أثارت عودة زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري إلى الحياة "إعلامياً" بعد أشهر قليلة من إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن مقتله في غارة بطائرة مسيرة في العاصمة الأفغانية، الجدل الذي لم ينقطع منذ الظهور المفاجئ لخليفة مؤسس "القاعدة" أسامة بن لادن في ربيع العام الماضي، إذ جدد شبح الظواهري الشكوك في شأن حقيقة عملية استهدافه التي أعلنتها واشنطن، لكن تلك التساؤلات أزاحت الستار عن لغز أزمة القيادة داخل التنظيم الإرهابي المستمرة منذ تصفية بن لادن عام 2011، على رغم احتكار الظواهري القيادة المركزية للتنظيم على مدى ما يزيد على عقد من الزمن.
يتفق مراقبون على أن مقتل الظواهري حقيقة لا تقبل النقاش، لكن عودة ظهوره في منصات التنظيم الإعلامية، يثير شكوك بعضهم مع تكرار إشاعات وفاته، ثم عودته خلال السنوات التي تولى خلالها خلافة أسامة بن لادن، بينما يظل التساؤل حول من يقوم بدور العقل المدبر للتنظيم حالياً بغير إجابة نهائية، حاله كحال الشك في مقتل الظواهري الغامض في ظل صمت "القاعدة" حتى الآن.
رواية واشنطن وصمت "القاعدة"
إن الرواية الأميركية في شأن مقتل زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري، مطلع أغسطس (آب) من العام الماضي 2022، في أحد أحياء أفغانستان، هي الأقرب إلى الحقيقة، بحسب الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الأصولية باهر عبدالعظيم الذي رأى أن على الطرف الآخر، تنظيم "القاعدة"، إثبات عكسها، ببث إصدار مصور للظواهري ينفي فيه أنباء مقتله، وهو ما لم يحدث حتى الآن، لكن يمكن القول إن ملابسات عملية قتل الظواهري أضفت شيئاً من الغموض على العملية الأميركية، وأخرت الجزم بحقيقة ما آلت إليه الأمور من ناحية مصير زعيم أقدم التنظيمات الإرهابية تأسيساً.
وفي شأن ما اعتبر غموضاً خلال ملابسات عملية قتل الظواهري، أضاف الباحث، "أميركا دأبت في مثل هذه المواقف على نشر مقاطع مصورة للعملية أثناء تنفيذها، مثلما حدث خلال قتل مؤسس تنظيم (القاعدة) أسامة بن لادن، مايو (أيار) 2011، وكذلك خلال قتل مؤسس تنظيم (داعش) أبو بكر البغدادي، في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، ثم توضح بعد ذلك ما فعلته في الجثمان، وهو ما لم يحدث هذه المرة، ومما عزز ذلك الغموض، تصريح حركة (طالبان) التي تسيطر حالياً على أفغانستان، بأن المبنى المستهدف لم يعثر بداخله على أي جثامين، وأن المبنى قد يكون خالياً".
وتابع عبدالعظيم، "أضف إلى ذلك كله صمت (القاعدة) إزاء مصير زعيمه، حتى إنه لم يصدر بيانات تعقب على الإعلان الأميركي، اكتفى فقط بالصمت في بداية الأمر، ثم خرجت مؤسسة السحاب، الذراع الإعلامية لتنظيم (القاعدة)، بإصدار مصور للظواهري، يرثي فيه قادة فرق تنظيم (القاعدة) في شبه القارة الهندية، وتحدث الظواهري في التسجيل عن المسؤول السابق لتنظيم (القاعدة) في أفغانستان قاري عمران والمدعو الدكتور أبو خالد القائد البارز في التنظيم، وأحمد فاروق نائب زعيم التنظيم في شبه القارة الهندية". وأشار إلى أنه على رغم أن مؤسسة "السحاب" قالت إن التسجيل واحد ضمن سلسلة فيديوهات ستبث تباعاً للظواهري، فإنه لم يتطرق في التسجيل إلى أنباء مقتله، مما يضفي شكوكاً على الفيديو، وأنه قد تم تسجيله خلال وقت سابق، إلا أن لتنظيم "القاعدة" سابقة مثل هذه، حينما تم تداول أنباء بأن الظواهري مات بسبب تدهور حالته الصحية، وظل التنظيم صامتاً لفترة طويلة، ثم خرج بعد ذلك الظواهري في مقطع مصور يعلق على أحداث وقعت حديثاً، وقد يكون التنظيم لجأ إلى تلك الحيلة وقتها، من باب التمويه وتشتيت الانتباه.
إشكالات قطع رأس "القاعدة"
جيك هارينغتون المحلل السابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي والباحث المتخصص في الاستخبارات بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، رأى أن موت الظواهري يحمل وزناً رمزياً مهماً لـ"القاعدة"، لكنه لا يشير إلى أن الولايات المتحدة قد حلت التحديات العديدة التي حدت من قدرتها على تنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب في أفغانستان على نطاق واسع.
وعلى رغم عمليات مكافحة الإرهاب التي لا هوادة فيها ضد القيادة الأساسية للتنظيم الإرهابي، فإن مقتل الظواهري في 31 يوليو (تموز) 2022 يمهد الطريق للانتقال الثاني فقط في القيادة في تاريخ "القاعدة" الممتد لأربعة عقود، مما يثير أسئلة حرجة في شأن تداعيات مقتل الظواهري على التنظيم نفسه و"الحركة السلفية الجهادية العالمية" بحسب وصفه، فضلاً عن حكومة "طالبان" التي وفرت له الملاذ في كابول، وعلى مستقبل عمليات مكافحة الإرهاب الأميركية في أفغانستان.
وتكشف قراءة متخصصين في شؤون الحركة الإرهابية الأبرز ذات التوجه العالمي عن غياب خطة راسخة لانتقال القيادة بشكل منظم داخل "القاعدة"، في وقت يعتبر آخرون أن شبكة التنظيم العالمية طورت من نمط السلطة داخله، بعد ظهور تنظيم "داعش" الإرهابي في سوريا والعراق وفروعه العالمية منذ عام 2014، وتقوية فروع "القاعدة" على حساب المركز في مرحلة ما قبل الانسحاب الأميركي من أفغانستان وسقوط كابول في يد حركة "طالبان" في منتصف أغسطس 2021.
ويعتقد هارينغتون في التحليل الذي كتبه رفقة جاريد طومسون أن كوادر التنظيم الكبار سيكون عليهم الانخراط في عملية حساسة للمساومة والسمسرة داخل هيكل القيادة، ومن ثم الحفاظ على ولاء القادة والمنتسبين إليه في مختلف أنحاء العالم، بينما ندرت المعرفة المؤسسية والعلاقات بين صفوف القيادة العليا للتنظيم الإرهابي، مع عمليات مكافحة الإرهاب في السنوات الأخيرة التي شملت مقتل زعيم التنظيم في شبه القارة الهندية عاصم عمر وعضو مجلس شورى الجماعة أبو محسن المصري في 2019.
بدورها، أعربت تقى النجار الباحثة المتخصصة في قضايا الإرهاب في المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، عن اعتقادها أن القوة الحقيقية للتنظيم باتت تكمن في قوة فروعه لا في القيادة المركزية، ودللت على اتجاه جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة لتنظيم "القاعدة" في منطقة الساحل الأفريقي، إلى التمدد في المجتمعات المحلية والتحرك نحو التوسع باتجاه الدول الساحلية المطلة على المحيط الأطلسي، بينما تواصل "حركة الشباب" التابعة لـ"القاعدة" ترسيخ وجودها في الصومال باستغلال الأزمات المتتالية التي تعانيها الدولة هناك.
وبينما أعلنت واشنطن، الخميس الماضي، عن مكافأة مالية بقيمة خمسة ملايين دولار، مقابل الحصول على معلومات عن القيادي البارز في تنظيم "القاعدة" الإرهابي باليمن المدعو إبراهيم البنا، والمعروف أيضاً باسم "أبو أيمن المصري"، ترى النجار أن فرع "القاعدة" لا يزال يشكل تهديداً خطراً في اليمن.
وعلى أي حال، أوضحت الباحثة أن أكثر ما يمكن الاستناد إليه في معرفة تراتبية القيادة داخل "القاعدة" تقرير لمجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة يشير إلى أن التسلسل القيادي بعد الظواهري يهيمن عليه المصري الجنسية محمد صلاح الدين زيدان أو "سيف العدل" والمغربي محمد أباتي أو "عبدالرحمن المغربي"، وكذلك الجزائري يزيد مبارك المعروف باسم "أبو عبيدة يوسف العنابي".
من يتنازع القيادة؟
على رغم صمت "القاعدة" أشهراً على حقيقة مقتل زعيمه، بخاصة مع تعيين الظواهري بعد أسابيع قليلة فقط من مقتل بن لادن، يسود على نطاق واسع أن الإرهابي سيف العدل من الأرجح أن يكون المنافس الأكثر وضوحاً كأمير للتنظيم محل الظواهري، إذ أدار العدل معسكرات تدريب "القاعدة" في أفغانستان خلال أواخر الثمانينيات وصولاً إلى لجوئه إلى إيران بعد الغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001.
الإقامة الممتدة في إيران لسيف العدل وعبدالرحمن المغربي صهر الظواهري ومدير مؤسسة "السحاب" المنبر الإعلامي للتنظيم، يعتقد أنها تحد من قدرتهم على إدارة عملية "الخلافة والبيعة" بصورة دقيقة، بحسب مفردات "القاعدة". وبينما تشير معلومات إلى فقدان التنظيم المركزي الاتصال بسيف العدل في إيران، تتردد في الدوائر الأمنية الأميركية أسماء قادة فروع التنظيم الإقليمية في المغرب العربي واليمن والصومال كزعماء مرشحين، على رغم أنه من غير المحتمل أن ينتخب زعيم لهذا التنظيم من خارج أراضي أفغانستان وباكستان، حيث نشأ تاريخياً.
أما الباحث باهر عبدالعظيم فأشار إلى أن التأخر في إعلان مقتل الظواهري هذه المرة ربما يعود لأسباب عديدة بينها "ضغوط من حركة (طالبان) التي تعهدت مع بداية سيطرتها على أفغانستان ألا تكون ظهيراً للجماعات الإرهابية، ولا تجعل من أراضيها باحات خلفية لمهاجمة الأهداف المختلفة في المنطقة، وأن الاعتراف بمقتل الظواهري في أراضيها وداخل إحدى قاعات الضيافة التابعة لها سيضعها في حرج شديد"، أما السبب الآخر وهو لا يقل وجاهة عن السبب الأول، وفق عبدالعظيم، فهو أن التنظيم يعاني صراعاً على القيادة، بخاصة في ظل تنامي الأنباء التي تتحدث عن الصراع الذي كان بين الظواهري ومحمد صلاح الدين زيدان المعروف حركياً بـ"سيف العدل"، المرشح الأبرز لقيادة التنظيم بعد الظواهري، ولو أن خليفة الظواهري جاهز لكان قد تم الإعلان عنه فوراً، وللتنظيم الإرهابي وحركة "طالبان" سوابق في مثل ذلك، فالحركة أخفت خبر مقتل الملا عمر مدة عامين، وتنظيم "القاعدة" أخفى نبأ مقتل حمزة نجل مؤسس التنظيم أسامة بن لادن.
كما أن المرشحين لزعامة تنظيم "القاعدة" كثيرون، مما يزيد من مساحة المنافسة والصراع، فالمرشحون لخلافة الظواهري، هم سيف العدل، وعلي محمد مصطفى البكري، وعبدالرحمن المغربي أو محمد أباطاي، وأبو عبيدة يوسف العنابي أو مبارك بن زيد. وبينما يثور السؤال الأبرز حالياً: هل ستتأثر فروع "القاعدة" بسبب التأخر في غياب تسمية زعيم للتنظيم الأم؟ يعتقد عبدالعظيم أن ذلك "لن يحدث، فعلى رغم أن التنظيم ازداد شراسة مع تولي الظواهري زعامته فإنه افتقد المركزية، وأصبحت الفروع مستقلة في قراراتها وفي تمويلها".
إعادة تنشيط التهديد
ويرى المتخصصون في شؤون الحركات الأصولية العنيفة أن الظواهري ظل زعيماً صورياً للتنظيم على مدى عقود، ومع قيادته للتنظيم، مدة 11 عاماً، لم يتمكن من ملء الفراغ الذي خلفه مقتل أسامة بن لادن في غارة أميركية عام 2011، ورصدت تقارير عدة لمتابعة أنشطة التطرف على شبكة الإنترنت أن مجموعات وسائل التواصل الاجتماعي الموالية لـ"القاعدة" احتفت بمقتل الظواهري الذي لم يمتلك كاريزما القيادة لـ"بن لادن" على رغم ظهورهما معاً كثنائي قيادة عملياتي وفكري للتنظيم، في وقت وصف "الدواعش" استهداف الظواهري بعبارة "موت المهرج" في ازدراء واضح بمنشوراتهم الدعائية.
وعلى رغم الاعتقاد أن التداعيات العملياتية والتكتيكية على فروع "القاعدة" ستكون محدودة النطاق، ارتباطاً بتركيز نشاط تلك الفروع بشكل أساسي على الصراعات المحلية المرتبطة بها جغرافياً، فإن التأخر في إعلان خليفة الظواهري سمح بإجراء استفتاء ضمني على هوية وسمات القائد الجديد الذي تميل إليه مخيلة المنتسبين للتنظيم، إذ تميل تفضيلات المتطرفين إلى زعيم يعيد استنساخ صورة بن لادن بالزي العسكري المموه وإلى جواره البندقية الآلية، وليس صورة الواعظ والداعية المتطرف التي رسمها الظواهري لنفسه بالثوب واللحية البيضاء والنظارة الطبية التي ميزت ملامحه منذ عمله كطبيب جراح في شبابه قبل أن يتحول إلى أهم الإرهابيين المطلوبين على مستوى العالم بعد عام 2001.
ومع اتخاذ "القاعدة" للطابع اللامركزي في القيادة منذ سنوات، تصف تقديرات وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) "حركة الشباب" في الصومال بأنها "أكبر وأغنى جماعة تابعة للقاعدة في العالم وأكثرها فتكاً"، وهو ما يعيد النقاش حول انتقال القيادة إلى الحركة التي أعلنت مقديشو الحرب الشاملة عليها مع وصول الرئيس حسن شيخ محمود إلى منصبه قبل أشهر عدة.
لماذا عاد شبح الظواهري إعلامياً؟
قبل أشهر قليلة من مقتله، بث الظواهري مقطعاً لا يدع مضمونه مجالاً للشك في بقائه على قيد الحياة، مما أسهم بشكل رئيس في استهدافه ومقتله، لكن على رغم عدم نعي التنظيم مقتله، ولا الزعم بنجاته من العملية التي نفذتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي أي"، فإن "عودة ظهور رسائل صوتية أو مصورة غامضة المضمون للظواهري تشير إلى رغبة التنظيم في إرباك المشهد الأمني العالمي والتقليل من أهمية نجاح عملية استهدافه على رغم ما يحمله تأخرها لسنوات من فشل استخباراتي أميركي لا يمكن إنكاره"، وفق منير أديب الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة.
وأوضح أديب أن الذراع الإعلامية للتنظيم لديه تسجيلات متعددة لقادة "القاعدة" يمكن بثها في مناسبات عدة عند الحاجة، لكن ذلك لا يمكن أن يدحض حتى الآن المعلومات عن مقتله في غارة أميركية، على رغم أن واشنطن لم توفر أدلة على نجاح العملية التي تمت من بعد في صيف 2022 كما فعلت في عملية القضاء على أسامة بن لادن وإلقاء جثته في المحيط، وفق إعلان الإدارة الأميركية عام 2011، لكن بالنظر إلى قيام واشنطن بإعلان قتل زعيمين لـ"داعش" وآخر لـ"القاعدة" خلال 2022 فقط، فإن واشنطن لم تكن بحاجة إلى إعلان رئيسها من شرفة البيت الأبيض لعملية لم تحقق هدفها، إذا كان هناك احتمال لنجاة الظواهري منها، كما يشير بعض التقديرات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ربما لجأت إدارة بايدن إلى عملية دقيقة تنفذها الاستخبارات، وليس وزارة الدفاع (البنتاغون)، لتبرير خطوة الانسحاب العسكري "غير المدروس" من أفغانستان، ولا سيما أن العملية لم ينتج عنها خسائر جانبية أخرى في صفوف المدنيين الأفغان، أو غيرهم، على خلاف السمة الغالبة لوجود وعمليات الجيش الأميركي في أفغانستان على مدار عقدين.
وبينما يعتقد باحثون أن عودة الظواهري إعلامياً في رسائل غير مؤرخة يعيد احتمال أن تكون عملية تصفيته غير حقيقية، يشير البعض إلى أن شبح الظواهري ربما جاء تمهيداً لتنصيب سيف العدل الذي ينظر إليه كورقة بيد النظام الإيراني، ربما تلوح بها أو تساوم عليها بينما يتعرض النظام في طهران إلى تحدٍّ غير مسبوق داخلياً وخارجياً.
إلى متى صمت "القاعدة"؟
وقال الباحث المتخصص في شؤون الإسلام السياسي والجماعات المتطرفة بمركز "تريندز" للبحوث والاستشارات بأبوظبي محمد مختار قنديل إن تنظيم "القاعدة" ما زال لم يعلن عن وفاة قائده، بل يستمر في إصدار مواد إعلامية له، و"إن كان وفقاً لمحتواها، فإنها سابقة لتاريخ الإعلان عن مقتله". ورجح قنديل أسباب تأخر إعلان التنظيم من خلال مجموعة من النقاط، أبرزها اختلاف الوضع من حيث الخلافات الداخلية عن مرحلة ما بعد وفاة بن لادن، "فبوفاة بن لادن لم يكن من المستغرب أن تتجه فقط الأنظار نحو الظواهري بوصفه العقل المدبر لتنظيم القاعدة من وراء الشخصية الكاريزمية لـ(بن لادن)، بخلاف الوضع الحالي الذي يطرح أكثر من اسم مرشح، على رأسهم سيف العدل، وعبدالرحمن المغربي، والقوصي، والعنابي".
واتفق الباحث، بدوره، مع القول إن تحول "القاعدة" نحو اللامركزية أكثر خلال مرحلة ما بعد بن لادن، وتوسع نشاط الفروع، أعاق من عملية اختيار قائد جديد غير مختلف عليه، مضيفاً، "إذا ما نظرنا إلى التاريخ، فقد بدأت القاعدة كتنظيم هرمي مركزي، خلال الفترة من 1992 إلى 2003، ترتب عليه تنفيذها نحو 74 هجوماً، ومع تراجع التراتبية شيئاً ما خلال السنوات الأربع اللاحقة، ارتفع نشاط التنظيم وتورط في 501 هجوم، وفي فترة اتجاهه نحو اللامركزية وصولاً إلى لعام 2013، نجح في تنفيذ 1958 هجوماً، ومع توسعه في اللامركزية في الفترة من 2014-2018 نفذ 3838 هجوماً، بالتالي، فإن اللامركزية التي ينتهجها التنظيم منذ فترة، تضع موت الظواهري غير مؤثر بصورة تعادل تأثير غياب بن لادن، بالتالي التأخر في الإعلان في صالح التنظيم أكثر من تأكيد مقتله".
وعلى أي حال، لا يشكك صمت "القاعدة" في حقيقة مقتل الظواهري وفق قنديل، "فبصورة عامة لا يمثل تأخر الإعلان، أمر جديد، سواء في وفاة القيادات، أو حتى في العمليات الكبرى، والتي من بينها الحدث الأكبر في تاريخ القاعدة 11 سبتمبر (أيلول) 2001، مما يقلل من احتمال عدم دقة الولايات المتحدة في إعلانها استهداف الظواهري".
من يقود التنظيم الآن؟
في ظل تنامي نشاط فروعه، بخاصة في أفريقيا، والضعف في حدود نطاق القيادة المركزية له، فضلاً عن الخلافات الداخلية في شأن جنسية رأس التنظيم، رجح قنديل أن التنظيم ليست لديه سوى ثلاثة سيناريوهات في تسمية ما بعد الظواهري، الأول تولي قيادة تتحدر من الجزيرة العربية، ولكن نظراً إلى عدم وجود اسم مرشح، يؤجل ذلك الخيار، والثاني المفاضلة ما بين العدل والمغربي، ولكن الأول وإن كانت عليه خلافات فإنه يمثل تعظيماً للجناح العسكري، والثاني يعبر عن نشاط في الملف الإعلامي، وليس العسكري، ومن ثم فإن الحسم في القيادة ربما يدفع لخيار ثالث يمثل إدارة "القاعدة" من خلال "مجلس قيادي مركزي، ربما تكون على رأسه شخصية صورية، تعمل على توفيق الأوضاع في ما تبقى من دور القيادة المركزية لـ(القاعدة)".
ويرجح استمرار تأخر إعلان قيادة "القاعدة" نظراً إلى ما تحمله دلالة مسرح عملية مقتل الظواهري، في مناطق نفوذ حركة "طالبان"، ومن ثم فإن تأخير إعلانه ربما يكون مرتبطاً بصورة كبيرة بترتيبات "طالبانية"، بخاصة في ضوء العلاقة التاريخية بين الطرفين.
وعلاوة على ذلك، أشار المتحدث نفسه إلى الخلافات الداخلية في تنظيم "القاعدة" على استمرار جنسية قيادة التنظيم، وهذا ما ظهر في مرحلة ما بعد موت بن لادن وتولي سيف العدل موقتاً، لينشب صراع في المنتديات الإرهابية القاعدية آنذاك يعبر عن رفض لتولي الظواهري، الأمر الذي دفع العدل نفسه لجمع البيعة للظواهري، واللافت آنذاك أنه كان هناك استثناء وحيد الذي رفض البيعة، وهو فضل محمد، زعيم "القاعدة" في شرق أفريقيا، والذي صادف أن قتل قبل تسمية الظواهري بأقل من أسبوع.
ولفت قنديل إلى عدم قدرة سيف العدل، إن كان على قيد الحياة، على حسم الأمر وجمع البيعة لنفسه لما عليه من خلافات داخلية تقرأ من أدبيات التنظيم.