في ظل ما يجري من تطورات في الأراضي الفلسطينية، ومن تحركات إسرائيلية عاجلة في ملف المقدسات الإسلامية، بخاصة المسجد الأقصى، فإن السؤال الذي يطرح نفسه: ما سيناريوهات الحكومة الإسرائيلية في ظل حال التصعيد المحتملة، التي ترتبط فعلياً بما هو قائم ومحتمل، بخاصة من قبل اليمين الإسرائيلي الذي يحكم اليوم في تل أبيب، ويسعى إلى تأكيد حضوره السياسي والأمني في صدارة المشهد السياسي، وأن الأمر يتجاوز مخطط اقتحام المسجد الأقصى إلى تفاصيل أخرى يخطط لها اليمين الإسرائيلي وممثلوه في الحكومة الراهنة .
أولويات محددة
تحكم إسرائيل في الوقت الراهن بحكومتين: حكومة نتنياهو ومن معه من أحزاب اليمين الذي يوصف بأنه متطرف ومتشدد، لكن التسمية الحقيقية أنه "يمين إرهابي" ممنوع من ممارسة السياسة أصلاً في إسرائيل، وأغلب عناصره من المنتمين سابقاً إلى حركة كاهانا حي وحركة كاخ المحظورة. بالتالي فإن هؤلاء يتصدرون المشهد السياسي في الوقت الراهن.
أما الحكومة الثانية فيديرها كل من الوزيرين ايتمار بن غفير وسموترتيش، وكلاهما يملك رصيداً حقيقياً من التاريخ اليمني في الواجهة الحزبية والسياسية، ويملك مقاربة سياسية متشددة. ويبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، الذي قبل بالائتلاف معهما لم يكن يملك بدائل كثيرة في ظل مسعاه للبناء على ما جرى، والدخول في حكومة غريبة ستدار بتوزيع المقاعد والمناصب، وهو ما سيثير علامات استفهام حقيقية حول استمرارية هذه الحكومة بالفعل.
ستـُدخل هذه الحكومة الإقليم وليس إسرائيل في صدامات متتالية، لجس نبض الجانب الفلسطيني والعربي، ولا يهمها المساس بما جرى مع حكومات نتنياهو الخمس بكل رموزها، بل قد يكون في مخيلتها البناء على قاعدة اليمين المتطرف، والعمل على اختبار قدرة الفلسطينيين والدول العربية على التعامل، وهنا مكمن الخطورة في ظل مزايدات ستحدث بصورة متتالية وسريعة، وعلى الجانب الآخر التعامل من منطق الطرف الإسرائيلي وليس الفلسطيني أو العربي .
مسارات مطروحة
في ظل ما سيجري فإن السؤال ما التالي؟ وعلى رغم حال التهدئة بعض الشيء في الوقت الراهن انتظاراً لما هو قادم إسرائيلياً، فإن التطورات المحتملة ستمضي في مسارات عدة.
الأول الانتقال من الرسائل الرمزية، ومنها إتمام زيارات ميدانية للمسجد الأقصى وبصورة مكررة تشبهاً بما جرى من قبل من رمز اليمين الإسرائيلي، بخاصة الجنرال شارون والوزير أفيغدور ليبرمان وغيرهما، وكانوا وما زالوا يرددون أن المسجد الأقصى "حرم يهودي"، وأنه يخص أبناء الشعب اليهودي، وليس أي شعب آخر.
بالتالي فإن ما جرى خلال الأيام الأخيرة وزيارة الـ 13 دقيقة، التي تمت تحت ضغط من قبل وزير الأمن القومي بن غفير، تعبر عن تيار متصاعد في إسرائيل يرغب في حسم الأمر، وعدم الاكتفاء بالخطوات الرمزية، والعمل على خطوات حاسمة وبصورة سريعة.
أما المسار الثاني فهو العمل على فرض الخيارات السياسية والأمنية، بمعنى الانتقال من إتمام زيارات مخطط لها جيداً إلى استئناف أعمال الحفر والتنقيب تحت المسجد الأقصى وصولاً إلى الهيكل بالمفهوم الإسرائيلي المتعارف عليه.
وعلى رغم أن أجهزة الأمن تؤكد أن ما يجري يأتي في سياق الحق اليهودي فإن تمرير الأمر والتعامل معه بصورة معلنة ومباشرة، والانتقال منه إلى اتباع إجراءات حقيقية، والخطورة في الذهاب إلى الكنيست لتمرير تشريع عاجل، وسن قوانين سيئة السمعة تتعلق بالمقدسات الإسلامية والمسيحية بأكملها، مما قد يعقد الأمر، ويفرض استراتيجية الأمر الواقع التي يريدها اليمين الإسرائيلي الذي يوصف بالتطرف والتشدد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والحقيقة أن هذا الأمر سيحدث في سياق من السياسات والإجراءات التي تمت في اتفاقات الائتلاف، وهو ما يفهم أبعاده جيداً الجانب الفلسطيني الذي تابع جيداً سلسلة الإجراءات والخطوات التي جرى إبرامها بين الأحزاب، وتصب في التعامل مع المنطقة (ج) من الأراضي الفلسطينية، بمعنى أن الذهاب إلى اتباع وفرض سياسات جديدة هدفها اختبار قدرة السلطة الفلسطينية في المواجهة.
ولهذا فإن الجانب الفلسطيني بدأ يدرك تبعات ما سيجري، وواصل معركته الإعلامية والسياسية من سدة مجلس الأمن، وهو يدرك أنه لا توجد أي خيارات جدية للتعامل مع هذه الحكومة، التي ستمضي في مهماتها الكبرى تحت سمع وبصر العالم كله، وفي ظل خيارات متعددة ستعمل عليها الحكومة الإسرائيلية .
والمسار الثالث هو محاولة تحقيق مكاسب حزبية وشعبية أمام الجمهور الإسرائيلي، والانتقال من التحركات العاجلة لتبني إجراءات وتدابير حقيقية ومباشرة، ولهذا فإن ما يخطط له حكومياً ممثلو اليمين المتشدد في الحكومة بالصلاة في المسجد الأقصى، والمكوث فيه كخطوة تأتي في سياق تغيير استراتيجية ما يتم وقبل به الإسرائيليون رسمياً من قبل، على رغم ما صرح به رئيس الوزراء نتنياهو أخيراً بأنه لا تغيير في ما يجري، ولن يتم أي تعديل في التعامل، سواء بممارسة الشعائر الدينية أو تغيير الموقف، بخاصة أن الأردن ما زال مشرفاً على إدارة المقدسات الإسلامية رسمياً بمقتضى الاتفاق الثلاثي المبرم بين السلطة الفلسطينية والأردن وإسرائيل، وأن الحضور الأردني في القدس مثبت تاريخياً وواقعياً.
ومن ثم فإن أي تغيير قد يؤدي إلى صدام أردني - إسرائيلي، وقد يعصف بالوضع الراهن لطبيعة العلاقات الأردنية - الإسرائيلية المتوترة أصلاً، على رغم ما يجري من خطوات مستمرة في منظومة العلاقات، ومنها اتفاق استيراد الغاز ونقل المياه وتوافقات الباقورة وأرض الغمر وغيرها، وفي ظل ترقب أردني لما هو قائم ومحتمل، بخاصة أن الحكومة الثانية الفعلية في إسرائيل، التي ستدير واقع السياسات الراهنة تجاه الجانبين الفلسطيني والعربي لا يهمها أن تمنح رئيس الوزراء نتنياهو شيكاً على بياض في ما حققه أو سعى إلى إتمامه في الوقت الراهن، أو مسعاه الذي سيعمل عليه، كما أعلن تجديد التحرك الإسرائيلي في ملف مشاريع التعاون الإقليمي، وإتمام اتفاقات جديدة مع دول عربية، وهو ما يخطط له نتنياهو جيداً، ويتمنى تحقيقه في الفترة المقبلة، مما يؤكد أن الأمر يتطلب مراجعة كاملة ومباشرة لما سيجري من خطوات، والمهم في الوقت الراهن أن يتحرك كل جانب لإنجاز مهماته الكبرى.
تساؤلات مطروحة
السؤال الذي سيطرح ما موقف مؤسسات نظام الحكم، وكيفية التعامل مع الإعصار المقبل، بخاصة أنها ستتحمل تبعاته جيداً إذا انهار المشهد، وتجددت المواجهات، سواء من جبهة القدس أو جبهة القدس - نابلس فإن الجيش هو من سيتحرك، وهو من سيتعامل، ولهذا تتالت تحذيرات قادة الجيش بعدم العبث بالمؤسسات العسكرية، والتدخل في الجهاز العسكري والتشكيلات أو مهمات الكتائب، كما هو مخطط وفق ما جرى في إطار توزيع الأدوار، وتغيير المهمات وتعيين قيادات ليس لديها خبرات عسكرية متراكمة، وهو ما حذر منه وزير الإسرائيلي بيني غانتس، قبل أن يغادر موقعه وسيخلفه يؤاف غالانت.
والمعنى أن إعادة تدوير المهمات والوزراء عديمي الخبرة قد يؤدي إلى تداعيات مكلفة، وقد تتجدد الحرب مع قطاع غزة، وقد تشتعل المواجهات في الضفة الغربية، ولن تقتصر على القدس أو نابلس، بالتالي فإن المتوقع أمنياً واستخباراتياً أن تحدث مواجهات عسكرية جزئية أو مرحلية، وقد يؤدي ذلك إلى مزيد من السيناريوهات الصفرية في حال عدم الاستقرار المرشح والمخاوف من أن تذهب الفصائل في غزة إلى مواجهة قد تبدأها فصائل غير منضبطة يليها تدخل حركة الجهاد الفلسطيني، ثم تمتد إلى دخول الفصائل الأخرى، بما فيها حماس، وهو ما يراه قادة أجهزة المعلومات الخطر الأكبر.
ومن ثم فإن ما سيجري، وسيمس ملف المقدسات الإسلامية قد يؤدي إلى مزيد من ردود الفعل، وإن الحديث عن احتمالية اندلاع انتفاضة، أو إضراب عام وشلل وارد في ظل ما يطلقه الشباب الفلسطيني اليائس من الوضع الراهن في الضفة وغزة، وعدم إجراء الانتخابات وانسداد الأفق السياسي الحالي، وعدم وجود بادرة جيدة من قبل السلطة التي قدمت كثيراً من التنازلات طوال الفترة الماضية، وإثناء حكومتي نفتالي بينت ويائير لابيد، حيث التقى الرئيس محمود عباس، وعدد من وزراء السلطة بعديد من الوزراء والمسؤولين الإسرائيليين، واكتفى في المقابل بالحصول على بعض التسهيلات والحصول على العوائد الجمركية والمتحصلات المالية، وهي في الأصل حق فلسطيني بمقتضى اتفاق باريس الحاكم لإدارة العلاقات الاقتصادية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل .
الخلاصات الأخيرة
القادم هو الخيار الأسوأ بالنسبة إلى تعاملات الحكومة الإسرائيلية مع ملف المقدسات الإسلامية، ومحاولة تغيير السياسة الراهنة، وهو ما يعني أننا أمام سيناريوهات مفتوحة في حال المساس بوضع اتفاق إدارة المقدسات الراهنة، وهو ما قد يؤدي إلى تبعات خطرة على العلاقات الأردنية - الإسرائيلية، وقد يوتر العلاقات الإسرائيلية - التركية مجدداً، إضافة إلى عرقلة ما يجري بشأن إتمام اتفاقات جديدة للسلام الإبراهيمي، التي قد يجمد بعضها أو يتعثر حال إقدام إسرائيل على التدخل بإجراءات أحادية الجانب ليس فقط في القدس، إنما أيضاً في الإبراهيمي.
ولا يمكن استبعاد تأثير ذلك في احتمالات نشوب مواجهة جديدة ومباشرة مع قطاع غزة، وإذا استمر المخطط الإسرائيلي الراهن على ما هو عليه، فنحن أمام سيناريوهات صفرية في كل الأحوال، حتى ولو هدأت الأوضاع بعض الوقت، واستعداد لما هو قادم من إعصار لن يقتصر على الأوضاع في المناطق الفلسطينية، بل قد يمتد إلى الإقليم بأكمله .