مرت سنتان على إقدام حشد غوغائي عنيف من آلاف الأشخاص، بتشجيع من الرئيس المنتهية ولايته، على اقتحام مبنى الكابيتول الأميركي في محاولة لمنع التصديق على نتائج الانتخابات. مذاك، عقدت جلسات استماع علنية وجرت تحقيقات وتم التوصل إلى اكتشافات استغرقت ساعات لا تعد ولا تحصى لكن السؤال الأهم الذي يطرح في هذا الإطار هو: هل تغير أي شيء فعلاً؟
لا يرجح الرأي السائد أن يكون أي شيء قد تغير، لكن إن نظرت بتمعن أكبر، ستجد إشارات إلى أن بعض الدروس قد ترسخت بالفعل.
لطالما كان نمو الديمقراطية يعتمد على المشاركة، لكن الانحراف إلى التطرف الذي روّج له دونالد ترمب، والذي أظهر بشاعته للعالم في ذلك اليوم، حوّل المشاركة من واجب إلى ضرورة حتمية.
غالباً ما كنت أقول لأصدقائي الأميركيين بأن مواطني الولايات المتحدة لا بد أنهم يشعرون بالإرهاق لانتمائهم إلى هذا الوطن اليوم. كثيرة هي الدول التي تواجه اختلالات سياسية - وموطني، المملكة المتحدة، مثال كبير على ذلك، لكن الفارق الرئيس هو الاختلاف في درجة الخطورة بين هذا المكان وذاك.
فهنا، حيث يقود رئيس سابق قوى مناهضة للديمقراطية تزداد جرأة في كل أرجاء البلاد، لا يمكن للأميركيين أن يرتاحوا ثانية واحدة مخافة أن يستيقظوا في كابوس استبدادي. ولا يكفي أن يشاركوا كل أربع سنوات في انتخاب رئيس، بل عليهم أيضاً أن ينخرطوا بشدة في انتخابات الهيئات المدرسية وأن يصوتوا في انتخابات المأمور المحلي، كما عليهم المشاركة في الانتخابات النصفية والوقوف في طوابير طويلة لكبح هذا المد.
باتت انتخابات أمناء سر الولايات، وهو منصب معني بالإشراف على تنظيم الانتخابات، بأهمية انتخابات المحافظين، بسبب وجود مرشحين مناهضين للديمقراطية فيها، كما أصبحت الهيئات المدرسية- التي كانت إجمالاً مناصب إدارية- هدفاً للمتطرفين والمحاربين الثقافيين.
فلنأخذ مثلاً التغيير الجذري الذي فرضته المحكمة العليا على البلاد العام الماضي عندما أبطلت حكمها الخاص في قضية رو ضد وايد، واضعة بالتالي حداً لعقود من الحماية الدستورية الفيدرالية للحق في الإجهاض- تلك الحماية التي اعتقد جزء كبير من البلاد بأنها محسومة، محيت بين ليلة وضحاها. وولد بلد جديد.
قبل السادس من يناير (كانون الثاني)، والانتخابات التي سبقت هذا التاريخ، يمكن القول إن الأميركيين كانوا متراخين إزاء الخطر الذي تمثله هذه القوى. إنما حصل تغيير لم تتضح معالمه قبل الانتخابات النصفية الأخيرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الفترة السابقة لانتخابات نوفمبر (تشرين الثاني)، تعرض الرئيس جو بايدن إلى انتقادات من الخبراء الإعلاميين وكثيرين من داخل حزبه، لتركيزه الشديد على الديمقراطية في حملته الانتخابية. في خطاب ممتاز أدلى به خلال الحملة ضد حركة "ماغا" (اجعلوا أميركا عظيمة مجدداً)، حذر من أنهم "يعززون القادة الاستبداديين ويذكون نيران العنف السياسي التي تهدد حقوقنا الشخصية وسعينا إلى إحلال العدالة وتهدد احترام حكم القانون وروح هذه البلاد نفسها".
وقال السيد بايدن "لسنا عاجزين أمام هذه التهديدات. ولسنا متفرجين في هذا الاعتداء المستمر على الديمقراطية. نحن قادرون على هذا. نحن- أنتم وأنا- قادرون على وقف الهجوم على الديمقراطية الأميركية".
انتقدت شبكة سي أن أن "خطاب الديمقراطية العصي على الفهم" فيما أظهرت استطلاعات الرأي أن الاقتصاد هو الموضوع الذي يحتل عقول الناس.
ومع ذلك، عندما ظهرت النتائج، تبين أن غرائز السيد بايدن محقة.
تحدى الديمقراطيون السوابق التاريخية عبر احتفاظهم بمجلس الشيوخ وخسارتهم مجلس النواب بهامش ضئيل فيما يحتلون البيت الأبيض. هزم المرشحون الرافضون لنتائج الانتخابات- حتى الذين حظوا بدعم السيد ترمب- شر هزيمة فيما تفوق الديمقراطيون في أدائهم داخل الولايات التي كانت الديمقراطية مهددة فيها. وحقق الديمقراطيون الذين ترشحوا على منصب أمين سر الولاية ضد مرشحين جمهوريين من المشككين بالانتخابات الرئاسية في أريزونا ونيفادا، أفضل أداء في الولاية.
كسر الناخبون الأصغر سناً الأرقام القياسية للمشاركة في الانتخابات، وقد حفزهم بشكل كبير إبطال المحكمة العليا قرار رو ضد وايد.
باختصار، يعود جزء كبير من فوز السيد ترمب في انتخابات عام 2016 إلى الناخبين الذين لازموا منازلهم في الولايات الرئيسة. لم يكرر الناخبون الديمقراطيون هذا الخطأ مجدداً.
خلال العمليتين الانتخابيتين الأخيرتين على مستوى البلاد- انتخابات 2020 والانتخابات النصفية في 2022، حين خالف الديمقراطيون السوابق التاريخية مرتين عبر هزيمة رئيس حالي، والاحتفاظ بالسيطرة على مجلس الشيوخ أثناء وجودهم في البيت الأبيض، كان الاقتراع على الديمقراطية، وكان الفوز للديمقراطية.
وكانت العملية الانتخابية الثانية من بين هاتين، التي عقدت بعد أن رفض ترمب القبول بالخسارة وأرسل مناصريه للهجوم على مركز الديمقراطية الأميركية، هي الأكثر إقناعاً.
ربما لم يرجح السادس من يناير الكفة كلياً لصالح الديمقراطيين، لكنه ربما يشكل الفصل الأهم في قصة أوسع- أظهرت للأميركيين أخطار عدم المشاركة في ظل حقبة ترمب.
© The Independent