أنهى وزير الخارجية الصيني الجديد تشين غانغ جولته الخارجية الأولى وشملت خمسة بلدان أفريقية هي إثيوبيا والغابون وأنغولا وبنين، وكانت محطته الأخيرة، اليوم الأحد، في مصر وذلك في إطار تقليدي انتهجه وزراء خارجية الصين الجدد على مدى الأعوام الـ33 الماضية، لكنها لم تخل من رسائل عكست حرص بكين على تعزيز نفوذها داخل القارة السمراء في مواجهة النفوذ الأميركي.
وجاءت جولة غانغ الخارجية بعد أسابيع قليلة من توليه منصبه في أواخر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، خلفاً لوانغ يي الذي كان وجه الدبلوماسية الصينية منذ عام 2013، وكان لافتاً حرصه على شمول محطات توقفه مقر الاتحاد الأفريقي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا وكذلك الجامعة العربية بالقاهرة.
وفي رسالة له عقب تعيينه في منصبه الجديد، قال تشين إنه "في ظل القيادة القوية للحزب الشيوعي الصيني، تساند الدبلوماسية الصينية أغراض دعم النهضة الوطنية وتعزيز تقدم البشرية ورفع راية السلام والتنمية والتعاون والفوز المشترك"، مضيفاً وفقاً لصحيفة "غلوبال تايمز" الصينية، "سنحافظ على المبادئ الدبلوماسية للدفاع عن السلام العالمي وتعزيز التنمية المشتركة وسنعمل على بناء المجتمع من أجل مستقبل مشترك للبشرية وعلاقات دولية جديدة تقوم على الاحترام المتبادل والعدالة والتعاون المربح للجانبين".
رسائل صينية من القاهرة
خلال محطته المصرية وهي ثالث زيارة لوزير خارجية صيني إلى القاهرة والجامعة العربية في الأعوام الأربعة الأخيرة، عقد تشين غانغ محادثات منفصلة مع كل من الرئيس عبدالفتاح السيسي ووزير الخارجية سامح شكري، فضلاً عن الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، ركزت في مجملها على العلاقات الثنائية والعلاقات العربية- الصينية والتطورات الإقليمية والدولية.
وفيما تعددت رسائل تشين خلال توقفه في القاهرة قبل العودة لبكين، إذ تناول خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع شكري ملفات التدخل الخارجي في الدول العربية والقضية الفلسطينية، فضلاً عن أزمات المنطقة الأخرى، فيما ذكر شكري أنه بحث مع تشين القضايا الدولية والإقليمية وعلى رأسها أزمة سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على النيل الأزرق والذي يثير جدلاً في القاهرة والخرطوم.
وقال تشين غانغ إن السنوات الماضية شهدت مضي الدول العربية قدماً نحو التنمية، وإن هناك كثيراً من الاضطرابات التي لا تزال تؤثر في العالم أجمع، مؤكداً أن "التدخل الخارجي سبب رئيس في زعزعة الاستقرار بالمنطقة العربية". ودعا إلى ضرورة وقفه مع ضرورة دعم دول المنطقة إنمائياً لتمكينها من تجاوز التحديات الناتجة من أزمتي الغذاء والطاقة اللتين خلفتهما الحرب الروسية - الأوكرانية.
كذلك دعا المسؤول الصيني إلى "ضرورة تفادي سيناريو الفوضى التي ربما تفتح الباب لاستشراء الإرهاب"، مطالباً الدول الواقعة خارج المنطقة بعدم التدخل في شؤون الدول العربية مع احترام تاريخ الشرق الأوسط وحضارته.
وعلى صعيد القضية الفلسطينية شدد تشين غانغ الذي كان سفيراً لبلاده لدى الولايات المتحدة على موقف الصين من حل الدولتين ورفض الممارسات الأحادية الإسرائيلية، قائلاً إن "على المجتمع الدولي التمسك بإنماء حل الدولتين وبمبدأ الأرض مقابل السلام وبذل الجهود الحميدة للمفاوضات" ومعتبراً أن "الظلم الواقع على الفلسطينيين لا يجوز أن يستمر إلى أجل غير مسمى ولا تجوز المساومة على الحقوق المشروعة". ودعا الجانب الإسرائيلي إلى التوقف عن التحريض والاستفزاز تفادياً لأي تحرك أحادي يؤدي إلى تفاقم الأوضاع.
وعلى صعيد العلاقات الثنائية مع القاهرة، قال تشين إن بلاده تحرص على مواصلة التعاون الاستراتيجي التنموي مع مصر في الفترة المقبلة، موضحاً أن "بكين تحرص على التعاون مع القاهرة من خلال مشاريع مهمة واستيراد مزيد من المنتجات المصرية المتميزة وتشجيع مزيد من الشركات الصينية على الاستثمار في مصر وتحقيق النفع المتبادل". كما دعا إلى تعزيز التعاون على المستويين الفكري والثقافي، معرباً عن شكره لمصر لدعم الصين في قضية تايوان وموضحاً أن بلاده تحرص على العلاقات التنموية بين البلدين في إطار "مبادرة الحزام والطريق".
من جهته قال شكري إن مصر "تتطلع إلى الانطلاق بالعلاقات لمستوى أرحب بين البلدين خلال الفترة المقبلة"، مشدداً على أن العلاقات مع بكين تتميز بأنها استراتيجية شاملة في جميع النواحي.
وبعيد لقائه السيسي، قالت رئاسة الجمهورية المصرية إن تشين شدد على "ثبات دعم بلاده للقاهرة في جهود التنمية الشاملة ومكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار الإقليميين"، معرباً عن حرص الصين على استمرار تطوير علاقاتها الاستراتيجية مع مصر كأولوية رئيسة ونهج ثابت، في ظل دور القاهرة المحوري كركيزة أساسية لاستقرار منطقة الشرق الأوسط ومركز ثقل في العالم العربي والقارة الأفريقية.
ووفق رئاسة الجمهورية المصرية، شهد اللقاء مناقشة تطورات الأوضاع الإقليمية وقضايا المنطقة، بحيث أكد السيسي موقف مصر الثابت لاستعادة أمن واستقرار الدول التي تعاني أزمات في المنطقة وتقوية مؤسساتها الوطنية ودعمها في مكافحة الإرهاب الذي يعتبر أداة لتدمير الدول.
وعلى صعيد لقائه الأمين العام للجامعة العربية، أوضحت مصادر دبلوماسية لـ"اندبندنت عربية" أن اللقاء ركز على تعزيز العلاقات بين الجانبين العربي والصيني والتشاور السياسي في شأن عدد من القضايا العربية والإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، موضحة أن اللقاء شهد كذلك "متابعة تنفيذ مقررات القمة العربية- الصينية التي استضافتها السعودية الشهر الماضي ومتابعة تنفيذ برامج الشراكة والتعاون في إطار منتدى التعاون العربي- الصيني بجميع قطاعاته المختلفة وكذلك تطورات الوضع الدولي والإقليمي".
والشهر الماضي احتضنت السعودية قمة عربية- صينية بحضور الرئيس شي جينبينغ أكدت في بيانها الختامي على حرص الجانبين على تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الدول العربية والصين القائمة على التعاون الشامل والتنمية المشتركة لمستقبل أفضل والعمل على تعميق هذا التعاون في مختلف المجالات من خلال الآليات القائمة في إطار منتدى التعاون العربي- الصيني.
واشنطن تراقب
في الأثناء وفيما لا يستبعد المراقبون أية تحركات صينية على المستويين الأفريقي والعربي في سياق التنافس المحموم بين القطبين الاقتصاديين الأكبر في العالم بكين وواشنطن على مناطق النفوذ الدولية، نفى المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأميركية سامويل وربيرغ أن تكون القراءة القائمة لعلاقات البلدان الأفريقية والعربية الخارجية هي على أساس المحاور بين الصين والولايات المتحدة.
وأوضح وربيرغ في تصريحات خاصة إلى "اندبندنت عربية"، "كما قال وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكين، نحن لا نريد تقييد الشراكات الأفريقية مع البلدان الأخرى. نريد أن نعطي البلدان الأفريقية خيارات"، مضيفاً "تسعى الولايات المتحدة وشركاؤها المتشابهون في التفكير إلى طرق لتحقيق نمو أفريقي مستدام".
وذكر وربيرغ أن "البلدان الأفريقية هم شركاؤنا في السعي إلى تحقيق المصالح المشتركة، بما في ذلك الصحة العالمية والمناخ والنمو الاقتصادي الشامل والديمقراطية والسلام والأمن"، مشيراً إلى أن "العلاقات القوية بين الولايات المتحدة وأفريقيا تمكننا من مواجهة التحديات المشتركة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب الدبلوماسي الأميركي، "يجب أن تكون لدى الحكومات الأفريقية والمجتمعات المدنية الشفافية والأدوات اللازمة لضمان استثمار موارد بلادهم بحكمة"، معتبراً أن سياسات التمويل الصينية للبلدان النامية والناشئة "مبهمة وغير مستدامة". وتابع "نحن نعمل مع القادة والمجتمعات المدنية للتصدي للممارسات الفاسدة أو القسرية، وبدلاً من ذلك نعزز التجارة التي تحركها السوق والممارسات التجارية المفتوحة والشفافية التي تحترم خصوصية المواطنين".
وأضاف وربيرغ "معاً، نريد تمكين الشفافية في بيانات الديون الحكومية وفي العقود العامة وممارسات الشراء وممارسات الاقتصاد الكلي المستدامة والتدابير القوية لمكافحة الفساد والرشوة في جميع أنحاء العالم".
ومنتصف الشهر الماضي، انتقد تشين عندما كان سفيراً لبلاده في واشنطن، ما اعتبره مزاعم متمثلة في أن الصين تخلق "فخ الديون" في أفريقيا، وقال على هامش قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا التي استضافتها العاصمة الأميركية إن "استثماراتنا ومساعداتنا لأفريقيا ليست فخاً بل منفعة".
كذلك وقبيل جولته الأفريقية، قالت وزارة الخارجية الصينية إن زيارة تشين غانغ الممتدة من 9 إلى 16 من الشهر الحالي تأتي في إطار "تعميق الشراكة التعاونية الاستراتيجية الشاملة بين الصين وبلدان أفريقيا وتعزيز التعاون الودي معها".
ماذا بعد الجولة؟
وفي قراءة لأول زيارة خارجية لتشين منذ توليه منصبه، يقول السفير علي الحفني، نائب وزير الخارجية المصري الأسبق إن تلك الزيارة وعلى رغم أنها تعكس تقليداً صينياً قديما استمر طوال العقود الأخيرة، إلا أنها تشير كذلك إلى الاهتمام الذي توليه بكين لعلاقاتها الأفريقية والعربية.
وذكر الحفني في حديثه إلينا أن "توقيت الزيارة وأهدافها يعكسان الرغبة الصينية الحثيثة في تعويض ما ربما يكون فاتها خلال أعوام قيود الوباء بفعل الإغلاق، وتعدد البلدان التي شملتها الجولة يؤكد الحرص الصيني على تعزيز العلاقات بشكل أوسع مع البلدان العربية والأفريقية خلال المرحلة المقبلة وبشكل يأخذ في الاعتبار المتغيرات العالمية والإقليمية وما خلفته من تحديات لجميع دول العالم".
وتابع، "لا شك في أن هناك قلقاً وهاجساً مستمراً من تداعيات المنافسة العالمية بين الصين والولايات المتحدة، لا سيما في القارة الأفريقية، الأمر الذي يتطلب في النهاية أن يكون تعاطي البلدان الأفريقية في تعاملاتها الخارجية قائماً على مصالحها من دون الانزلاق لسياسة المحاور التي قد تضر في كثير من الأحيان بمصالحنا"، معتبراً أن للزيارة تداعيات إيجابية كذلك على تعزيز العلاقات الصينية – العربية، بخاصة بعد القمة التي استضافتها الرياض الشهر الماضي.
وبحسب التلفزيون الصيني، فإن القمم التي شهدتها الرياض في ديسمبر الماضي، كانت أكبر عمل دبلوماسي من حيث الحجم والمستوى تجاه العالم العربي منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية، إذ إن الجانبين اتفقا على "العمل بكل الجهود على بناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك نحو العصر الجديد"، مما عكس تحرك العلاقات ودخولها إلى عصر جديد من حيث التطور على نحو معمق وشامل، معتبراً أن زيارة وزير الخارجية الحالي "لم تنو من خلالها الصين التنافس مع أي أحد في الشرق الأوسط، ولا أن تحل محل أي أحد، ناهيك عن ملء ما يسمى الفراغ، بل المضي قدماً يداً بيد على أساس المصالح المشتركة".
وأضاف التلفزيون الصيني "سي جي تي إن" أن زيارة تشين غانغ تنقل رسالة مفادها بأن بكين ستواصل توارث الصداقة الممتدة لآلاف السنين مع الدول العربية والأفريقية والدفع بالتنمية المشتركة والحفاظ على الاستقرار في المنطقة والدفاع عن العدالة والإنصاف ومواصلة جمع قوة الدول النامية عبر التقوية الذاتية".