يرى الأمير هاري أن عائلته "تتحدث إلى وسائل الإعلام منذ أكثر من عقد من الزمن". ويقصد بكلماته تلك البيانات التي يدلي بها أفراد في العائلة المالكة التي تطاوله مع زوجته وأسرته المصغرة، استناداً إلى غايات أنانية تشمل غيرتهم من هاري وعائلته. بحسب دوق ساسكس، "تواطأ" تشارلز وكاميلا وويليام وكيت وموظفوهم جميعاً، بأشكال مختلفة، مع الصحافة الشعبية البريطانية في خلق انشقاق عائلي مدمر.
كثيراً ما يتحدث الأمير صراحة عن مدى حبه لعائلته ومدى رغبته في استعادتها، لكن لا يبدو أن الأسرة "المعطوبة" تريده أو زوجته أو طفليه. كذلك يرى هاري أن الاقتباسات والتسريبات والقصص الراسخة في الأذهان المنسوبة إلى "مصادر" في قصر باكنغهام جاءت (ولا تزال) من أفراد في عائلته شخصياً. إنهم "يلقمون" هذه القصص "الشائنة" و"المروعة" لزبائنهم من الصحافيين، ما يؤدي إلى انتشار السم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وإثارة الكراهية والتهديدات والعنصرية تجاه ميغان.
وبالتالي، فقد أجبرت تلك المعطيات أسرة الأمير على مغادرة البلاد. وبحسب تعبيره، "حينما احتجت إليهم لم يكونوا موجودين لتلبيتي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ليس هذا المتحدث [هاري] سوى الجندي الذي أطاح ربما بـ25 عضواً في جماعة "طالبان" في مقاطعة هلمند، لكنه لا يزال في حالة حرب مع الملك والملكة. في الواقع، إنه أيضاً في صراع غير مباشر مع التصيد والإساءة من قبل غريبي الأطوار المفعمين بالكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي.
واستطراداً، تشمل الأسلحة في ذلك الصراع مذكرات الأمير الأخيرة التي تحمل عنوان "احتياطي" Spare، والجولة الأحدث من المقابلات الإعلامية، واللقاء المطول مع أوبرا وينفري، والإجراءات القانونية ضد مؤسسة روبرت مردوخ، والعناوين التي نشرتها صحيفتا "دايلي مايل" و"ميرور". وتتميز هذه الأسلحة بدقة تصويبها وقدرتها على القتل، فتشبه البنادق والصواريخ في المروحية القتالية التي اعتاد [هاري] التحليق بها. نعلم جميعاً أن هناك مزيداً من الأسلحة في مستودع الذخيرة، خصوصاً المواد المتعلقة بالشخص الذي أدلى بتعليقات عنصرية حول ابنه آرتشي، إذ تبدو بمثابة قنبلة نووية لم يجر تفجيرها حتى الآن. وفي ما يبدو موعظة نادرة من والده، وجه تشارلز نصيحة إلى ابنه الثاني بأن لجوءه إلى كل هذه الأشياء أشبه بـ"مهمة انتحارية". لا يبدو أن هاري يمانع، إذ إن هذا صراع يخوضه أيضاً نيابة عن والدته. إذا شئتم تسميته كذلك، فإنه انتقام من وسائل الإعلام على الدور الذي أدته في وفاتها، على رغم أنه لن يستخدم هذا المصطلح.
وعلى خطى خاله، تشارلز سبنسر، الذي جاء حديثه مؤلماً للغاية عن ديانا في حفل تأبينها في "كاتدرائية ويستمنستر" سنة 1997، يعتقد أن أيادي وسائل الإعلام الشعبية، والصحف ومراسلي الشؤون الملكية والمحررين، ملطخة بالدماء.
استطراداً، فمن غير اللطيف الإشارة إلى أن مشاهدة مقابلة الأمير هاري الصريحة مع صديقه القديم توم برادبي، بدت مؤثرة للغاية ومحبطة بشدة. إنها مؤثرة بطرق مختلفة، إذ فقد هاري والدته ووالده وشقيقه وجدته وفي النهاية بلده، بسبب اضطراره إلى الذهاب إلى المنفى خوفاً من الأذى الذي قد يلحق بأسرته.
من وجهة نظري كصحافي، وجدت المقابلة مع برادبي مثيرة للخزي إلى حد ما بسبب الهراء والتدخلات والقسوة التي تعرض لها هاري وميغان، وإن حدث ذلك بتواطؤ كامل من أفراد آخرين في الأسرة، على ما يبدو.
في المقابل، وفق قول شائع، يشبه الأمر محاولة إلصاق قطعة من حلوى "جلو" على الجدار. لا يوجد أدلة قاطعة كثيرة لدى أي من الطرفين، حول من عمد إلى تسريب القصص أو ترسيخها بغية إلحاق الضرر بهاري.
هل فعلت كاميلا [زوجة الملك تشارلز] ذلك بشكل مباشر؟ أم جاء ذلك من قبل بعض الفاسدين نيابة عنها، بتخويل منها أو من دون الحصول على أوامرها؟ أم هل كان الموظفون في الأسر المختلفة يثرثرون ببساطة أو ينقلون الإشاعات أو كانوا على دراية بالأمور أساساً؟ هل الأشخاص الذين ادعوا أنهم "مطلعون" كانوا مجرد متملقين، وليسوا موظفين أو أفراد عائلة مقربين، يقدمون للصحافيين مادة يقتاتون عليها؟
من المستحيل معرفة ذلك، وبالنسبة إلى عديد من المراقبين في بريطانيا، فإن الجدالات الفعلية تبدو من عالم آخر إلى حد ما. إنها تدور حول وصيفات الشرف في حفلات زفاف ملكية ضخمة كلفت ملايين الجنيهات الاسترلينية، والألقاب والتكريمات، والحصول على حماية الشرطة المسلحة، ومن يسكن أي غرفة في أي قصر من القصور، وتطويل اللحى أم لا، والتنافس بين الأشقاء على أعلى مستوى من "المجتمع"، وكيفية معاملة الخدم. الخدم!
إنه شكل لافت بسميته من أشكال التنافس بين الأشقاء، "الوريث مقابل الاحتياطي"، حيث يتهم ويليام بأنه منافس شديد مهووس بالسيطرة، لكن بالنسبة إلى جميع من هم في المملكة المتحدة تقريباً، هذا أمر محير ومذهل على أقل تقدير، وبعيد تماماً [عن أن يكون واقعاً بالفعل] كأي حلقة من حلقات مسلسل "داونتاون أبي" Downton Abbey.
بصرف النظر عن الصدمات الحقيقية التي مر بها هاري وميغان، عليكم هز أكتافكم والقول "لماذا كل هذا الصخب؟" حول التيجان والألقاب. ففي نهاية المطاف، لا يتجادل آل وندسور ويتقاتلون حرفياً حول كيفية دفع فاتورة الطاقة مثلاً، أو من الذي سيذهب إلى بنك الطعام. في هذه الأثناء، يموت 500 مواطن فقير كل أسبوع لأنهم لا يستطيعون الوصول إلى قسم الطوارئ في الوقت المناسب.
بتقديري، أظن أن هاري وميغان راغبان في إعادة التفاوض على خروجهما من الأسرة المالكة. إنهما يريدان الأمان. وما زالا يودان أن يكونا فردين من العائلة المالكة وفقاً لشروطهما الخاصة وبطريقتهما الخاصة تماماً، كدأبهما دائماً. وتتضمن تلك الشروط إشراك القصر لحمايتهما من أمثال [الصحافيين] جيريمي كلاركسون ودان ووتون.
نظراً إلى أن مزاعمهما كانت شخصية ومثيرة للبلبلة بشدة، لكنها غامضة ولا يمكن إثباتها أو الاعتراف بها غالباً، تزداد صعوبة حصول هاري وميغان على ما يرغبان فيه. وسيؤدي هذا في نهاية المطاف إلى حل بالاتفاق على خروجهما واستعادة بعض الواجبات الرسمية واسترداد مكانتهما، إضافة إلى ضمان "المحاسبة" على الأخطاء التي ارتكبت والاعتذار عنها.
لهذا، يبدو أن حرب آل وندسور الأخيرة ستستمر وتطول بأسلوب قروسطي معاصر، لكن عاجلاً أم آجلاً، لا بد من وجود "مصالحة" ببساطة، من أجل المؤسسة والسلامة العقلية لجميع المعنيين.
مع غياب الملكة، والمودة والاحترام اللذين حظيت بهما، بدأ آل ويندسور بشكل جماعي وفي غضون أشهر يبدون كأنهم بعيدون عن الواقع وغير كفؤين، على غرار ما كانته عائلتا بوربون الفرنسية ورومانوف الروسية الحاكمتان اللتان واجهتا أزمة خلافة طويلة. لا يمكنهم [أفراد عائلة آل وندسور] الاستمرار على هذا النحو، أليس كذلك؟
© The Independent