Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يعد الاستثمار الكروي في مصر "مشروعا فاشلا"؟

مطالب بتحسين "المنظومة الكروية" لجذب المستثمرين

ينص القانون المصري على أن تتخذ الشركات التي تنشأ لمزاولة أعمال الخدمات الرياضية بكل أنواعها شكل الشركات المساهمة (أ ف ب)

عاد ملف الاستثمار الرياضي في مصر إلى الواجهة بعدما هدد مالك نادي "بيراميدز"، الإماراتي سالم الشامسي، بسحب استثماراته الرياضية من مصر اعتراضاً على ما سماه "الظلم التحكيمي" خلال مباريات الفريق بالدوري الممتاز، وذلك خلال بيان أصدره في وقت سابق من شهر يناير (كانون الثاني) الحالي، مما قوبل برد رسمي من وزارة الشباب والرياضة يؤكد الحرص على توفير الأجواء المناسبة لجذب الاستثمار، إلا أن عديداً من المعنيين بالملف لا يزالون يؤكدون أن اللعبة الشعبية الأولى في مصر لم تخرج عن طور العمل الأهلي الذي كثيراً ما يتعرض لأزمات مالية، وتنتقل إلى الاحتراف والتعامل مع الأندية كشركات وكيانات اقتصادية.
وبحسب تقرير للمركز المصري للدراسات الاقتصادية فإن المجال الرياضي يساهم بـ2.7 في المئة فقط من إجمالي الاستثمارات في مصر، وتبلغ تلك الاستثمارات 25 في المئة من إجمالي الاستثمار الرياضي في الوطن العربي، بحسب أرقام عام 2016.

قانون الرياضة

ويستند الاستثمار الرياضي وبخاصة في مجال كرة القدم بمصر إلى قانون الرياضة الصادر في عام 2017، الذي أجاز بيع النادي الخاص على اعتبار أنه يتخذ شكل الشركة المساهمة، على غرار ما حدث في نادي الأسيوطي الذي تحول إلى مسمى "الأهرام" ثم "بيراميدز" قبل سنوات. أما الأندية الحكومية فيحظر القانون تحولها إلى شركات مساهمة لا تملك حق الإدارة، وفقاً للمادة 23 من اللائحة الموحدة للأندية. ويعني ذلك أن أي مستثمر في شركة تابعة للنادي ستتوقف نسبته عند 49 في المئة، لأن الجمعية العمومية لأعضاء النادي لا بد أن تملك على الأقل 51 في المئة من النادي.
كما ينص القانون المصري على أن تتخذ الشركات التي تنشأ لمزاولة أعمال الخدمات الرياضية بكل أنواعها شكل الشركات المساهمة، كما يجوز طرح أسهمها في اكتتاب عام وفقاً لأحكام قانون سوق رأس المال، وقيد أسهمها في بورصة الأوراق المالية.

ليست مربحة

ومن أولى تجارب الاستثمار الرياضي وأبرزها نادي وادي دجلة الذي تأسس عام 2002 وصعد للدوري الممتاز لكرة القدم في عام 2010، وظل ينافس في مصافه لمدة 11 عاماً متتالية إلى أن هبط للدرجة الثانية. لكن مؤسس النادي ورئيس مجلس إدارته ماجد سامي، لا يرى أن الاستثمار الكروي في مصر يعد مربحاً في الوقت الحالي. وأضاف لـ "اندبندنت عربية" أنه "حين تتحول هذه الصناعة إلى صناعة مربحة ستتكون شركات خاصة بالكرة تكون قائمة بذاتها ولا تعتمد على الأشخاص".
وقال سامي إن "قانون الرياضة لم ينه الصعوبات أمام الاستثمار الرياضي وبخاصة في مجال كرة القدم، لأنه لم يقدم حلولاً لإصلاح أهم ما يعوق هذه الصناعة في مصر ألا وهو الفقر الشديد في الكوادر الإدارية القادرة على تصحيح مسار هذه الصناعة". وأعرب عن تشككه في إقدام مستثمرين خارجيين على دخول السوق المصرية في ظل غياب "العدالة والشفافية والمساواة بين الأندية في الحقوق والواجبات"، معتبراً أن "إدارة المنظومة الكروية تتأثر أحياناً بالانتماءات الكروية للقائمين عليها، مما يؤدي إلى عزوف المستثمرين عن الاستمرار في ظل غياب المساواة والعدل بين المتنافسين".

الطرح في البورصة

وأكد سامي أن "أي طرح لناد رياضي في مصر حالياً، على غرار النوادي الأوروبية، سيفشل بسبب انعدام الشفافية وعدم وجود قواعد عادلة تنظم العلاقة بين عناصر اللعبة المختلفة".
وفي نهاية أغسطس (آب) من العام الماضي، أعلنت البورصة المصرية فشل اكتتاب شركة "غزل المحلة لكرة القدم" في جذب المستثمرين، بعد تغطية الطرح العام للشركة بنسبة 18 في المئة فقط من المستهدف، على رغم مد فترة الاكتتاب مرتين. وكان إجمالي عدد الأسهم المطروحة 98 مليون سهم بسعر 1.02 للسهم، لكن لم يتم بيع سوى 17.6 مليون سهم منهم. وتملك شركة "غزل المحلة لكرة القدم" حقوق انتفاع إستاد المحلة، وثلاثة ملاعب أخرى والاسم التجاري لمدة 20 عاماً.
واستهدفت شركة "غزل المحلة لكرة القدم"، وهي شركة حكومية تابعة لوزارة قطاع الأعمال العام، جمع 135 مليون جنيه (سبعة ملايين دولار) من خلال بيع 67.5 في المئة من أسهمها في البورصة المصرية. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، جمعت الشركة 37 مليون جنيه (1.9 مليون دولار) عبر شريحة الطرح الخاص للمؤسسات، لكن الاكتتاب العام الذي كانت تأمل أن ترفع الشركة من خلاله قيمتها من 102 مليون جنيه إلى 200 مليون جنيه لم يلق الإقبال المأمول، وفق ما أعلنته البورصة في بيان في أغسطس (آب) 2022.
وزاد التاريخ العريق للنادي من ترقب نتائج الطرح، حيث تأسس نادي غزل المحلة في عام 1936 بعد إنشاء شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى، وظهر نشاط كرة القدم من خلال الخبراء الإنجليز الذين يعملون في الشركة، وسرعان ما انتقل إلى العمال المصريين، حتى إنشاء إستاد غزل المحلة عام 1947، وتم تكوين فريق ليشارك في دوري الشركات، ولاحقاً تحول إلى أحد كبار كرة القدم المصرية، حيث توج ببطولة الدوري الممتاز موسم 1972-1973 ووصل إلى نهائي دوري أبطال أفريقيا في العام التالي.
وكان غزل المحلة أول نادي ينشئ شركة خاصة لكرة القدم، في يناير (كانون الثاني) 2021، وأول ناد يطرح أسهماً لشركته بالبورصة المصرية، وكان مراقبون كثر يعولون على نجاحه في جذب أندية أخرى للطرح في سوق المال، ومن ثم زيادة عدد المستثمرين في ظل الشعبية الجارفة للعبة كرة القدم، وبالفعل تحدثت تقارير صحافية محلية قبل أشهر عن اتجاه بعض الأندية إلى توفيق أوضاعها المالية والإجرائية تمهيداً للطرح في البورصة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


أسباب الفشل

وأرجع وزير قطاع الأعمال المصري السابق هشام توفيق فشل الاكتتاب إلى وضع البورصة المصرية حالياً، مضيفاً في تصريحات تلفزيونية عقب فشل الاكتتاب الأول في يونيو (حزيران) 2022، وكان خلالها ما زال يتولى الحقيبة الوزارية، أن الطرح الخاص في نهاية العام الماضي نجح في جذب مستثمرين عرب وآخرين محليين ساهموا بما مجموعه 37 مليون جنيه، مشيراً إلى أن وزارة قطاع الأعمال (التي تشرف على شركة غزل المحلة وناديه) كانت ترغب في ترك جزء كبير من الأسهم لجماهير الكرة المصرية من خلال الطرح العام، باعتباره نادياً جماهيرياً، مؤكداً أن الأمر كان يتطلب على الأقل ألف مساهم لكي تتم إجراءات قيد الأسهم في البورصة ويبدأ التداول عليها، وكان يتخيل أن الأمر سيكون سهلاً، ولكن هذا لم يحدث.
كذلك قال رئيس مجلس إدارة "هوريزون" لتداول الأوراق المالية عمرو حمادة، إن عوامل عدة أسهمت في إفشال طرح شركة "غزل المحلة لكرة القدم"، أبرزها توقيت الطرح بالبورصة المصرية، حيث تعاني السوق مشكلات في السيولة، ورغبة المستثمرين في مجالات مضمونة الأرباح على عكس الحال في مجال كرة القدم. وأوضح حمادة في تصريحات صحافية أن "الأندية تحقق أرباحاً عبر علامة تجارية يتم من خلالها بيع قمصان اللاعبين أو الإعلانات أو سوق انتقالات اللاعبين، وهي عوامل غير متوافرة في نادي غزل المحلة"، مؤكداً "حاجة السوق إلى طروحات أكثر جذباً بخاصة أن الاستثمار الرياضي ليس مغرياً للمتعاملين في البورصة المصرية".
وكان "غزل المحلة" ثالث أقل فريق من ناحية القيمة السوقية، بين أندية الدوري المصري الممتاز في الموسم الماضي (2021-2022)، بقيمة 75 مليون جنيه، وجمع في ذلك الموسم 36 نقطة حصد بها المركز الـ15 ليتمكن من تجنب الهبوط لدوري القسم الثاني، بفارق الأهداف والمواجهات المباشرة عن فريق "الجونة" الذي تلاه في الترتيب مغادراً الدوري الممتاز في الموسم المقبل.

أزمة الاستثمار

ويرى محمد فرج عامر رئيس نادي سموحة أن "الوضع الحالي في مصر غير مهيأ للقيام باستثمارات رياضية"، موضحاً لـ"اندبندنت عربية" أنه "من اللازم اتخاذ إجراءات كثيرة لتشجيع ذلك الاستثمار على رأسها الارتقاء بعناصر لعبة كرة القدم مثل انضباط التحكيم وثبات مواعيد المباريات وإنفاق الرعاة مزيداً من الأموال، كما طالب بحصول رابطة الأندية على الصلاحيات كافة، وتوزيع قيمة البث الفضائي لمباريات الدوري العام على الأندية وفق مراكزها، بحيث يتحول الدوري إلى دوري محترفين له جماهيرية كبيرة، إضافة إلى إتاحة الفرصة للأندية للاشتراك في مزيد من البطولات مثل البطولة العربية".
وكان عامر، وهو أحد أقطاب الصناعة في مصر، قد ساهم بشكل كبير في صياغة قانون الرياضة الصادر عام 2017، عبر عضويته في مجلس النواب، أكد أن الإطار التشريعي كاف في ذلك المجال ولا يحتاج إلى مزيد من التعديلات. كما لفت إلى "وجود استثمارات رياضية بشكل عام في النوادي ولكن المطلوب استثمار متخصص في مجال كرة القدم تحديداً".
وكان النادي الأهلي أعلن العام الماضي إنشاء شركته لكرة القدم، بعدما ظلت الدعوة إلى إنشائها محل نقاش في إدارات النادي المتعاقبة على مدار نحو 20 عاماً، لكن النادي لم يعلن حتى الآن توجهه لطرح أسهم شركته في البورصة. وتبع ذلك إعلان مجلس إدارة نادي الزمالك موافقته على إنشاء شركة لكرة القدم.

جذب الاستثمارات والأرباح

وقال تقرير للبنك الدولي الشهر الماضي إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحتاج إلى تحويل أندية كرة القدم إلى شركات رياضية جيدة الإدارة تجذب الاستثمارات والأرباح، وتحول صناعة كرة القدم إلى الاحتراف والتنافس، بهدف خلق مزيد من الفرص لعدد كبير من الشباب في المنطقة للمساهمة في تنمية بلدانهم.
واقترح التقرير اتباع استراتيجية من ثلاث خطوات، أولها توفير مزيد من التمويل لأندية كرة القدم إما عبر التسجيل في البورصة مما يشجع الشفافية وإشراك القطاع الخاص المحلي والمشجعين، أو فتح باب المساهمة في أسهم رأس المال أمام الشركاء باستخدام الآليات المؤسسية الموجهة في العادة للاستثمار الأجنبي المباشر في منشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة. أما الخطوة الثانية فهي زيادة إيرادات النادي من خلال زيادة تحصيل مبيعات التذاكر وحقوق البث التلفزيوني وتقاسمها، وآخر الخطوات هي تحسين حوكمة الدوري والاتحادات والروابط لتعزيز المنافسة وتحقيق التنمية والتطوير لقطاع كرة القدم، مع وضع قواعد لتعزيز الشفافية المالية والاستدامة للأندية وتحديد سبل لمراقبة إنفاق الأندية.

اقرأ المزيد

المزيد من رياضة