لا شك في أن الحرب الروسية - الأوكرانية كانت أهم حدث في عام 2022.
بعد هذه الحرب، لا حظنا أن السويد وفنلندا، اللتين عرفناهما منذ سنوات بحيادهما، وضعتا حداً لسياساتهما تلك، وقدمتا الطلب للالتحاق بحلف الناتو.
وبالفعل تمت المصادقة على عضويتهما في الحلف من قبل 28 دولة من أصل 30 دولة عضواً في الحلف.
لكن تركيا من جانبها ما فتئت تتلكأ في المصادقة على ذلك منذ فترة طويلة. كما أن هنغاريا هي أيضاً لم تمنح موافقتها بعد.
في الواقع كان من المتوقع أن تكون عملية انضمامهما إلى الحلف أسرع، لكنهما لم يتوقعا أن تبتزهما أنقرة بهذا الشكل.
صرح الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ أنه يتوقع أن تصبح السويد وفنلندا رسمياً أعضاء في الناتو هذا العام، وأنه "واثق تماماً" من أن عملية التصديق ستؤدي إلى نتيجة إيجابية، لكنه لا يستطيع تحديد موعد واضح.
وقد وافقت تركيا على سحب حقها في النقض (الفيتو) بعد محادثات ثلاثية بين حلف شمال الأطلسي والدول المرشحة وأنقرة في قمة مدريد المنعقدة في يونيو (حزيران) الماضي.
إلا أنه لما رفضت السلطات القضائية السويدية طلب أنقرة من السويد تسليم رئيس التحرير السابق لجريدة "Today"s Zaman" إلى السلطات التركية، تباطأت وتيرة المفاوضات بين تركيا وهذين البلدين.
في أعقاب القرار قال وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو لنظيره السويدي توبياس بيلستورم في 22 ديسمبر (كانون الأول)، "الخطوات التي نريدها لم تتخذ بعد. نريد أن نرى خطوات ملموسة"، معلناً أنهم لن يقبلوا عضوية هذا البلد في أي وقت قريب.
إذاً كم من الوقت يمكن أن تستغرق العملية؟
تطالب تركيا بتسليم بعض الأشخاص في السويد وفنلندا الذين تزعم أنهم ينتمون إلى حزب العمال الكردستاني أو مرتبطون بمنظمة غولن.
وأكدت الحكومة السويدية، التي سنت قانوناً جديداً في الأول من يناير (كانون الثاني) من أجل مكافحة أكثر فاعلية للإرهاب، أنها "تقوم بما يلزم من أجل عضوية الناتو". وقد سلمت بالفعل عدداً قليلاً من أعضاء حزب العمال الكردستاني.
ومع ذلك فإن إصرار الرئيس رجب طيب أردوغان على تسليم صحافي محسوب على جماعة غولن هو الذي يصعب الأمر، حيث إن هذا الصحافي الذي صرح أردوغان باسمه علناً، معروف في أوروبا بمناهضته القوية لأي نوع من المنظمات المسلحة.
ومن الجدير بالذكر أن عديداً من دول الاتحاد الأوروبي مثل السويد وفنلندا، تشارك في فعاليات برامج الحوار بالشراكة مع المنتمين لحركة غولن، وليس مع المنظمات الإسلامية أو حتى الجمعيات التابعة لإدارة الشؤون الدينية التابعة للدولة التركية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لذلك فإن أردوغان متأكد تماماً من أن هذه الدول لن تسلم له الصحافيين الذين يطلبهم.
لهذا السبب لم يكن من الغريب ما قاله رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون بأن "تركيا تريد منا أشياء لا يمكننا تقديمها أو لا نريد أن نعطيها".
من ناحية أخرى لا أعتقد أن المحكمة الدستورية السويدية ستغير رأيها في شأن تسليم المطلوبين من طرف تركيا، لأنها ترفض جميع طلبات تسليم الأشخاص الذين قد يتعرضون للتعذيب.
وإذا استمر هذا الوضع فسيسعى حلف شمال الأطلسي إلى إيجاد حل آخر، حيث انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو أمر مهم بالنسبة إلى جميع أعضاء الحلف لأنه سيخلق تكاملاً مشتركاً في شمال أوروبا.
وإذا أصرت تركيا على موقفها، فقد تجد نفسها معزولة وسيبدأ أعضاء الناتو في البحث عن حلول أخرى على المدى الطويل.
نعم هذا هو الخيار الأخير، لكن الحلف يريد أن تعرف أنقرة إمكانية هذا الشق أيضاً.
لا يوجد إجراء في الناتو لإبعاد أية دولة من العضوية.
ومع ذلك أعتقد أن هناك حداً لمدى المتاعب التي يمكن أن تخلقها تركيا للتحالف.
فهل من المتوقع أن يرحب الناتو بهذا المستوى من التقارب مع روسيا ضد الناتو، ثم تطلب ضمانات من الناتو. فليس هذا رؤية استراتيجية، بل هو مجرد قصور في النظر وقراءة الواقع الدولي.
لذلك أعتقد أننا نقترب من النقطة التي يدرك فيها أردوغان أن الاستمرار في المماطلة ستكون أكثر كلفة من إعلان النصر.
جوهر الأمر هو انتهاء الأزمة بين تركيا والولايات المتحدة التي لم يتم حلها في الفترة الماضية.
وقد تسبب شراء تركيا لصواريخ دفاع جوي روسية الصنع من طراز S-400 في استبعادها من برنامج تصنيع الطائرات المقاتلة الأكثر تقدماً في العالم من طراز F-35.
لا بد أن أردوغان أدرك خطأه، وهو الآن في انتظار الموافقة على شراء 40 طائرة مقاتلة من طراز F-16 التي تصنعها شركة لوكهيد مارتن الأميركية، وكذلك 79 مجموعة من برامج تحديث لمقاتلات F-16.
التأكيد الثاني الذي ينتظره أردوغان هو أن يستضيفه جو بايدن في البيت الأبيض.
ولم يتم الرد على طلب الزيارة هذا بعد.
أعتقد أنه في حال تلبية أحد هذين المطلبين، سيرفع أردوغان حق النقض ضد عضوية السويد وفنلندا.