أدت فترة دراماتيكية من ارتفاع التضخم إلى أكبر تشديد للسياسة النقدية منذ عقود.
الجلسة الأولى لليوم الأخير لأعمال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، التي حملت عنوان "ما التالي للسياسة النقدية؟"، ناقشت إن كان يلزم إعادة التفكير الجذري من قبل البنوك المركزية، أم أن الأهداف ومجموعة الأدوات الحالية تكفي؟
حضور الجلسة الذين ناقشوا مستقبل السياسة النقدية أجمعوا على أن البنوك المركزية تضع صدقيتها على المحك في المبالغة بمعرفتهم بالمستقبل، وأعربوا عن خشيتهم من تحول ارتفاع معدلات التضخم لـ"ظاهرة" قد تلازم العالم لسنوات.
شارك في الجلسة كل من لاري سامرز الأستاذ بكلية كيندي للحكومة بجامعة هارفرد، وتوماس جوردان رئيس مجلس إدارة البنك الوطني السويسري، وكجيرستين براثين الرئيس التنفيذي لـ"دي أن بي" أكبر مجموعة للخدمات المالية في النرويج، وجوليو فيلاردي محافظ بنك بيرو المركزي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بدأت الجلسة الصباحية بسؤال توماس جوردان رئيس مجلس إدارة البنك الوطني السويسري، عن الضغوط التي تعرضت لها البنوك المركزية في العالم جراء الارتفاعات الكبيرة في التضخم، التي دفعت هذه البنوك لرفع أسعار الفائدة على امتداد عام 2022، على الرغم من طمأنة البنوك المركزية في شأن الفائدة في عام 2021، وإن كانت البنوك المركزية لم تتجاوب بالسرعة الكافية مع ارتفاعات التضخم، وإن كان الوضع سيكون مختلفاً لو أن تلك البنوك المركزية استجابت بشكل أسرع مع أول مؤشر على ارتفاعات التضخم؟
أجاب جوردان بأن الجميع قلل من شأن ضغوط التضخم في عام 2021. وأعتقد أن تداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية أسهمت في رفع معدلات التضخم في عام 2022، لهذا علينا أن نتوخى الحذر في التوسيع السريع للسياسات النقدية.
مديرة الجلسة جومانا بيرسيتشي من شبكة "سي أن بي سي"، سألت جوردان، إن كانت معدلات التضخم المرتفعة ستصبح ظاهرة ستبقى معنا لسنوات طويلة بعد الحديث لسنوات مضت عن تضخم منخفض، فرد بالقول: "بطبيعة الحال التضخم المنخفض أفضل من المرتفع، بالتالي نناقش دوماً ما الذي يجب علينا فعله للعودة إلى معدلات تضخم ما بين اثنين وثلاثة في المئة، لكننا نواجه اليوم تضخماً مرتفعاً جداً وهو أمر سلبي، ليس فقط على عمل الاقتصاد، ولكن أيضاً يضر بفئات الدخل المنخفض، بالتالي تحقيق البنوك المركزية للاستقرار هو أمر أساسي وحيوي".
وتابع جوردان بـ"رأيي أن البنوك المركزية ملتزمة بتحقيق هذا الاستقرار ولديها خطط واضحة لتحقيق استقرار في معدلات التضخم".
فجوة كبيرة بين الادخار والاستثمار
مديرة الجلسة جومانا بيرسيتش سألت لاري سامرز، عن رأيه في رفع البنك الفيدرالي الأميركي (المركزي الأميركي) للفائدة على امتداد عام 2022، وارتفاعات التضخم في البلاد اليوم، فرد بالقول "في عام 2013 رأيت ادخاراً مستداماً يتجاوز معدلات الاستثمار، وكانت الفائدة منخفضة والنمو الاقتصادي للولايات المتحدة بطيئاً". وتابع "تلك كانت حقبة". أضاف، "لم يحدث شيء يجعلني أغير رأيي في شأن تحديد تلك الحقبة التي تمتد من عام 2013 وحتى اندلاع جائحة كوفيد-19". وتابع "لقد رأيت تلك الفجوة ما بين الادخار والاستثمار التي كانت تقود لمعدل فائدة منخفض وبطيء في النمو الاقتصادي للولايات المتحدة وكانت بنحو أربعة في المئة من الناتج الإجمالي المحلي للبلاد، وكان هذا رقماً دقيقاً للغاية، ومن ثم جاءت جائحة كورونا وشهدنا على امتداد عامين ارتفاع هذه النسبة إلى 14 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. وكانت هناك حوافز مالية بأكثر من النصف مقارنة بتلك التي أقرتها الولايات المتحدة الأميركية في الحرب العالمية الثانية، وكان لدينا حوافز مالية خلال العامين الماضيين، لذلك نحن أبعد ما يكون عن ردم فجوة الركود، لهذا السبب كنت في بداية عام 2021 على ثقة كبيرة بأننا سنواجه مشكلة تضخم في البلاد.
وأضاف قائلاً "أعتقد أن الأمور اليوم أقل وضوحاً مما كانت عليه في الماضي، فمن جانب فإن الديموغرافية الأميركية جزء من أسباب الركود، أيضاً نحن نتحرك بشكل سريع نحو نمو الاقتراض الحكومي بشكل كبير مما يراكم معدلات الدين الحكومي، وهناك أيضاً توجه كبير نحو "اللا- استثمار" يقوده التحول الأخضر والتحرك بمرونة أكبر إلى جانب عوامل تدفعنا نحو ارتفاعات في التضخم.
وختم بالقول، أدعو البنوك المركزية لعمل كل ما يلزم لتحقيق الاستقرار، وأرى أنها تضع صدقيتها على المحك في المبالغة بتوقعات المستقبل.
من جانبها قالت كجيرستين براثين الرئيس التنفيذي لـ"دي أن بي" أكبر مجموعة للخدمات المالية في النرويج "أولاً أنا أقود بنكاً في النرويج، وكما تعلمون كان معدل الفائدة في النرويج صفراً قبل الجائحة، وفي أغسطس (آب) الماضي رفع البنك المركزي النرويجي معدلات الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، إلى 1.75 في المئة، وهو أعلى مستوى منذ مارس (آذار) 2012".
وعاود المركزي رفع الفائدة 50 نقطة أساس في سبتمبر (أيلول) 2022، ثم عاد ورفعها بربع نقطة مئوية في ديسمبر (كانون الأول) 2022 لكبح التضخم، واعترفت براثين بأن الرفع فاجأ الجميع.
من جانبه تحدث جوليو فيلاردي، محافظ بنك بيرو المركزي، عن تداعيات السياسات المالية الأميركية على العالم، وكيف أن البنوك المركزية في العالم كانت تنتظر اجتماعات "المركزي" الأميركي قبل عقد اجتماعاتها، وكيف أن الدول التي ترتبط عملاتها بالدولار الأميركي اضطرت إلى رفع الفائدة في بلدانها بعد الرفع المتتالي لسعر الفائدة الأميركية. وكيف تأثرت دول عديدة بقوة الدولار في عام 2022.