قال وزير الاقتصاد والتخطيط التونسي سمير سعيد إن وفداً تونسياً رسمياً برئاسة رئيسة الحكومة نجلاء بودن اجتمع مع المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستينا غورغيفا على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي "دافوس"، مضيفاً أن "الاجتماع كان جيداً، وتضمن إشارات إيجابية تجاه الملف التونسي".
وأشار الوزير التونسي، في تصريحات خاصة لـ"اندبندنت عربية"، إلى أن "الملف يحظى بمساندة الصندوق الدولي، مستدركاً "لكن يجب أن تؤتي الإصلاحات التي تجريها الحكومة التونسية ثمارها حتى تقدم رسائل طمأنة للممولين الدوليين لتمويل الإصلاحات والبرامج التي تعتزم تونس تنفيذها على مدار ثلاث سنوات".
وتوقع أن تتوصل حكومته إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي قريباً، نافياً ما تم تداوله أخيراً من تأزم المفاوضات حول ملف الدعم، وقال "أكدنا في أكثر من مرة أنه ليس هناك أية نية لرفع الدعم، بل على العكس سيتم تعزيز ملف الدعم بقوة حتى يصل إلى مستحقيه".
سياسة فاشلة
وأوضح وزير الاقتصاد والتخطيط التونسي أن "الدعم بتلك الصورة أصبح وسيلة للتفريق بين الشعب التونسي وتحويله إلى طبقات تتفاوت في الانتفاع بالدعم الحكومي"، مشيراً إلى أن "20 في المئة من الأغنياء في تونس يحصلون على 32 في المئة من قيمة الدعم، وفي المقابل فإن 20 في المئة فحسب من التونسيين الأقل دخلاً لا تتخطى نسبة استفادتهم من الدعم الحكومي 12 في المئة، وهكذا أصبح من الواضح أن سياسة تنفيذ الدعم في الوقت الحالي فاشلة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع سعيد أن "تونس من البلدان القليلة في العالم التي لم تراجع منظومة الدعم، بل تأخرت كثيراً في إصلاح هذا الملف ذي الكلفة المالية الكبيرة"، مشيراً إلى أن "ملف الدعم بتلك الكيفية تسبب في إهدار كبير للمال العام، وتلك التشوهات شجعت على تهريب المواد المدعمة إلى البلدان المجاورة، مما ألقى بتداعياته السلبية على الاقتصاد التونسي".
وقال وزير الاقتصاد إن "الحكومة بصدد وضع سياسة متكاملة للإصلاح تسهم في توجيه الدعم إلى مستحقيه"، مشيراً إلى أن "إعداد السياسة الجديدة سيتم بالتشاور مع جميع الأطراف الفاعلة في هذا الملف، إضافة إلى تنفيذ إصلاحات هيكلية لإنقاذ الاقتصاد التونسي من حال الركود واستعادة التوازنات المالية إلى جانب الإسراع بتنفيذ الاستراتيجية الوطنية لتحسين مناخ الأعمال".
185 إجراء
وقال سعيد إن "الاستراتيجية الوطنية لتحسين مناخ الأعمال تنفذ بالتشاور بين القطاعين العام والخاص منذ ديسمبر (كانون الأول)، وأسفرت تلك المشاورات عن تحديد المعوقات التي تحول بين توسيع الاستثمارات المحلية وجذب المستثمرين الأجانب والأزمات التي تواجه المستثمرين بشكل عام في تونس"، مشيراً إلى أن "جميع الهياكل الممثلة للمهنيين شاركت في الحوار لتقديم ملاحظاتها ومطالبها واقتراحاتها بحكم مسايرتها للعوائق، وانبثق عن تلك المناقشات مجموعة من المقترحات والإجراءات وصلت إلى 185 مقترحاً وإجراء وافق عليها مجلس الوزراء في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، ووضعت الحكومة خطة لتنفيذها بدأت في العام الماضي على أن تمتد حتى عام 2024".
وأكد على أنه "رُفض 50 مقترحاً من الوزارات المعنية، ما يعادل 20 في المئة من إجمالي المقترحات من القطاع الخاص"، منوهاً إلى أن "تونس تعول على قطاع الاستثمار الخاص باعتباره قاطرة النمو، سواء تعلق بالشركات الكبرى أو الصغرى والمتوسطة".
وحول آلية تنفيذ الإجراءات، قال الوزير التونسي "سيستعان بالتجارب خارج تونس واختيار أفضل النماذج، واستشارة مؤسسات دولية مثل البنك الدولي"، مشيراً إلى أن "الوضع الاقتصادي التونسي يتطلب إصلاحات سريعة يجب تنفيذها في أسرع وقت ممكن، نظراً إلى الواقع الاقتصادي الصعب الذي يتطلب إصلاحات عميقة لخلق مناخ عمل جذاب لأي مستثمر".
مأزق التصنيف
يشار إلى أن تونس تسعى إلى تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي متعدد المحاور، يتضمن استراتيجية وطنية لتحسين مناخ الأعمال بعد أن فقدت مراتب في تصنيفها الدولي كوجهة استثمارية، إذ تراجعت من المرتبة الـ46 عالمياً في تقرير "doing busines" عام 2012 إلى المرتبة الـ78 عام 2020، ويمثل الاستثمار نحو 16 في المئة من الناتج القومي الإجمالي.
وتتضمن الاستراتيجية الوطنية التونسية نقاطاً مهمة عدة، أبرزها التأسيس لإطار عمل متماسك تنظيمي وقانوني وإداري شامل ومستدام، إضافة إلى تبسيط الإجراءات الإدارية علاوة على رقمنة العمليات والخدمات العمومية، وإنشاء خريطة رقمية للأراضي المتاحة للاستثمار، وكذلك توحيد التراتيب من قبل الهياكل المختلفة، وتصميم برنامج دعم إلى ما بعد الإنشاء للمستثمرين الجدد، ومراجعة الإطار التنظيمي للشركات الناشئة "Startup"، إلى جانب السماح للبنوك المحلية بتمويل الاستثمارات بالعملة الأجنبية، وفتح حسابات بنكية بالعملات للأشخاص، وإنشاء خريطة رقمية للأراضي المتاحة للاستثمار، وتحديث وحوكمة الموانئ البحرية التجارية، ورقمنة عملية الحصول على التراخيص، وإنشاء إطار تنظيمي للشراكات بين القطاعين العام والخاص.
اتجاه معاكس
نائب رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (هيئة نقابية مستقلة) هشام اللومي، وصف استراتيجية تحسين مناخ الأعمال بـ"الإيجابية جداً"، قائلاً إن "مبادئها تقوم على تحفيز الصادرات والاستثمار"، واستدرك "لكن في المقابل يجب توحيد الخطاب الرسمي الحكومي"، واصفاً إياه بـ"الخطاب المزدوج".
وأشار اللومي إلى أن "قانون المالية لسنة 2023 (الموازنة) تضمن قرارات ضد مصالح المستثمرين وتعيق توسع الاستثمارات"، قائلاً إن "قرارات وزارتي المالية والتجارة تسير في الاتجاه المعاكس ضد الاستثمار والتصدير، بل وترسل إشارات سلبية للمستثمرين ولا تشجع على الاستثمار".
وأوضح أن "أبرز تلك الإجرءات السلبية على سبيل المثال الإجراءات المستحدثة في موازنة عام 2023 المتعلقة بالضرائب، إلى جانب التأخر في إصدار مجلة الصرف الجديدة (قانون الصرف) على رغم الوعود المقدمة من قبل محافظ البنك المركزي التونسي بإصدار القانون في أغسطس (آب) 2022".
من جانبه، دعا رئيس كونفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية "كونكت" (هيئة نقابية مستقلة) طارق الشريف، إلى ضرورة التسريع في تنفيذ الإصلاحات التي شاركت في صياغتها المنظمات، مشيراً إلى خطورة التأخير الذي تسبب في تراجع ترتيب تونس في السنوات العشر الأخيرة وما ترتب عنه من إهدار فرص الاستثمار وفتح أسواق واعدة.
بادرة ممتازة
ووصف الشريف تلك الإصلاحات بـ"البادرة الممتازة"، مضيفاً أن "نجاحها يتعلق بسرعة التنفيذ، خصوصاً في ظل تباطؤ معدل النمو التونسي حالياً"، ومؤكداً أن "معدل النمو الذي تستهدفه الحكومة للسنوات الثلاث المقبلة لا يزيد على الـ2.1 في المئة التي حددتها الحكومة، وهي نسبة ضئيلة للغاية".
وتابع الشريف أن "نقطة النمو الواحدة توفر 15 ألف موطن شغل فقط، في ظل معدل بطالة متنام، وتلك النسب الضئيلة تحتم على الحكومة تشجيع الاستثمارات"، مشيراً إلى أن "هناك ملفات ضرورية وتنتظر التسوية منذ أكثر من عقد، أهمها ملف النقل البحري والمعوقات التي تكبل العمل في ميناء رادس بالعاصمة تونس، الذي يتسبب في ضرب تنافسية الصادرات التونسية، إضافة الى تفاقم الضرائب".
وأضاف أن "توقيع اتفاقية السماء المفتوحة (open sky) أصبح أمراً حيوياً لتونس من شأنه أن يوفر فرصاً وأسواقاً سياحية واستثمارية"، منوهاً إلى أن "غلق المطارات في وجه السفرات غير المنتظمة أضاع على القطاع السياحي فرصاً ضخمة باستغلال نتائج الحرب الأوكرانية وأزمة الطاقة والغاز في أوروبا"، وأرجع ذلك إلى ارتفاع أسعار النقل الجوي الذي أفقد السياحة التونسية نسبة كبيرة من تنافسيتها مقارنة مع الأسواق السياحية المنافسة، وعلى رأسها المغربية والمالطية.