أصدر القضاء التونسي قراراً بتجميد أموال ومصادرة ممتلكات وعقارات لـ 100 قيادي ورجل أعمال مرتبطين بـ"حركة النهضة"، الذراع السياسية لتنظيم "الإخوان المسلمين"، في تطور مثير في مسار الملاحقات القضائية التي تواجهها قيادات الحركة.
وذكرت تقارير محلية أن قراراً قضائياً آخر صدر من القطب القضائي والمالي بإصدار مذكرة جلب جديدة في حق نجل رئيس "حركة النهضة"، معاذ الغنوشي، الموجود خارج البلاد، وذلك في سلسلة من الإجراءات القضائية الوقائية التي تأتي في ظل احتدام المواجهة بين الرئيس قيس سعيد والنهضة التي حكمت البلاد طيلة العشرية الماضية.
وعادة ما تنكر النهضة الاتهامات الموجهة إليها، سواء بإنشاء جهاز أمن سري لتنفيذ أجنداتها، أو تلقي تمويلات مشبوهة من الخارج أو غيرها، وتتهم السلطات في البلاد بمحاولة توظيف القضاء لإقصائها من المشهد السياسي.
تصفية النهضة
والقرارات الأخيرة، التي أصدرها القضاء التونسي، تأتي بعد قرارات لافتة من بينها توقيف رئيس الحكومة السابق ونائب رئيس "حركة النهضة"، علي العريض، بسبب ملف تسفير التونسيين نحو بؤر التوتر خلال حكم الترويكا في الفترة الممتدة بين 2011 – 2013.
وتم بعد ذلك أيضاً توقيف القيادي السابق بالحركة عبد الكريم سليمان بتهمة غسيل الأموال، وهي قضية تقدِر فيه السلطات القضائية الأموال بحوالى 30 مليون دولار.
وعلق عضو "حركة النهضة"، سامي الطريقي، وهو محام أيضاً، على هذه القرارات بالقول إنها "تندرج في إطار محاولة لتصفية حركة النهضة، لأن بعض الأحكام شملت أشخاصاً لا علاقة لهم بالحركة ولم يشغلوا فيها أي منصب، لكن إقحام اسم النهضة يدخل في هذا الإطار أي إدانتها".
وتابع الطريقي في تصريح خاص، أن "عبد الكريم سليمان مثلاً ليس لا عضواً ولا قيادياً في الحركة، بل هو أخ ومناضل من مناضلي الحركة، وقع تكليفه في مرحلة معينة في مجال التدقيق وليس له أي علاقة بإدارة الأموال، وقع الزج باسمه، وعندما قلنا لهم ذلك تم تجميد أموال أشخاص آخرين يعتقدون أن لهم صلة بالحركة".
وأوضح أن "أغلب الذين تم الزج باسمهم لم يعودوا قيادات في النهضة وهناك منهم حتى من استقال منذ ثماني سنوات على الأقل، لكن يتم الزج باسم النهضة من أجل إدانتها وتصفيتها حجرة حجرة عبر استعمال القضاء والفرق الأمنية، التي تستبق أحياناً حتى قرار قاضي التحقيق، وهو أمر خطير دفع في مراحل أخرى القضاء للإفراج عن هؤلاء".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشدد الطريقي على أن "هناك ضغطاً تمارسه جهات سواء إعلامية أو غيرها في تونس من أجل جر قيادات النهضة إلى السجن مثلما حصل مع علي العريض، وهي جهات تسعى لاستعمال المسار السياسي الحالي لتحقيق هذه الغاية، مستغلين وضع القضاة الصعب باعتبار أنهم مهددون بالعزل والإعفاء".
وحول قرار إصدار مذكرة توقيف بحق نجل الغنوشي، اعتبر الطريقي أن "هذا الزج أيضاً يستهدف خلق هالة إعلامية وجدل لا أكثر، في كل ملف يتم إقحام اسمه".
وكان القضاء التونسي قد جمد في يوليو (تموز) الماضي أموال الغنوشي ونجله، فيما بدأت تحقيقات واسعة مع رئيس الحكومة السابق ورئيس مجلس شورى الحركة السابق، حمادي الجبالي، في وقت تواجه النهضة تهمة بتلقي أموال طائلة من الخارج إبان توليها الحكم إثر انتفاضة 14 يناير (كانون الثاني) 2011.
ومنذ أشهر، توالت جلسات الاستنطاق مع الغنوشي والعديد ومن القيادات البارزين في "حركة النهضة" بتهم مختلفة.
"نفاق سياسي"
وفي المقابل، تدافع أوساط سياسية من المؤيدين للمسار الذي يقوده الرئيس قيس سعيد عن القرارات التي يتخذها القضاء التونسي، معتبرين أنه بدأ بالفعل يتعافى بعد اتهامات لاحقت "حركة النهضة" العقد الماضي بأنها سيطرت على الجهاز القضائي.
وقال الناشط السياسي، نبيل الرابحي، إن "حركة النهضة على مدى عشر سنوات، لاحقت كل من له ملف ضدها ودعته للتوجه إلى القضاء، ولما تحرك القضاء وأصبح مستقلاً إلى حد ما وبدأ يتعافى، شاهدنا وقفة احتجاجية أمام وزارة العدل الأسبوع الماضي في محاولة من النهضة للضغط على القضاء وهذا ما يعتبر نوعاً من النفاق السياسي".
وأبرز الرابحي في تصريحه أن "قضية التمويل أو اللوبيينغ أو المال السياسي الفاسد للنهضة انطلقت مع جمعية نماء، التي يتورط فيها العديد من القيادات مثل عبد الكريم سليمان وأيضاً حمادي الجبالي، بسبب دخول قرابة 20 مليون دولار إلى تونس، وتسربت إلى المشهد السياسي وزورت الانتخابات ليس بشكل مباشر وإنما من خلال شراء إرادة الناخب".
وتابع "اليوم القضاء اتخذ قراره، هناك 10 أشخاص وقع إيقافهم، وهناك تجميد أموال 100 شخصية على علاقة بالنهضة، وهناك بطاقة جلب في حق معاذ الغنوشي الذي تبين أنه قام وآخرين بتوزيع أموال في محافظة القصرين على الناس، وهي تبقى شبهة إلى حين الحسم فيها".
ومن غير الواضح مآلات القضايا التي تحاصر قيادات بارزة من "حركة النهضة"، لكن التطورات الأخيرة تثير تساؤلات بشأن ما إذا كانت ستنتهي بحل الحركة، التي ضعفت بشكل كبير بخاصة بعد انقسامها على نفسها بسبب تشبث رئيسها راشد الغنوشي بالبقاء على رأسها.
وقال الرابحي في هذا الصدد "لا أعتقد أنه سيتم حل الحركة الآن لأن الجرائم شخصية ولم يتم بعد توجيه أي اتهام للحركة كمؤسسة، لو كان المتهم بتلقي تمويل أجنبي مثلاً مرشح الحركة للرئاسة وقتها يمكن للحركة أن تواجه سيناريو الحل".
ومنذ أكثر من عام ونصف العام، دخلت المواجهة بين "حركة النهضة" والرئيس قيس سعيد منعرجاً حاسماً عندما أطاح بالبرلمان والحكومة اللذين تسيطر عليهما الحركة، في تطور سارعت الحركة التي تراجعت شعبيتها بشكل كبير، إلى وصفه بـ"الانقلاب".