اقتربت القاهرة من الحصول على تمويل جديد من صندوق النقد الدولي بعد اتفاق على مستوى الخبراء مع مسؤولي الصندوق استعداداً للإعلان عن قيمة التمويل ومكونات برنامج الاتفاق الجديد خلال أيام.
وأعلنت السلطات المصرية مع نهاية زيارة الوفد الخاص بها إلى واشنطن نجاح الزيارة والاجتماعات الفنية التي جرت بين الجانب المصري ومديري وخبراء صندوق النقد الدولي. ووفقاً لبيان رسمي لوزارة المالية "اتفقت القاهرة مع الصندوق على برنامج للإصلاح الاقتصادي يتضمن ثلاثة محاور رئيسة تتمثل في الإصلاحات والتدابير الخاصة بالسياسة المالية والسياسة النقدية والإصلاحات الهيكلية للاقتصاد المصري".
3 محاور للإصلاح الاقتصادي
وتابعت "المالية"، "على جانب الإصلاحات والتدابير الخاصة بالسياسات المالية نستهدف استمرار جهود الانضباط المالي بالحفاظ على تحقيق فائض أولى سنوي بالموازنة العامة والعمل على عودة مسار المديونية الحكومية للناتج المحلي في التراجع وصولاً إلى مستويات تقل عن 80 في المئة من الناتج المحلي على المدى المتوسط".
وأشارت الوزارة إلى العمل على استمرار إطالة عمر الدين الحكومي وتنويع مصادر التمويل وتحسين كفاءة الإيرادات والإنفاق بالموازنة العامة ومواصلة التوسع في تمويل برامج الحماية الاجتماعية، بخاصة التي تستهدف زيادة دخول العاملين بالدولة، وزيادة مخصصات التأمينات والمعاشات التي يستفيد منها أكثر من 10 ملايين مستفيد وأسرة، وتعزيز برنامج "تكافل وكرامة".
وحول المحور الثاني قالت "المالية" إنها "تستهدف استمرار جهود السيطرة على معدلات التضخم وضمان استقرار الأسعار بالسوق المصرية بصورة سريعة، كما ستعمل على تحسين كفاءة أدوات السياسة النقدية المتبعة، واستمرار الحفاظ على صلابة القطاع المصرفي، وكذلك مواصلة جهود رفع كفاءة عمل سوق سعر الصرف، بما يسهم في تعزيز الاستدامة والصلابة للاقتصاد المصري".
أما المحور الأخير فأكدت أنه "يستهدف العمل على اتخاذ مجموعة متسقة ومتكاملة من التدابير التي تسهم في زيادة تنافسية الاقتصاد المصري، وتحسين بيئة الأعمال ودفع معدلات الإنتاجية ومعدلات التصدير السلعية والخدمية، وكذلك الدفع بالأنشطة الخضراء، وزيادة دور ومساهمة القطاع الخاص عن طريق سرعة إصدار وثيقة سياسة ملكية الدولة في شكلها النهائي، بما يسهم في تأكيد رغبة الدولة المصرية ومؤسساتها في تشجيع وجذب القطاع الخاص لزيادة استثماراته ووجوده القوى بالسوق المصرية".
وكان وزير المالية المصري محمد معيط قد أكد في بيان سابق أن حكومته انتهت من الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على مستوى الخبراء في شأن مكونات البرنامج الجديد، مضيفاً أنه "سيتم الإعلان عن التفاصيل قريباً جداً"، موضحاً أنه "جرى عقد مناقشات ثنائية مثمرة للغاية مع خبراء صندوق النقد الدولي على هامش الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين بواشنطن، وجرى إحراز تقدم كبير في جميع السياسات".
وتابع "مستمرون في جهود ضبط أوضاع المالية العامة للدولة للحفاظ على المكتسبات الاقتصادية من خلال استدامة خفض معدلات الدين العام للناتج المحلي على المدى المتوسط، خصوصاً أننا نجحنا خلال العام المالي الماضي في تسجيل مؤشرات إيجابية على رغم ما تشهده الساحة العالمية من ضغوط تضخمية وحالة عدم التيقن بالأسواق".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفقاً لبيانات الموازنة العامة للدولة تخطط القاهرة في موازنة 2022 - 2023 لرفع قيمة التمويلات الخارجية بنسبة تصل إلى 87 في المئة، إذ تقدر الحصول على تمويلات خارجية بنحو 147 مليار جنيه (نحو ثمانية مليارات دولار أميركي) مقارنة بـ79 مليار جنيه (أربعة مليارات دولار) بموازنة السنة المالية الماضية، إضافة إلى إصدار سندات في الأسواق الدولية، سواء بالدولار الأميركي أو اليورو (العملة الأوروبية الموحدة)، أو بالعملات الآسيوية بقيمة تصل إلى 91.5 مليار جنيه (4.6 مليار دولار) العام المالي الحالي، بارتفاع قدره 25.5 مليار جنيه (1.3 مليار دولار) عن تقديرات العام المالي الحالي، كما تسعى إلى اقتراض نحو 55 مليار جنيه (2.7 مليار دولار) من مؤسسات تمويلية دولية (بخلاف صندوق النقد الدولي)، مقارنة بـ12.4 مليار جنيه (0.63 مليار دولار) في العام المالي الماضي.
وتستهدف الحكومة الهبوط بعجز الموازنة منسوباً إلى الناتج المحلي من ستة في المئة في العام الحالي إلى أربعة في المئة 2026 – 2027، والنزول بمعدل الدين منسوباً إلى الناتج من 103 في المئة خلال يونيو (حزيران) 2016 إلى 87.2 في المئة في الشهر المماثل من عام 2023 وفقاً لبيانات وزارة المالية المصرية.
وبدأت القاهرة مفاوضات شاقة وصعبة مع صندوق النقد الدولي منذ أكثر من سبعة أشهر، للحصول على تمويل جديد لا تقل قيمته عن خمسة مليارات دولار أميركي لدعم احتياطي البلاد من العملات الأجنبية، بعد أن هبط بمقدار تخطى الـ12 مليار دولار في غضون عامين، بعد أن تراجع من 45.4 مليار دولار في يناير (كانون الثاني) 2020 إلى 33.19 مليار دولار بنهاية سبتمبر (أيلول) الماضي.
وفي المقابل، أكد بيان رسمي لصندوق النقد الدولي، الأحد، إتمام المفاوضات مع القاهرة، إذ قال إنه "جرى الاتفاق مع مسؤولين مصريين على إتمام العمل للتوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء قريباً جداً".
ولم يضف بيان الصندوق الدولي جديداً عما أعلنته القاهرة، إلا أنه أشار إلى أن "المناقشات بين الطرفين اتفقت على استمرار مسار الضبط المالي الذي سيحمي القدرة على تحمل الدين العام، ويضمن انخفاضاً مطرداً في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي على المدى المتوسط".
وتابع "تضمنت المناقشات بين الجانبين أيضاً الاتفاق على سياسات النقد وأسعار الصرف التي من شأنها أن تثبت توقعات التضخم، وتحسن أداء السياسة النقدية، وأداء سوق الصرف الأجنبية"، مؤكداً أن "هذا الإجراء من شأنه تعزيز المرونة الخارجية لمصر، ويمكنها من إعادة بناء الاحتياطات الأجنبية بشكل تدريجي ومستدام".
وأضاف الصندوق الدولي، في بيانه، "من شأن تنفيذ أجندة الإصلاح الهيكلي الشامل للسلطات تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد المصري بشكل تدريجي، وتقليص دور الدولة في الاقتصاد، مما يفسح المجال للقطاع الخاص".
700 مليار دولار جاهزة للإقراض
في تلك الأثناء عبرت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغيفا في تصريحات نقلتها وكالة "رويترز" عقب اجتماعات مع وفدين من مصر وتونس، السبت، عن ثقتها في أن الصندوق سيدعم القاهرة وتونس.
وأضافت غورغيفا "صندوق النقد الدولي قدم نحو 90 مليار دولار إلى 16 دولة منذ بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، لكن لا يزال في حوزته 700 مليار دولار للإقراض، ويلاحظ الآن زيادة عدد البلدان التي تطلب المساعدة"، مشيرة إلى أن "الصندوق لا يزال أمامه أكثر من 28 طلباً قيد الدراسة".
وفي الأسبوع الأول من الشهر الحالي أعلنت وزارة التعاون الدولي المصرية في الأسبوع الأول من الشهر الحالي موافقة مجلس المديرين التنفيذيين للبنك الدولي على تمويل تنموي بقيمة 400 مليون دولار أميركي، لتطوير البنية التحتية المستدامة بقطاع النقل المصري، وتعزيز أداء قطاعي الخدمات اللوجيستية، علاوة على دعم التحول نحو النقل المنخفض الانبعاثات الكربونية على خط السكك الحديدية، الذي يربط بين محافظة الإسكندرية (شمال البلاد)، مروراً بمحافظات القاهرة الكبرى (تضم محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية) إلى مدينة 6 أكتوبر جنوب الجيزة.
وفي غضون ذلك، واصل رصيد الاحتياطي الأجنبي من العملات الأجنبية النزيف، إذ أعلن البنك المركزي عن تراجع جديد في رصيد الاحتياطي الأجنبي من العملات الأجنبية، الذي سجل في نهاية أغسطس (آب) نحو 33.141 مليار دولار، متراجعاً 0.07 في المئة عن رصيده في نهاية يوليو (تموز)، عندما وصل إلى 33.143 مليار دولار، قبل أن يرتفع الرصيد بشكل طفيف بمقدار 56 مليون دولار خلال سبتمبر الماضي.
حزم تمويلية للمتأثرين سلباً من الغلاء
واعتبر المحللون قرب حصول القاهرة على قرض الصندوق الدولي خطوة إيجابية تدعم الاقتصاد والجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي، كما تمثل شهادة جدارة ائتمانية أمام المؤسسات المالية الأخرى، فإنهم طالبوا بمزيد من الإصلاحات.
يقول المتخصص في شؤون الاقتصاد الكلي، هاني توفيق، "الأهم من الاتفاق مع الصندوق هو إجراء مزيد من الإصلاحات في السياسة النقدية"، موضحاً "يجب تحديد سعر الصرف الجديد ومنحه المرونة الكافية مما قد يوفر حصيلة دولارية كافية تدعم خزانة البنك المركزي المصري"، مشيراً إلى أن "تلك الخطوة تمنع انفلات الدولار في الأسواق ليظل عن الحدود الجيدة وفقاً للمعايير الدولية المحسوبة بدقة".
كما طالب توفيق بـ"ضرورة توفير حزم تمويلية مشروطة للمتأثرين سلباً من موجات التضخم والغلاء، علاوة على تسريع برنامج طرح الشركات العامة في سوق الأوراق المالية".
في الاتجاه نفسه أكد أستاذ الاقتصاد بجامعة محافظة المنوفية محمد البنا، "أهمية الاتفاق بين مصر وصندوق النقد الدولي في دعم الاقتصاد المصري أمام جميع المؤسسات المالية الدولية ومؤسسات التصنيف الائتماني"، مؤكداً أن "ذلك سيفتح شهية المستثمرين الأجانب على ضخ استثمارات جديدة تدعم الاقتصاد وتوفر العملات الأجنبية من حصيلة الصادرات، علاوة على توفير فرص عمل كثيفة".
لكن البنا استدرك "حتى يحدث ذلك هناك خطوات يجب على الحكومة المصرية تنفيذها بشكل سريع في مقدمتها تسريع تخارجها من الاقتصاد والصناعات في كل القطاعات البعيدة من الأمن الاستراتيجي، كما يجب عليها التعهد عدم مزاحمة القطاع الخاص في المستقبل"، مطالباً بإنهاء المشكلات العالقة التي تواجه المستثمرين الأجانب منهم أو المصريين قبل دعوة مستثمرين آخرين جدد للاستثمار في مصر.
وفي غضون ذلك، تستعد الحكومة المصرية لعقد مؤتمر اقتصادي خلال الفترة من 23 إلى 25 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، لمناقشة أزمة الاستثمار، وتأثير الأزمة العالمية على الاقتصاد المحلي.
ساويرس: بيع شركات الدولة فوراً
وفي هذه الأثناء، طالب رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، بالسرعة في خصخصة كل الشركات الحكومية لتقوية القطاع الخاص وزيادة إقباله على الاستثمار وفتح الأبواب أمام الاستثمار الأجنبي، مشيراً إلى أن الدولة تأخرت في ذلك.
وقال ساويرس في تصريحات إعلامية "أي شركة حكومية يريد القطاع الخاص المصري أو الأجنبي الاستثمار فيها نطرحها للبيع فوراً لدعم رصيد مصر من العملة الأجنبية، بما يؤدي إلى دفع المديونيات وزيادة العملة الصعبة وفرص العمل".
وأضاف "المستثمر يدفع ثمن الشركة بالدولار الأميركي ويكبرها ويفتح فرص عمل جديدة، ونحن نحتاج إلى الدولار كي يستقر سعر الصرف. والأهم من سعر الدولار هو وجوده"، مشيراً إلى "ضرورة فتح باب الاستثمار السياحي بطرح الأراضي التي لم تطرح وإنهاء مشكلاتها العالقة بتقنين الأوضاع، وطرح أراضٍ جديدة، سواء في الساحل الشمالي أو البحر الأحمر، بما يزيد فرص الاستثمار الأجنبي".