احتفلت حكومة إقليم تيغراي الإثيوبي، الأحد في مدينة مقلي، بمناسبتي عيد الميلاد المجيد بحسب تقويم الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية، ويوم "قوات الدفاع التيغراوية"، بحضور عدد كبير من المسؤولين وقادة الجيش، إضافة إلى مسؤولي الإدارات المحلية.
وكان الاحتفال الرسمي بمثابة إعلان باستمرارية مهمات مسلحي قوات تيغراي، التي كان من المنتظر أن تلقي سلاحها خلال الشهر الماضي، وفقاً لاتفاق السلام الموقع في عاصمة جنوب أفريقيا برعاية الاتحاد الأفريقي وضمان الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فضلاً عن الأمم المتحدة.
وينص الاتفاق على أن يتم تسليم السلاح خلال مدة لا تتعدى شهرين للجيش الفيدرالي الإثيوبي، وعلى رغم تأخر مواعيد التسليم لأسباب تتعلق بأمور "لوجيستية وأمنية"، كما وصفتها مصادر عدة من حكومة الإقليم، فإن الاحتفال الأخير مثل تطوراً مفاجئاً للمراقبين.
ليس مجرد احتفال
ذكر تقرير إخباري لقناة "the Habesha" الإثيوبية، أن الاحتفال الرسمي الذي حضره جيتاشو رضا مساعد رئيس الإقليم والمتحدث باسم قوات الدفاع التيغراوية، إضافة إلى مسؤولي الجبهة، قد أكد أن "الجبهة ماضية في دعم وتسليح قواتها".
وبثت القناة الرسمية لحكومة تيغراي "صوت الوياني"، الاحتفال الرسمي الذي تحدث فيه عدد من قادة جيش تيغراي، إذ أكدوا "استمرار مهمات قوات الدفاع التيغراوية التي وصفوها بأنها الحصن والدرع" من دون الإشارة إلى أن الاتفاق الذي وقعته الجبهة في جنوب أفريقيا مع الحكومة الفيدرالية ينص على إنهاء مهمات هذه القوات، وإدماج أفرادها داخل الجيش النظامي الإثيوبي.
وبحسب الخطابات التي تم تقديمها خلال الاحتفال بيوم "قوات دفاع تيغراي"، فإن حكومة الجبهة لا تزال تعتد بشرعية قواتها، كما أنها "لا تنوي حلها أو تسليم سلاحها"، إذ عدد المتحدثون مناقب تلك القوات وبطولاتها خلال الحرب الأخيرة، مؤكدين أنها "ستظل تعمل من أجل حماية حقوق التيغراويين، أرضاً وشعبا"، بحسب ما ورد في خطاب يوهانس قبري جرجس أحد قادة قوات تيغراي.
من جهتها أكدت ليا كاسا عضو القيادة العليا للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي في كلمتها، "أن القوات قد واجهت جيوشاً عدة خلال الفترة الماضية، وهي قادرة على صنع التاريخ أيضاً في المستقبل"، في إشارة إلى استمرار مهمات القوات المفترض حلها وفقاً لاتفاق السلام.
خرق واضح
يرى المحلل السياسي الإثيوبي جيداون تسفاو أن "الاحتفال الأخير يمثل خرقاً واضحاً لاتفاق السلام وتملصاً رسمياً عن الالتزامات التي يفرضها".
وقال تسفاو، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إن "جبهة تيغراي لم تجنح للسلم باقتناع، بل ذهبت مضطرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، خصوصاً أن القوات الفيدرالية كانت حررت جميع المدن ما عدا عاصمة الإقليم، كما أسهمت الضغوط الأميركية في الذهاب إلى التفاوض".
وأوضح أن الاتفاق مثل مخرجاً للجبهة من الحسم العسكري، لكنه لم يكن أكثر من توجه تكتيكي، وليس خياراً استراتيجياً، وهذا ما يبرر نقضها الآن لأحد أهم بنود الاتفاق".
عمل بروتوكولي
من جهته قال الناشط التيغراوي قبري مسقل قبري ماريام إن "الاحتفال يعد عملاً بروتوكولياً، لا سيما أنه يتزامن مع احتفالات الميلاد"، وأكد أن حكومة الإقليم لا تزال ملتزمة بمقررات اتفاق بريتوريا للسلام، وأن إحياء ذكرى قوات الدفاع لا يعني بالضرورة التملص من بنود الاتفاق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار ماريام إلى أنه "لا يمكن اختزال الاتفاق في بند واحد، كما أن ذلك البند تسبقه شروط ضرورية من بينها انسحاب القوات الأجنبية من الإقليم، إضافة إلى تطورات أمنية وعسكرية تهيئ الأرضية لتنفيذ بند تسليم السلاح وإدماج القوات في الجيش النظامي".
وشدد على أن "ذلك لا يعني انتهاء مهمات قوات الدفاع، خصوصاً أن الدستور الفيدرالي الإثيوبي ينص على وجود قوات خاصة في كل إقليم"، وهو ما يتيح بقاء جزء من هذه القوات في إطار الدستور، كما هي الحال بالنسبة إلى بقية الأقاليم، مثل الأمهرا والعفر وغيرها.
مناورة جديدة
بدوره رأى الكاتب داويت سلمون أن التصريحات الأخيرة الصادرة عن مسؤولين كبار في جبهة تيغراي بمثابة "مناورة جديدة تحاول من خلالها السيطرة على الرأي العام التيغراوي، الذي امتعض من بنود الاتفاق".
وأكد سلمون أن "هناك حالاً من الرفض في أوساط الناشطين الشباب بتيغراي، مما ينذر بإمكانية قيام تمرد ضد الجبهة التي قادت البلاد والإقليم لأكثر من 27 عاماً".
ويرجح أن "يكون الاحتفال قد تم بالتنسيق مع الحكومة الفيدرالية التي غضت النظر عنه، لضمان نوع من الاستقرار في الإقليم، حيث إن قيام أي تمرد ضد الجبهة قد يعصف بالاتفاق ككل، ويعيد المواجهات بين المركز وجماعات جديدة بالإقليم، وهذا الأمر ليس في صالح الطرفين الموقعين على الاتفاق".
المركز يتجنب المواجهة
على المنوال ذاته قال تسفاو إن "الحكومة المركزية في أديس أبابا تواجه توترات وحالات تمرد بأقاليم عدة من بينها الأورومو، بالتالي فهي تتجنب الدخول في نزاع جديد مع قادة تيغراي، مما يضطرها إلى تجاوز الاختراقات الممنهجة التي تمارسها الجبهة، لعلمها أنها نفسها وتواجه تمرداً واضحاً من منتسبيها، خصوصاً فئة الشباب الرافض لمقررات بريتوريا".
وأضاف "صمت المركز يمكن قراءته في سياق معين، يتمثل في عدم إعطاء فرصة لرافضي الاتفاق للحشد ضد الجبهة"، مستطرداً "لكن لا ينبغي أن يعني ذلك مكسباً للجبهة وتشجيعاً لتملصها عن الالتزام ببنود الاتفاق الذي حظي بدعم دولي وإقليمي كبير".
ويخشى تسفاو أن "يشجع الصمت الرسمي قادة الجبهة للمضي قدماً عبر تشكيل تحالف جديد مع التيارات الأكثر تطرفاً بالإقليم، والعودة للمواجهة المسلحة، لا سيما بعد انسحاب القوات الإريترية".
فيما يستبعد قبري ماريام هذا السيناريو، مؤكداً أن "الجبهة ملتزمة بالاتفاق، وقادرة على مواجهة التحديات الداخلية، إذ شرعت أخيراً في فتح قنوات حوار مع المتحفظين على الاتفاق".
وأضاف أن "تاريخ الجبهة شاهد على مثل هذه التحديات، التي تتم معالجتها عبر الحوار المباشر"، معترفاً بأن هناك عدداً من التيارات داخل الجبهة وخارجها لديها تحفظات واضحة على الاتفاق، من دون أن يدفع ذلك قادة الجبهة والإقليم إلى التخلي عن تلك الالتزامات.
النزاع التيغراوي - التيغراوي
من جهته يرى سلمون أن "المرحلة المقبلة ستشهد فصلاً جديداً من النزاع التيغراوي - التيغراوي، وهذا ما يتطلب تفاهماً من الحكومة المركزية بقيادة آبي أحمد، إذ لا خيار آخر لها سوى دعم طرف الجبهة في هذا النزاع".
ويبرر ذلك بالقول إن "التيارات الأخرى لن تكون مستعدة للجلوس مع الحكومة المركزية، بالتالي على الأخيرة أن تعمل على ضمان تطبيق الاتفاق، وعدم العودة للمواجهات المسلحة من خلال دعم موقف الجبهة".
فيما يقرأ قبري ماريام هذه الجزئية بأنها محاولة لتصوير موقف الجبهة بالضعف وعدم القدرة على مواجهة التحديات الداخلية، وهذا يناقض الحقيقة، مؤكداً "لا تزال الجبهة هي المعبر عن آمال التيغراويين، فكل الاستحقاقات الانتخابية خلال العقود الثلاثة الماضية قد أكدت تلك الحقيقة".
وأضاف "لا شك أن هناك نوعاً من الرفض والتشكيك في الاتفاق الأخير، لكن لا تزال الجبهة تملك رصيداً كافياً لدى شعبها"، موضحاً أن "بعض التيارات السياسية التيغراوية التي خسرت في الاستحقاق الانتخابي الأخير تحاول العودة للواجهة من خلال التشكيك بالاتفاق".
وأشار إلى أنه "لن يكون هناك نزاع تيغراوي عنيف، لا سيما أن قنوات الحوار مفتوحة لجميع التيارات للتعبير عن مواقفها ورؤاها"، مؤكداً أن "المرحلة الانتقالية ستشهد نقاشات جادة حول القضايا الشائكة بما فيها قضايا الانفصال في إطار الدستور الفيدرالي الإثيوبي"، بالتالي ليس ثمة أمر يدفع لنزاع تيغراوي - تيغراوي.