على رغم شروع القوى المدنية السودانية الموقعة على الاتفاق الإطاري مع المكون العسكري في الخامس من ديسمبر (كانون الأول)، القاضي بتأسيس سلطة مدنية خلال الفترة الانتقالية الحالية، في خطوات توسيع المشاركة في هذا الاتفاق وعقد ورش عمل حول القضايا الخمس التي أوصى الاتفاق الإطاري بمزيد من النقاش حولها مع أصحاب المصلحة، لكن وضح جلياً أن هناك تعقيدات تواجه مساعي الوصول إلى اتفاق سياسي نهائي تلتف حوله القوى السياسية الداعمة للتحول الديمقراطي في البلاد.
فما المخرج الذي يراه المراقبون السياسيون لإكمال العملية السياسية في السودان في ظل حال الشد والجذب بين القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري والأخرى غير الموقعة عليه؟
إعادة صياغة
وفي هذا السياق قال الكاتب السوداني عثمان ميرغني "الاتجاه الذي تسير به الأطراف السودانية لحل أزمتها التي تفجرت بعد توقيع الاتفاق الإطاري هو إطلاق إعلان سياسي جديد قابل للنظر لأي مسمى آخر، مما يعني إعادة صياغة لإعلان يتجاوز الاتفاق الإطاري، فتحالف قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) يريد أن يكون الإعلان السياسي الجديد بمثابة ملحق إضافي للاتفاق الإطاري، بينما ترغب الكتلة الديمقراطية التي تضم عدداً من الحركات المسلحة والمكونات السياسية في أن يكون هذا الإعلان بديلاً عن الاتفاق، لكن المهم أنه حدث تفاهم وتوافق حول البنود والفكرة والمبدأ ويبقى إخراج هذا الاتفاق على أرض الواقع".
أضاف ميرغني "في تقديري أن نقطة الخلاف حول المسمى ليست بالمسألة الجوهرية ما دام الطرفان تخطيا عقبة النصوص، والوضع طبيعي بشأن قوى الحرية والتغيير التي تسعى إلى تكملة العملية السياسية التي بدأتها مع المكون العسكري بتوقيعهما اتفاقاً إطارياً، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الكتلة الديمقراطية التي تكون قد حفظت ماء وجهها". وتابع "لا أعتقد أن الاتفاق الجديد يعني الإغراق، لأنه لم يقم على تقاسم السلطة في مرحلة تشكيل الحكومة المقبلة، فالطرفان تراجعا عن مبدأ عدم المشاركة الحزبية أي بالابتعاد عن المحاصصة بألا يكون هناك توزيع مقاعد في السلطة الانتقالية للأحزاب، لكن تم الاتفاق بأن تضم الحكومة الجديدة سياسيين من دون ذكر محاصصة أو تمثيل بعينه للقوى السياسية".
وحول رؤية الشارع السوداني في ما يدور ومتطلباته، أجاب الكاتب السوداني أن "الشارع يعيش في حال تململ من الوضع الاقتصادي المتردي والانفلات الأمني، بالتالي فإن أي مساع جادة تقوم بها الحكومة المقبلة تؤدي لانفراج هذه الأوضاع بالتأكيد ستجد القبول والرضا، فهذا هو المحك والاختبار الحقيقي".
تعقيدات وتراجع
في السياق نفسه قال الكاتب والمحلل السياسي الجميل الفاضل "في اعتقادي أن العملية السياسية في البلاد دخلت مرحلة الوحل في المستنقعات، فالقضايا الخمس التي رأى الاتفاق الإطاري طرحها للنقاش الواسع مع أصحاب المصلحة من خلال ورش عمل، وهي تفكيك نظام الـ 30 من يونيو (حزيران) 1989، واتفاق سلام جوبا، والإصلاح الأمني والعسكري، والعدالة الانتقالية، وقضية شرق السودان، هي قضايا ذات حساسية عالية وسط المجتمع لكونها تتصل بأطراف متعددة ما عدا ملف التفكيك الذي ليس محل خلاف، لذلك بدأت به ورش العمل كفتح شهية باعتباره الملف الأكثر شعبية".
وتابع الفاضل "لكن بمجرد ما جاء الحديث عن بقية القضايا الأربع الأخرى، تراجع التقدم في العملية السياسية لأنها قضايا وملفات تمس بعض الأطراف وهو التحدي الأكبر أمام نجاح أو فشل هذه العملية، إذ ظهرت جهود الإغراق من ناحية كل طرف في محاولة منه لإدخال مزيد من الأطراف، كما برز أيضاً اتجاه لتأجيل النقاش حول هذه القضايا الأربع لما بعد تشكيل الحكومة المقبلة. فالاتفاق الإطاري أصبح يعاني زلزالاً شديداً، فقد أعلن أن رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان يسعى إلى تقريب وجهات النظر بين قوى الحرية والتغيير والكتلة الديمقراطية حول الاتفاق من دون معرفة الدافع من هذه الجهود، فهل لضم وجوه أخرى أم لإقناع حركتي العدل والمساواة، وحركة تحرير السودان ممثلة في رئيسيهما جبريل إبراهيم وأركو مني مناوي للمشاركة في هذا الاتفاق".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وواصل الكاتب والمحلل السياسي "ما يحدث الآن ينبئ بتعقيدات تواجه العملية السياسية، ومن الصعب أن تتحقق التقديرات الخاصة بتشكيل الحكومة الجديدة وفق الجدول الزمني المقرر له في مارس (آذار)، فمثلاً نجد الآلية الرباعية التي تضم الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والسعودية، والإمارات، كأنها استسلمت لفكرة فتح الاتفاق الإطاري لاستيعاب مزيد من القوى السياسية غير الموقعة عليه، فهناك كمية من المعلومات المتضاربة يتم تداولها بكثافة في مواقع التواصل الاجتماعي قصد بها التشويش وإرباك المشهد السياسي، وهو المخطط الذي تتبناه حركة الإخوان في السودان بوضع العراقيل أمام أي اتفاق منذ الإطاحة بنظام حكمهم في 11 أبريل (نيسان) 2019". وقال الفاضل أيضاً "ما نلاحظه أن الشارع الثوري يتجاهل، لحد كبير، ما يجري من عملية سياسية، ويحتفظ في الوقت نفسه بشعار اللاءات الثلاث (لا شراكة، ولا تفاوض، ولا شرعية مع العسكر)، وفي رأيي أن الشارع الذي تقوده لجان المقاومة هو الورقة الرابحة حتى الآن، وقد يجد تحالف قوى الحرية والتغيير نفسه مضطراً إلى تبني رؤية الشارع الثوري من جديد لمنازلة من يحاولون شق صفه من خلال حال الاستقطاب الحادة التي يتبعها هذه الأيام العسكر والإسلاميون".
ضغوط ومرونة
وكان القيادي في قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) شهاب الدين إبراهيم أشار إلى أنه على رغم الضغوط التي تمارس على تحالف قوى الحرية والتغيير من قبل أطراف عديدة في الساحة السياسية، إلا أنها تتعامل بمرونة في تعاطيها مع العملية السياسية حتى تستطيع من خلالها استيعاب المتغيرات التي تحدث في معسكر انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول)، مؤكداً قدرة هذا التحالف على التعامل مع تعقيدات الأزمة السودانية من دون أن تكون لديه إمكانية تقديم أي تنازلات في مواقفه المعلنة.
وقال إبراهيم لوسائل إعلام محلية "كما هو معلوم أن هناك أطرافاً عديدة لم توقع على الاتفاق الإطاري، وتواصلنا معها ليس متوقفاً على حركتي العدل والمساواة برئاسة جبريل إبراهيم، وحركة تحرير السودان بقيادة أركو مني مناوي، بل على العكس، هناك أطراف أهم منهما وهي قوى الثورة الحية كالحزب الشيوعي والبعث العربي الأصل ولجان المقاومة وقوى مدنية أخرى، ومؤكد أننا سنتواصل مع الجميع لإلحاقهم بالاتفاق"، وأضاف القيادي في قوى الحرية والتغيير "بعد إعلان الاتفاق السياسي النهائي تستطيع الحكومة التنفيذية الجديدة استكمال نقاشاتها مع حركتي جبريل ومناوي حول القضايا الخاصة بعمليتي الحرب والسلام، نحن حالياً في حال دفع سياسي ومطالبون بالتواصل مع بقية قوى الثورة، وهذا تصور خاطئ أن نرهن حل الأزمة بموافقة حركتين فقط".
خطوة منقوصة
في الأثناء أوضح رئيس الحزب الوطني الاتحادي والقيادي في كتلة الحرية والتغيير - القوى الوطنية يوسف محمد زين أن السودان يمر بأزمة سياسية عميقة منذ فترة في ظل أزمة الثقة بين الفرقاء السودانيين. وأكد زين لإحدى وسائل الإعلام أن الاتفاق الإطارى يعد خطوة على الطريق الصحيح، ولكن منقوصة، مطالباً بإشراك الجميع بالعملية السياسية وتعديل الاتفاق الإطاري ليتماشى مع رؤى مختلف الكيانات السياسية ويحقق مطالب الثورة والعدالة والحرية ويقيم دولة ديمقراطية، بخاصة أن معظم القوى السياسية خارج المشهد الراهن، معلناً أيضاً ترحيبه بدعوة القاهرة للحوار السوداني، التي وصفها بالفرصة لبناء الثقة بين السودانيين.