اقترب الحج مجدداً وعادت معه المشادات القطرية - السعودية بشأن توظيف الدوحة حجاجها ورقة ضغط سياسي لإحراج الرياض، التي تعتبر الحج شعيرة مقدسة ينبغي أن تسمو فوق كل الضغائن والكيد السياسي.
لكن قطر التي يقاطعها جيرانها في السعودية والامارات والبحرين براً وبحراً وجواً، تصر على أن يأتي حجاجها "مباشرة" عبر المنافذ البرية والجوية، وعبر خطوطها، بينما تفسر السعودية هذا الموقف على أنه توظيف للحجاج في الخلافات السياسية، ذلك أنه، وفقاً للرياض، بوسع قطر الغنية أن تزيل العراقيل أمام الحجاج الآتين منها وتسمح بقدومهم إلى مكة عبر أي خطوط جوية (سوى القطرية) لا تسري عليها المقاطعة.
وفيما اعتبرت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية القطرية، أن السعودية تضع العراقيل أمام من يرغب في زيارة المشاعر المقدسة، نددت الحكومة السعودية على لسان وزارة الحج والعمرة بما وصفته "ادعاءات تنافي الحقيقة".
من يضع العقبات؟
وقالت الوزارة إنها "أطلقت روابط إلكترونية عدة لتمكين المواطنين القطريين والمقيمين في دولة قطر، من حجز أماكن إقامتهم والتعاقد على الخدمات التي يرغبونها، والقدوم عبر أي خطوط جوية غير الخطوط القطرية لأداء مناسك العمرة. وفي المقابل قامت الحكومة القطرية بحجب هذه الروابط عن المواطنين القطريين والمسلمين المقيمين في قطر. ولتمكينهم من أداء المناسك، أعلنت المملكة العربية السعودية عن "الترحيب بالأشقاء القطريين وبقدومهم إلى مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة، والتوجه لأداء العمرة والتعاقد على الخدمات التي يحتاجونها عند وصولهم للمملكة".
وكانت وزارة الحج والعمرة دعت بحسب وكالة الأنباء السعودية، "السلطات المعنيّة في دولة قطر إلى تسهيل إجراءات قدوم الأشقاء القطريين الراغبين في أداء مناسك الحج، وإزالة العقبات التي تفرضها حكومة قطر لمنعهم من القدوم لأداء هذه الشعيرة العظيمة".
وأكدت في بيان صحفي حرص حكومة بلادها على "تسخير كافة الإمكانيات لتسهيل قدوم الحجاج والمعتمرين من دولة قطر أسوةً بما تقوم به تجاه عموم المسلمين الراغبين في أداء مناسك الحج والعمرة، والذين بلغت أعداد من تم الاتفاق على قدومهم لأداء مناسك حج هذا العام 1440هـ إلى أكثر من مليون وسبعمائة ألف حاج، في حين أدى مناسك العمرة قرابة 8 ملايين مسلم من جميع دول العالم".
لكن الدوحة اتخذت من موقف الرياض، بعدم فتح الحدود البرية والجوية، ذريعة لمنع مواطنيها من الحج عبر أي خطوط جوية أخرى خليجية أو دولية، التي يسافرون عبرها إلى كل أنحاء العالم منذ مقاطعة جيران الإمارة قبل سنتين، لأسباب قالوا إنها تعود إلى زعزعة أمنهم واستقرارهم وإيواء مطلوبين لدولهم ومتهمين بالإرهاب. وهو ما تنفيه الدوحة.
فقط لا تمنعوهم
ويصف السعوديون سلوك قطر في منعها العدد القليل من الحجاج الآتي منها، بأنه "محاولة لتسييس الحج، لإقحام المواقف السياسية المقررة والمعلنة بين البلدين والتي لها ظروفها ومسبباتها السياسية في أمور الحج والعمرة". ويؤكد السعوديون أن تمكين الحجاج والمعتمرين القطريين والمقيمين في قطر من "القدوم لأداء المناسك من خلال كل خطوط الطيران العالمية، ما عدا الخطوط القطرية، مسؤولية قطرية يجب الوفاء بها". وتدعو السعودية وزارة الأوقاف في قطر إلى عدم منع الحجاج، ومساعدتهم على أداء مناسك الحج والعمرة من دون إقحامهم في الأمور السياسية.
وذكرت وزارة الحج والعمرة السعودية أنها وجهت الدعوة للمسؤولين عن شؤون الحج في دولة قطر هذا العام 1440هـ كغيرهم من المسؤولين في الدول الإسلامية للقدوم إلى المملكة "لترتيب قدوم الحجاج القطريين، وعُقد الاجتماع معهم بتاريخ 8 / 6 / 1440 هـ، (قبل خمسة أشهر من الآن) وبُحثت الأمور كافة المتعلقة بتنظيم قدوم الحجاج والمقيمين من قطر لأداء مناسك الحج، ولكن الوفد القطري غادر من دون أن يوقع على اتفاقية الحج، وبالتالي لم تمنح السلطات القطرية الفرصة لشركات الحج القطرية من القدوم للاتفاق مع مقدمي خدمات الحجاج في المملكة".
عقدة المنفذ البري الوحيد
وإزاء الموقف من حج القطريين علق العديد من المسؤولين القطريين في سياق الجدل المتكرر، وسط تحاشٍ منهم لأسباب الخلاف الحقيقية، إذ رد الرئيس التنفيذي للمؤسسة القطرية للإعلام الشيخ عبد الرحمن بن حمد على حسابه في "تويتر" على ما قال إنه ادعاء سعودياً بأن قطر تمنع حجاجها من بيت الله الحرام، وقال "تدعي السعودية أن دولة قطر تمنع المعتمرين من بيت الله الحرام. أتمنى إثبات ذلك بفتح المعابر للمعتمرين من قطر، مواطنين ومقيمين وكلي أمل ألا يتعرضوا للطرد من الفنادق كما فعلوا في بواكير الأزمة التي افتعلوها". على حد قوله.
ولم يكن تعليق وزارة الأوقاف والشؤون لإسلامية في قطر يبعد كثيراً عن قول الشيخ القطري، وهي تطالب السلطات السعودية بتقديم "كافة التسهيلات" أسوةً بما يتمّ تقديمه لبقية مواطني دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية والإسلامية، مجددة القول بأن "الرحلات الجوية المباشرة من الدوحة إلى جدة لا تزال غير مسموح بها لجميع خطوط الطيران، بالإضافة إلى استمرار إغلاق السعودية المنفذ البري الوحيد أمام ذوي الدخل المحدود أو الذين يتعذّر عليهم السفر جوّا ممن يريدون زيارة بيت الله الحرام".
وخصصت السعودية رابطاً إلكترونياً لتسجيل بيانات المعتمرين القطريين "https://qatariu.haj.gov.sa"، على أن يكون وصولهم إلى مطار الملك عبد العزيز الدولي بمدينة جدة، أو مطار الأمير محمد بن عبد العزيز الدولي بالمدينة المنورة، لكن السلطات القطرية حجبته عن مواطنيها، قبل أن تقول اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر، إن إعلان السلطات السعودية فتح مسار إلكتروني للمعتمرين من قطر، "صوَري وغير كاف".
ترحيب ورفض التسييس
إلى ذلك جددت وزارة الحج والعمرة السعودية "ترحيبها المستمر بالأشقاء من دولة قطر للقدوم إلى المملكة لأداء مناسك الحج والعمرة وحرصها على تمكينهم من أداء مناسكهم بكل يسر وسهولة أسوةً بما تقدمه لكافة الحجاج والمعتمرين من جميع أنحاء العالم، وتدعو المسؤولين عن شؤون الحج والعمرة في الحكومة القطرية إلى الاستجابة للتسهيلات التي توفرها حكومة المملكة لقدوم الحجاج والمعتمرين لأداء مناسكهم".
ومع أن الخلافات السياسية ظلت دائماً موجودة بين دول عربية وإسلامية وأجنبية عدة مع الرياض، إلا أن قطر وإيران الدولتان الوحيدتان في العالم الإسلامي اللتان وظفتا الحج عملياً، للضغط على السعودية. لكن طهران بعد أن منعت حجاجها من أداء المناسك عاماً واحداً فقط قبل سنتين، عادت وسمحت لهم بممارسة شعائرهم على الرغم من الخلاف القائم بين البلدين. بينما لا تزال الدوحة مصرة على موقفها.
يأتي ذلك في وقت حثت فيه منظمة التعاون الإسلامي التي تضم الدول الاسلامية كافة، دولها الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، وحجاج المجتمعات الإسلامية، على التعاون مع حكومة المملكة العربية السعودية، والأجهزة القائمة على تنظيم شؤون وحماية أمن الحجيج، والاستفادة من مرافق الحج ومشاعره فيما خصصت له، مذكرة على لسان أمينها العام بمقررات إعلان المؤتمر السابع عشر لوزراء خارجية المنظمة التي عقدت بالعاصمة الأردنية عمان عام 1408هـ، الذي أكد في توصياته حينها على أن "السعودية لا تسمح أن تقوم فئة من الحجاج برفع شعارات سياسية، أو مذهبية، تعكر صفو سكينة بقية الحجاج والمعتمرين والزوار". ودعت قاصدي بيت الله الحرام والمشاعر المقدسة إلى اغتنام "فرصة العبادة في الحرمين الشريفين في مكة المكرمة، والمدينة المنورة وفي المشاعر المقدسة وأداء مناسك الحج، كما شرعها - الله - سبحانه وتعالى وأوضحها رسوله صلى الله عليه وسلم، والتفرغ لطلب المغفرة بعيدًا عن كل ما يشوش على الحجيج ويصرفهم عن الغاية الأعظم التي قدموا من أجلها".