباكاً كبيراً في قائمة أولوياتها، إلا أن الأمر ينطبق أيضاً على طبقات كانت فوق المتوسطة، وبينها أسرة "شادي.ع" الذي يعمل في مجال التكنولوجيا.

شادي لديه شركة خاصة كانت تدر عليه دخلاً ممتازاً ينفق منه على عائلته ويدخر جانباً آخر كان ينوى أن يستخدمه في افتتاح فرع جديد للمؤسسة مع بداية هذا العام، لكن بسبب ارتفاع معدل التضخم وحالة الركود في السوق الناتجة من ارتفاع الأسعار وقبلها الفاتورة الإلكترونية اضطر أن يتريث.

وقال إن فكرة الفاتورة الإلكترونية بالنسبة إليه ستجعله يخسر، لافتاً إلى أنه يدفع ضرائبه بانتظام، لكن الالتزام بالقرار سيجعله يدفع أكثر مما يجني، خصوصاً أن هناك كثيراً من المصروفات التي ينفقها على العمل لا تسجل إلكترونياً، بالتالي لن يكون التقدير دقيقاً.

وأكد أنه يحاول حتى الآن أن يحافظ على عمله الخاص، الذي اجتهد فيه منذ سنوات ليجعله ناجحاً، ولا يتمنى أن يتخذ قراراً بإغلاقه مثلما حدث مع عدد من زملائه في المجال نفسه.

إجراءات للتعامل مع الأزمة

على جانب آخر، هناك محاولات كثيرة من الجهات الرسمية لاحتواء الموقف، مثل طرح شهادات استثمار في البنوك بعائد كبير نسبياً، وأيضاً توعية مستمرة بضرورة تحديد الأولويات، وكذلك بالإبلاغ عن أي تجاوزات في الأسعار.

لكن حتى الآن هناك أفراد مترددون في اتخاذ قرار بشأن إدارة مواردهم المالية، فيرفضون إنفاقها على سلع هم بحاجة إليها، وفي الوقت نفسه يشعرون بأن قيمتها الشرائية تقل يوماً بعد يوم.

من جهته، ينصح أستاذ إدارة الأعمال والمتخصص المصرفي والقانوني أيمن غنيم، الأسر المصرية بمحاولة زيادة الادخار في الأوعية السائلة، التي تعطي عائداً عالياً، مع الحفاظ على الأصل.

وقال غنيم إن بنوك القطاع العام طرحت شهادات استثمار بمعدل عائد 25 في المئة؜، وهو مقارنة مع معدل التضخم الأساسي الذي وصل إلى 21.5 في المئة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، يعني أنها تدر فائدة حقيقية تساوي 3.5 في المئة؜.

 

وأشار إلى أن معدلات التضخم مرشحة للانخفاض، مما يزيد معدل الفائدة الحقيقية، نتيجة لسحب السيولة الزائدة من السوق بسبب قرارات المركزي برفع الفائدة بإجمالي ثمانية في المئة؜ خلال العام الماضي، إضافة إلى طرح الشهادات.

ويرى أستاذ إدارة الأعمال بالجامعة الأميركية أنه على الجميع التحلي بالفكر الاقتصادي، الذي يستهدف تعظيم المصلحة، وبناءً عليه فيجب أن تكون قرارات الشراء، سواء للسلع الاستهلاكية أو المعمرة، محكومة بالمنفعة التي تقدمها هذه السلع، مع محاولة البحث عن البدائل المحلية الأرخص.

ونصح غنيم رواد الأعمال، خصوصاً الشباب، بانتهاز فرصة انخفاض قيمة الجنيه، بالتالي زيادة أسعار السلع المستوردة، وبدء مشروعات صغيرة لتوفير بدائل محلية للمصنوعات المستوردة، لا سيما من جنوب شرقي آسيا.

ولفت إلى أن الدولة وفرت تسهيلات للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، سواء من طريق "جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر" أو "الصندوق الاجتماعي للتنمية" أو من خلال المبادرات المختلفة، مثل "فرصة" أو "مستورة".

وأضاف غنيم أن القطاع المصرفي ومؤسسات التمويل الخاص أيضاً توفر فرصاً يمكن لرواد الأعمال استغلالها لزيادة مدخولهم وتغطية احتياجات السوق المحلى.

مهارة إدارة الموارد

لكن الأمر حتى على مستويات أقل من ذلك بكثير بات مؤثراً بشدة في طبقات متعددة، وفي حين اعتاد كثيرون أن يقوموا بعمل جرد لحياتهم في نهاية كل عام ثم استقبال الجديد بحزمة قرارات وأمنيات يتحمسون لتحقيقها مع بشائر حلول سنة مختلفة، مثل الانضمام لصالة رياضية لممارسة تمرينات اللياقة البدنية بشكل دوري من أجل تحسين المظهر بما يتطلبه ذلك من التزام قوائم طعام معينة تضيف عبئاً مادياً آخر، أو الالتحاق بدورة تعليمية بهدف تنمية المهارات الوظيفية، بخلاف قرارات الارتباط الرسمي وتقديم الهدايا وخلافه، فكلها لم تعد يسيرة أبداً.

كما ينسحب الأمر حتى على اقتناء مساحيق العناية الشخصية، التي أصبحت الجيدة والمتوسطة منها بأثمان باهظة، ويصل أيضاً إلى مستلزمات الطعام ذات الجودة التي تستخدم في عمل أصناف معينة من الحلويات والمعجنات وغيرها، فالكل ينظر إلى دخله مقارنة مع ما يرغب في الإنفاق عليه، وبالطبع يجد نفسه مضطراً إلى الاكتفاء بالأساسات، بل بعضهم يواجه صعوبة في تأمين تلك الأساسات على نحو مفاجئ.

الأستاذة نجوى السيد الحاصلة على الدكتوراه في اقتصادات الأسرة وأستاذ الاقتصاد المنزلي بجامعة حلوان تصف الوضع حالياً بأنه فرصة لترشيد نفقات إجباري، لافتة إلى أن سمة الإهدار التي كانت تتميز بها البيوت المصرية على مدار عقود ينبغي أن تتغير، لا سيما في ما يتعلق بالطعام، فيجب تقليل نسبة الفاقد فيه، وذلك من طريق شراء نوعيات فواكه وخضراوات لا تفسد سريعاً وبكميات ملائمة.

وأضافت أنه أيضاً يمكن اللجوء للبدائل وتقليل الأصناف التي ارتفع ثمنها بشدة مثل اللحوم، حيث تؤكد أيضاً أن هذا وقت التثقيف الغذائي والتعرف إلى الأطعمة معقولة الثمن التي تعطي القيمة الغذائية نفسها لتلك التي لم تعد في تناول البعض.

ونصحت أستاذ الاقتصاد المنزلي وعضو اللجنة العليا بالمجلس الأعلى للجامعات، الأسرة المصرية التي تواجه حيرة في تدبير نفقاتها بأنه ينبغي أولاً التركيز على توزيع الميزانية على البنود الضرورية، وهي تبدأ بتلك السنوية الثابتة المتعلقة بالمسكن والمدارس والصحة، ثم على سبيل المثال توزيع نسبة 35 في المئة تقريباً على الطعام، سواء أكان للتخزين أو للاستهلاك اليومي، وما يعادل 10 في المئة على الملابس وثلاثة في المئة على المصروفات النثرية، ثم تقسيم المبلغ وفقاً لظروف دخل كل عائلة ومواعيد الحصول عليه، سواء شهرياً أو أسبوعياً أو ربع سنوي أو غيره.

الكل يحاول أن يتعلم إجراءات جديدة تمكنه من التكيف مع الوضع الاقتصادي الذي يتبدل يوماً بعد آخر، أملاً في أن تجدي تلك المهارات في تخطي الأزمة لتعود قائمة الأمنيات إلى أولويات الاهتمامات بعد أن صارت عند الأغلبية ضرباً من الرفاهية لم يعد هذا وقته ولا مكانه.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير