انتقدت أطراف ليبية معارضة لحكومة عبدالحميد الدبيبة الاتفاق الذي منحت بموجبه استثمارات ضخمة للحكومة الإيطالية في قطاع الطاقة بقيمة تقدر بثمانية مليارات دولار. ورأت فيه تنازلاً جديداً منها للحصول على الدعم الدولي لاستمرارها في السلطة.
في المقابل، هللت حكومة الوحدة في طرابلس لهذا الاتفاق، واعتبرته واحداً من أبرز العقود الاقتصادية التي وقعتها ليبيا في العقدين الماضيين، ورفضت كل الاعتراضات القانونية على حقها في توقيع اتفاقات طويلة الأجل، باعتبارها حكومة موقتة لها مهام محددة بحسب الاتفاق السياسي الليبي في جنيف عام 2020.
وخطف الاتفاق النفطي بين الحكومتين الليبية والإيطالية الأضواء من اتفاق مبدئي مواز وقعه الطرفان في طرابلس، يحدد معالم الخطط المشتركة بينهما لمكافحة الهجرة غير الشرعية، الظاهرة التي فاقمتها الأزمة الليبية، وعانتها روما والقارة الأوروبية برمتها طيلة العقد الماضي.
زيادة ضخ الغاز
ومنح الاتفاق الذي وقع في العاصمة الليبية طرابلس حقوقاً حصرية لشركة الطاقة الإيطالية "إيني" من المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا لإنتاج الغاز بقيمة ثمانية مليارات دولار، ينفذ بموجبه رسمياً مشروع Structures A&E، وهو مشروع استراتيجي يهدف إلى زيادة إنتاج الغاز، لتزويد السوق المحلية الليبية وضمان التصدير إلى أوروبا.
ووقع الاتفاق بحضور رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني ورئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبدالحميد الدبيبة، ويعد هذا أول مشروع رئيس في ليبيا منذ أوائل 2000، ويمنح الإذن للشركة الإيطالية لتطوير حقلين للغاز، ومن المتوقع أن يبدأ الإنتاج المشترك في عام 2026، وسيصل إنتاجه إلى 750 مليون قدم مكعب من الغاز يومياً.
استثمار حيوي
وقال رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط الليبية فرحات بن قدارة، خلال مؤتمر صحافي عقب توقيع الاتفاق، السبت 28 يناير (كانون الثاني)، إنها "تتضمن استثمارات مشتركة بقيمة ثمانية مليارات دولار على مدار ثلاث سنوات، وهذا الاستثمار لم يشهده قطاع النفط في ليبيا لأكثر من ربع قرن". وأكد بن قدارة أن "الاتفاق الذي تم توقيعه مع شركة (إيني) تشكل عودة الحياة لقطاع النفط والغاز في ليبيا، لأن حقول الغاز التي سيتم تطويرها تقترب احتياطاتها من ستة تريليونات قدم مكعب، وبنود الاتفاق كانت منصفة للطرفين وهي في مصلحة ليبيا وشريكتها الاستراتيجية (إيني)". وأوضح أن "المؤسسة الوطنية للنفط تستغل بشكل مثالي تنمية وتطوير الاحتياطات النفطية وإدارتها لتحقيق أفضل العوائد، كما حافظت على العلاقات الاستراتيجية مع شركائها الدوليين بالمساهمة في تأمين مصادر الطاقة لدول الاتحاد الأوروبي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تأمين حاجات روما
وقال الرئيس التنفيذي لشركة "إيني" الإيطالية كلاوديو ديسكالزي "اتفاقنا مع ليبيا سيغطي ثلث حاجات التصدير الخاص لإيطاليا"، وبين الأهمية الاستراتيجية للمشروع بالنسبة لروما وطرابلس "وقعنا أهم اتفاق في السنوات الـ20 الأخيرة بين البلدين، وهو يتعلق باكتشافات تمت منذ زمن بعيد، وسيفتح الباب أمام استثمارات أخرى في ليبيا، لمضاعفة إنتاج الطاقة وتشمل منح فرص مهنية مهمة للشركات الإيطالية". ورأى أن "هذا المشروع سيسهم في تطوير الموارد الليبية بزيادة استخراج الغاز وتحسين قطاع الكهرباء في البلاد مع وضع فائض للتصدير".
اعتراضات على المشروع
ولم يسلم اتفاق الطاقة الليبي - الإيطالي الجديد من مناكفات الأطراف الليبية، خصوصاً مع احتدام الانقسام السياسي والمؤسساتي منذ تشكيل البرلمان للحكومة الجديدة برئاسة فتحي باشاغا التي تتخذ من مدينة بنغازي مقراً موقتاً لها. وهاجمت شخصيات ليبية سياسية كثيرة هذا الاتفاق، واعتبره بعضهم غير قانوني لأنه يتعارض مع الصلاحيات الممنوحة لحكومة الدبيبة بموجب الاتفاق السياسي الذي شكلت بناءً عليه، والذي منحها صلاحيات محددة لفترة انتقالية قصيرة.
وإذا كان مفهوماً الهجوم على الاتفاق الموقع بين حكومة الوحدة ونظيرتها الإيطالية من أطراف مناوئة لها، فإن الغريب أن ينتقدها أيضاً وزير النفط والغاز بالحكومة محمد عون الذي رأى أنه "لا يجوز لمؤسسة النفط التفاوض مباشرة مع شركة (إيني) الإيطالية". أضاف عون أن "فرحات بن قدارة رئيس المؤسسة الوطنية للنفط قدم مقترحاً للتفاوض مع (إيني) إلى مجلس الطاقة الذي قدمه لمجلس الوزراء بصورة غامضة". وانتقد وزير النفط الحصة التي حصلت عليها "إيني" بموجب هذا الاتفاق البالغة 38 في المئة من الأرباح. واعتبر أن "القائمين على مؤسسة النفط يطوعون القوانين بحسب مزاجهم ومصالحهم، لأن حصة (إيني) في كل المشروعات المشتركة مع ليبيا لا تتجاوز 30 في المئة، ولا يمكن منحها أعلى من هذا الرقم، ويتضمن أيضاً استرداد المصاريف والربح". واتهم عون شركة "إيني" بأن "لديها قطع استكشاف منذ السبعينيات وماطلت في استغلالها للحصول على مزيد من الأرباح".
واعتبر عضو مجلس النواب الصادق الكحيلي أن "الاتفاق الجديد الموقع مع إيطاليا تنازل جديد من حكومة عبدالحميد الدبيبة على ثروات ليبيا، مقابل البقاء في السلطة". وقال الكحيلي إن "ما يؤكد الشبهات بخصوص هذا الاتفاق هو انتقاد وزير النفط بحكومة الوحدة الوطنية الموقتة محمد عون لها".
دفاع عن المشروع
من جانبه، قال رئيس المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة إن "الاتفاق الموقع مع شركة (إيني) الإيطالية قانوني، ومن يرى أن عملنا غير قانوني فعليه اللجوء إلى القضاء". ورد على انتقادات وزير النفط بحكومة الدبيبة على المشروع قائلاً، "يجب توجيه السؤال لوزير النفط عن سبب رفضه هذا الاتفاق، وليس لنا في المؤسسة".
أما رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة فرأى أن "اتفاق الغاز الموقع بين المؤسسة الوطنية للنفط وشركة (إيني) الإيطالية يصب في صالح ليبيا بنسبة 100 في المئة". وأوضح أن ما قامت به حكومته ليس توقيع اتفاق جديد، بل تفعيل لمشروع قديم عطل لسنوات طويلة "هذا اتفاق موقع منذ عام 2008، واستكملنا إجراءاته، وعدلنا شروطه لصالح ليبيا، إذ خفضنا نسبة الاسترداد (استفادة الجانب الإيطالي) من 40 في المئة إلى 38 في المئة".
اتفاق لصد المهاجرين
وعلى هامش الزيارة التي قام بها الوفد الحكومي الإيطالي إلى طرابلس، وقعت وزيرة الخارجية بحكومة الوحدة نجلاء المنقوش مذكرة تفاهم مع نظيرها الإيطالي أنطونيو تاياني تخص تعزيز أمن الحدود ومكافحة الهجرة غير الشرعية، بحسب بيان لحكومة الدبيبة. وقالت وزارة الخارجية الليبية، "عقب المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقد في طرابلس لرئيس الوزراء عبدالحميد الدبيبة ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، تم التوقيع على مذكرة التفاهم بين البلدين في مجال تعزيز أمن الحدود ومكافحة الهجرة غير الشرعية".
ولم تكشف حكومة الوحدة عن تفاصيل الاتفاق، بينما ذكرت منصة "حكومتنا" التابعة لها، أن "الدبيبة عقد مباحثات ثنائية مع ميلوني وأطلعها على الإجراءات المتخذة لمنع المهاجرين غير الشرعيين"، في حين كشف وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني عن توقيع مذكرة تفاهم بين حكومة بلاده والحكومة الليبية لتسليم خمسة زوارق دورية ممولة من الاتحاد الأوروبي. أضاف تاياني في تغريدة على "تويتر" "نعزز اليوم التعاون مع ليبيا، ونسعى إلى مواجهة تدفقات الهجرة غير النظامية".وفي كلمتها بالمؤتمر الصحافي المشترك مع رئيس حكومة الوحدة الليبية، قالت رئيسة الوزراء الإيطالية، "على رغم الجهود الليبية ما زالت أرقام الدخول غير الشرعي إلى إيطاليا من ليبيا مرتفعة، وزادت بنسبة 50 في المئة، ونحن ملتزمون مساندتها لتقليص هذه التدفقات".