تطور المنحى التصاعدي للحرب في أوكرانيا من اجتياح بري واسع وسريع وقضم للأراضي، ومن ثم إعلانها أراضي خاضعة للسيادة الروسية، إلى هجوم أوكراني مضاد كان قد خرج من هول الصدمة بدعم أميركي وغربي كان آخره إعلان إرسال منظومات الدفاع الأميركية الأشهر "باتريوت" لصد الهجمات الروسية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الوقت، كان العامل الوحيد، بحسب كثير من الخبراء العسكريين، الذي لم يكن في حسبان الروس. فعمليتهم العسكرية الخاصة، التي انطلقت في الـ24 من فبراير (شباط) 2022، لم تكن مخصصة لتكون حرباً طويلة الأمد، وما كان اللجوء إلى مخازن الأسلحة السوفياتية الصدئة وإعلان التعبئة العامة في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي إلا مظهراً من مظاهر الصدمة الروسية وإصرار في الوقت نفسه بالمضي في الأمر حتى النهاية ومهما يكن من تكاليف.
على الصعيد العسكري والعملياتي، ومع بلوغ الحرب شهرها السادس، تحولت أنظار المراقبين إلى وجود المسيرات الإيرانية فوق الأراضي الأوكرانية منذ شهر أغسطس (آب) – وهو الأمر الذي أنكرت إيران في بداية الأمر أية علاقة لها به لتعود وتقول إن هذه المسيرات كانت جزءاً من صفقة سابقة مع روسيا.
لكن مع الوقت الذي بدأت فيه أخبار الاستخدام الروسي الواسع النطاق لهذه المسيرات، وكذلك استخدامها لاستهداف البنية التحتية في أوكرانيا ومن ثم نشرها في كامل أنحاء ذاك البلد وبضراوة لا مثيل لها، لرخص ثمنها أولاً وإمكان التحكم بها عن بعد بالتالي عدم تكبد مزيد من الضحايا البشرية، أصبح الاندفاع الأميركي والغربي لمنع إيران من تصنيع هذه المسيرات أمراً أكثر إلحاحاً.
المفاجأة، أو الصدمة، هو أنه تم العثور على أجزاء من صنع أكثر من 13 شركة أميركية وغربية داخل إحدى هذه المسيرات التي كانت قد أسقطت في أوكرانيا الخريف الماضي.
فبحسب شبكة "سي أن أن" CNN الإخبارية الأميركية، توضح المعلومات الاستخباراتية الأوكرانية التي تمت مشاركتها مع مسؤولي الحكومة الأميركية في أواخر العام الماضي، وقامت "سي أن أن" بالإطلاع عليها، عمق المشكلة التي تواجه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، التي كانت قد تعهدت بوقف إنتاج إيران للطائرات المسيرة التي تطلقها روسيا بالمئات في أوكرانيا. فعلى رغم العقوبات، لا تزال إيران تجد وفرة من التكنولوجيا المتاحة تجارياً. فعلى سبيل المثال، تخضع الشركة التي صنعت طائرات الدرون هذه، التي هي شركة صناعة الطائرات الإيرانية (HESA)، إلى عقوبات أميركية منذ عام 2008.
قام البيت الأبيض عقب ذلك، بحسب "سي أن أن"، بإنشاء فريق عمل على مستوى الإدارة للتحقيق في كيفية وصول هذا النوع من التكنولوجيا الأميركية والغربية - بدءاً من المعدات الأصغر مثل أشباه الموصلات ووحدات "جي بي إس" GPS إلى غيرها من الأجزاء الأكبر كالمحركات - إلى المسيرات الإيرانية.
وطبقاً للتقييم الاستخباري فإن من بين 52 مكوناً تمت إزالته من المسيرة الإيرانية "شاهد 136"، كان هنالك 40 مكوناً تم تصنيعها بواسطة 13 شركة أميركية مختلفة. أما المكونات الـ 12 المتبقية فتم تصنيعها بواسطة شركات في كندا وسويسرا واليابان وتايوان والصين.
لكن وعلى رغم ذلك، وعلى رغم تحديد الشركات المسؤولة عن المعدات الخاصة بصناعة طائرات الدرونز في إيران، إلا أن الخيارات المتاحة لمكافحة هذه القضية محدودة. فلقد فرضت الولايات المتحدة منذ سنوات قيوداً صارمة على الصادرات وعقوبات لمنع إيران من الحصول على المواد ذات التقنيات العالية. ما يبحث به المسؤولون الأميركيون الآن هو تعزيز تطبيق هذه العقوبات، وتشجيع الشركات على مراقبة سلاسل التوريد الخاصة بها بشكل أفضل، وربما الأهم من ذلك، محاولة تحديد الموزعين الخارجيين الذين يأخذون هذه المنتجات ويعيدون بيعها إلى جهات أخرى.
المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي، أدريان واتسون، ذكرت لـ"سي أن أن": "إننا نبحث عن طرق لاستهداف إنتاج المسيرات الإيرانية من خلال العقوبات، وضوابط التصدير، والتحدث إلى الشركات الخاصة التي تم استخدام أجزائها في الإنتاج. نحن نقوم بتقييم مزيد من الخطوات التي يمكننا اتخاذها في ما يتعلق بضوابط التصدير لتقييد وصول إيران إلى التقنيات المستخدمة في الطائرات المسيرة".
هل تطبق الشركات الأميركية العقوبات المفروضة على إيران؟
لا يوجد دليل يشير إلى قيام أي من هذه الشركات بخرق قوانين العقوبات الأميركية أو قيامها بتصدير تقنيتها عن قصد لاستخدامها في الطائرات المسيرة. وبحسب "سي أن أن"، حتى مع وعود عديد من الشركات بزيادة المراقبة، فإن التحكم في مكان وجود هذه الأجزاء في كل مكان في السوق العالمية غالباً ما يكون صعباً للغاية بالنسبة إلى المصنعين. قد لا تعرف الشركات أيضاً ما الذي تبحث عنه إذا لم تلاحق الحكومة الأميركية الجهات التي تشتري وتبيع المنتجات لأغراض غير مشروعة وتعاقب عليها.
وبالعودة إلى التقييم الاستخباراتي الأوكراني، كان من بين المكونات الأميركية الصنع الموجودة في المسيرة الإيرانية ما يقرب من 20 جزءاً من تصنيع شركة Texas Instruments، بما في ذلك وحدات التحكم الدقيقة، ومنظمات الجهد، وأجهزة التحكم في الإشارات الرقمية، ووحدة GPS بواسطة Hemisphere GNSS، ومعالج دقيق بواسطة NXP USA Inc.، ومكونات لوحة الدوائر بواسطة Analog Devices and Onsemi. كما تم اكتشاف المكونات التي صنعتها شركة International Rectifier - المملوكة الآن لشركة Infineon الألمانية - وشركة U-Blox السويسرية.
وفي هذا السياق وجد تحقيق منفصل للمسيرات الإيرانية التي تم إسقاطها في أوكرانيا، أجرته شركة Conflict Armament Research ومقرها في المملكة المتحدة، أن 82 في المئة من المكونات تم تصنيعها من قبل شركات مقرها في الولايات المتحدة.
"سي أن أن" قامت بمراسلة جميع الشركات التي حددها الأوكرانيون. جميعها أجاب بأنهم يدينون أي استخدام غير مصرح به لمنتجاتهم، في حين أشاروا إلى أن مكافحة إعادة بيع وإساءة استخدام أشباه الموصلات وغيرها من الإلكترونيات الدقيقة يمثل تحدياً على مستوى الصناعة وهم يعملون على مواجهته.
معظم هذه الشركات صرحت بأنها لا تبيع منتجاتها بشكل مباشر أو غير مباشر إلى روسيا أو بيلاروسيا أو إيران ولا إلى أية منظمات عسكرية أجنبية، موضحة بأنها تتعاون مع هيئات إنفاذ القانون والوكالات الحكومية الأميركية.
كيف يمكن قطع خطوط الإمداد عن إيران؟
بحسب الخبراء إحدى المشكلات الرئيسة التي تواجه عملية قطع خطوط الإمداد عن إيران أو روسيا هو قدرة هاتين الدولتين على إنشاء شركات وهمية لاستخدامها في شراء المعدات والتهرب من العقوبات، إذ يمكن لهذه الشركات أن تتم مثل هذه الصفقات لسنوات قبل أن يتم اكتشاف أمرها. جميع الخبراء الذين التقت بهم "سي إن إن" أجمعوا على أن الحل الوحيد لجعل العقوبات على إيران أكثر فعالية هو بمواصلة الحكومات مراقبة الأجزاء التي يتم استخدامها وكيفية وصولها إلى هناك، وكذلك تكريس مزيد من الموارد وتوظيف مزيد من الموظفين الذين يمكن أن يكونوا على الأرض لتتبع بائعي هذه المنتجات.
وعن هذا قال المسؤول السابق في البنتاغون، جريجوري ألين، الذي يشغل الآن منصب مدير مشروع حوكمة الذكاء الاصطناعي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ، لـ"سي أن أن"، إن "حكومة الولايات المتحدة بحاجة إلى أن تصبح جيدة جداً في لعبة "ضرب الخلد" Whac-a-Mole [لعبة يابانية قديمة تحوي فتحات يظهر منها خلد كرتوني. تعتمد على السرعة في إصابة الخلد لحظة ظهوره من الفتحة]. في هذه الفترة. هذه اختصاصات أساسية لمؤسسة الأمن القومي الأميركية - أو من الأفضل أن تصبح كذلك".
ألين حذر من أن الأمر ليس بهذه السهولة. فصناعة الإلكترونيات الدقيقة تعتمد بشكل كبير على الموزعين والبائعين الخارجيين الذين يصعب تتبعهم، كما أن الرقائق الدقيقة والأجهزة الصغيرة الأخرى التي ينتهي بها المطاف في عديد من المسيرات الإيرانية والروسية ليست رخيصة الثمن ومتاحة على نطاق واسع فحسب، بل يمكن إخفاؤها بسهولة أيضاً.
ويضيف ألين: "لماذا يحب المهربون الماس؟ لأنها صغيرة وخفيفة الوزن وتساوي كثيراً من المال. لسوء الحظ، رقائق الكمبيوتر لها خصائص متشابهة. لن يكون بمقدورنا بالضرورة إيقاف 100 في المئة من هذه المعاملات، لكننا بالتأكيد سنجعل الأمر أكثر صعوبة وكلفة بالنسبة إلى الفاعلين السيئين للحصول على ما يحتاجون إليه".