أصبح اللبنانيون اليوم في أشد الحاجة إلى النقل وسط الأزمة المعيشية الصعبة وبعد الارتفاع الجنوني لأسعار المحروقات.
ويكاد المواطن يبحث عن وسيلة تؤمن له الوصول إلى عمله، خصوصاً أن وسائل النقل باتت صعبة وغير متيسرة، لا سيما لأصحاب الدخل المنخفض.
وحين أعلن عن الهبة الفرنسية بتقديم 50 باصاً (حافلة نقل جماعي) إلى لبنان تمنى الجميع أن تكون حلاً جزئياً يساعد على تخفيف الأعباء عنهم.
لكن هذا الأمر تلاشى ولم يعد أحد يتحدث عنه، على رغم أن الباصات مركونة في عهدة مصلحة "سكك الحديد والنقل المشترك" وهناك تخوفات بألا تكمل مسارها بسبب الصعوبات المالية والاقتصادية التي تواجه لبنان.
خطة تجريبية
في السياق ذاته قال رئيس لجنة الأشغال النيابية سجيع عطية إن "هناك 50 أوتوبيساً مقدمة كهبة من فرنسا لا تسير في مناطق علوها مرتفع، أي فقط على المنبسطات مثل بيروت وضواحيها، إذ إن مقاعدها غير مؤهلة للمسافات الطويلة".
وأضاف عطية في تصريح إلى "اندبندنت عربية" أنه "على رغم أن وزير الأشغال العامة والنقل بحكومة تصريف الأعمال علي حمية أعاد صيانتها بمبادرة منه، إلا أن المشكلة اليوم تتعلق بموضوع السائقين الذين بلغ معظمهم سن التقاعد ولا يوجد توظيف في لبنان بحسب آخر القوانين".
وأشار إلى أنه "منذ نحو أسبوعين وضعت الوزارة خطة تجريبية للباصات، إذ بدأ عملها ضمن خطوط محدودة، لكن الحقيقة أن الخطة غير مجدية، إذ نحن بحاجة إلى الباصات ضمن خطة متكاملة على مستوى المدينة، خصوصاً أن هناك نحو 2 مليون نسمة بين بيروت وضواحيها".
تعرفة الـ20 ألف ليرة
وعما إذا كان رسم الـ20 ألف ليرة (حوالى 13.28 دولار أميركي) منطقي في ظل الظروف الخانقة، اعتبر عطية أن "التعرفة حتى إن لم تكن مربحة لخزانة الدولة، فهي توفر على المواطن نحو 80 في المئة، بخاصة أن سائق الأجرة بات يجني 100 ألف ليرة (نحو 66.40 دولار أميركي) لكل مواطن".
ولفت إلى أنهم يبحثون عن "شراكة بين القطاعين العام والخاص، فهذه الباصات صحيح أنها ملكية للدولة، لكن تشغيلها يبقى مسؤولية القطاع الخاص"، وأوضح أن "هناك عقبات عدة تواجه هذا القطاع، خصوصاً من ناحية الاستثمار فيه والفيول والمواصفات والصيانة ودفاتر الشروط"، مؤكداً "ضرورة أن تكون هذه الأمور كلها ضمن خطة متكاملة وشاملة للنقل، وهذا ما يتم البحث فيه على مستوى عالٍ".
بدوره، اعتبر المدير العام ورئيس مجلس إدارة "مصلحة سكك الحديد والنقل المشترك" زياد نصر أن "هذه التعرفة حكماً لا تغطي الكلف، إنما نحن مؤسسة عامة ليست ربحية الغاية ووجود المؤسسات العامة هو من أجل تأمين خدمة للمواطن وتفعيل الدورة الاقتصادية وتأمين النقل لمختلف الشرائح الاجتماعية، تحديداً شريحة العاملين في القطاع العام".
وشدد نصر على أن "النقل هو عصب الاقتصاد الوطني، لذا في دول العالم نرى أنهم يحرصون على تأمين خدمة النقل لو حتى بشكل مجاني، بالتالي لها فوائد اقتصادية مهمة، فقطاع النقل أرباحه بفوائده غير المباشرة وليس بكلفته مثل تفعيل الاقتصاد العام والحد من أزمة السير والحوادث وتأمين السلامة المرورية".
نفاد المازوت
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عن تحذيرات الوزير من نفاد مادة المازوت، طالب نصر بأن "يكون المازوت مدعوماً لأن الوضع أصبح صعباً مع كلفة الصيانة"، كما شدد على ضرورة ضبط التهريب عبر الحدود السورية "الذي ينعكس سلباً على القطاعات الأخرى، ومنها الصحية والاقتصادية"، لافتاً إلى أنها "مشكلة جديدة نحاول أن نعالجها".
وقال إن "هذه الباصات تعمل بشكل يومي لكن في ظروف صعبة جداً، وتأخرنا في تشغيلها بعد أن تعذر علينا تأمين مناقصات من أجل تأمين المازوت والمواد وقطع التبديل والترميم".
واقع القطاع ومأساة الموظفين
عن واقع القطاع من الناحيتين البشرية والمالية، شرح نصر "أولاً من الناحية البشرية عدد السائقين محدود، لأننا مؤسسة هرمة وغالبية الموظفين بلغوا سن التقاعد، ولدينا عدد قليل من الموظفين نستطيع أن نسير 10 حافلات فقط".
وأضاف "أما من الناحية المالية، أي المواد وقطع التبديل والفيول وغيرها من زيوت خاصة بالمحركات، فهناك عدد قليل موجود في مخازن المصلحة والتي تستنزف بشكل يومي، بحيث سنصل إلى وقت لا توجد لدينا مواد كافية لتشغيل الباصات".
وعن واقع موظفي النقل المشترك بشكل عام، كشف نصر عن أنهم "لا يتقاضون حقوقهم المشروعة عبر فواتيرهم التي يقدمونها إلى صندوق الضمان الاجتماعي، إذ لا توجد حماية مجتمعية ولا تغطية صحية من الصندوق نتيجة إهمال متماد، على رغم مراجعاتنا المتكررة لإدارة الضمان من دون أي جدوى، بينما هناك مؤسسات كبرى يحصل موظفوها على مستحقاتهم بعد شهرين".
غياب الخطة الوطنية
وعن وجود أي أفق للحلول في القطاع، قال نصر "أطلقنا في الماضي خمس مناقصات لتأمين تشغيل هذا المرفق الحيوي، أي تشغيل الباصات، من خلال مناقصة لتأمين عمال لقيادتها ومفتشين وعمال الرقابة والتنظيف والكهرباء والميكانيك، كما أطلقنا مناقصة لتأمين المازوت والزيوت، لكن لم تصل إلى أي نتيجة على رغم إعادتها مرتين متتاليتين، والسبب يعود لأن القطاع الخاص فقد الحوافز للشراكة أو الالتزام بعقود مع القطاع العام في ظل التدهور الاقتصادي والنقدي بشكل عام والقيود والشروط العشوائية التي تفرضها المصارف بشكل خاص".
وأضاف "نحن كمؤسسات عامة مضطرين إلى إجراء عقودنا بالليرة اللبنانية ودفع بموجب تحويلات إلى المصارف، وهناك قرار صادر عن مجلس الوزراء برفع السرية المصرفية عن حسابات القطاع الخاص الذي سيودع فيه أي مال بموجب هذه الصفقة"، وشدد على "الحاجة لحلول على مستوى السلطة المركزية لإيجاد حد أدنى من الثبات والاستقرار بهدف إعادة تحفيز القطاع الخاص لإجراء عقود مع القطاع العام".
باصات "المونديال"
أما عن الحديث المتداول حول حصول لبنان على باصات "المونديال" كهبة من قطر، فنفت مصادر مطلعة في وزارة الأشغال العامة والنقل بحكومة تصريف الأعمال لـ"اندبندنت عربية" هذه المعلومات واعتبرتها "مجرد كلام إعلامي".
وأكد النائب عطية أنه "لا يوجد أي شيء جدي وأن الأمر لا يتجاوز خانة الوعود لا أكثر"، بينما قال نصر إن "هذا الخبر ليس أكثر من كلام إعلامي ولا أساس له بشكل رسمي، فبحسب علمنا أن قطر تنوي استخدام الحافلات ضمن خططها للنقل في البلاد، وحتى الآن لا توجد مراسلة رسمية منهم".