أخرج رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل إلى العلن خلافه مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون، وما كان يقال همساً وتحليلاً بات واقعاً وعلنياً. ففي مؤتمر صحافي الأحد الماضي، اتهم باسيل قائد الجيش عون بأنه "يخالف قوانين الدفاع والمحاسبة العمومية، ويأخذ بالقوة صلاحيات وزير الدفاع، ويتصرف على هواه بالملايين بصندوق للأموال الخاصة وبممتلكات الجيش". هو الهجوم الأول بهذا الوضوح وبصيغة مباشرة وضع خلالها رئيس التيار، الجنرال المعين في عهد عمه الرئيس ميشال عون، في خانة الفساد. اللافت أن هجوم باسيل أتى بعد أيام قليلة على كلام نسب إلى وزير الدفاع موريس سليم، والمحسوب على باسيل أيضاً، استعداده طرح إقالة قائد الجيش على مجلس الوزراء، موقف سرعان ما تراجع عنه سليم في إثر تسجيل البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي اعتراضه على هذا الكلام. في مؤتمره الصحافي صوب باسيل أسلحته الهجومية أيضاً باتجاه رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، مرشح حزب الله الجدي لرئاسة الجمهورية، وهو هجوم يتكرر في كل إطلالة إعلامية منذ انطلاق مسار الانتخابات الرئاسية، لكن المستغرب هذه المرة كان استهدافه قائد الجيش بهذه الطريقة وفي هذا التوقيت، فهل للسباق إلى قصر بعبدا أي علاقة؟
بين باسيل وقائد الجيش كيمياء مفقودة
لم تكن العلاقة بين جبران باسيل وقائد الجيش العماد جوزيف عون يوماً مستقرة، خصوصاً عندما رفض قائد الجيش في بدايات العهد تدخل باسيل في تعيينات ومناقلات الضباط المسيحيين، وانسحب التوتر في العلاقة بين الرجلين على علاقة قائد الجيش بوزراء الدفاع، المحسوبين على التيار، والذين تعاقبوا في عهد الرئيس ميشال عون، من يعقوب الصراف إلى إلياس بو صعب إلى موريس سليم. ولم يخف باسيل انتقاده أداء قائد الجيش خصوصاً بعد انطلاق "ثورة 17 تشرين" عام 2019، متهماً إياه بالتراخي والتلكؤ في فتح الطرقات، وتحميله مسؤولية توسيع رقعة الاحتجاجات وإطالة أمدها، مما أدى إلى التضييق على العهد وإضعافه. ومع انطلاق مسار انتخابات رئاسة الجمهورية كان هجوم باسيل مركزاً على منافسه الأقوى ضمن فريق حزب الله، وهو سليمان فرنجية، الذي بحسب باسيل سيعمل على إقصائه، وسيعيد تعويم ثلاثية من نبيه بري ونجيب ميقاتي وسليمان فرنجية. وشكل اعتراضه على فرنجية العائق الأساس حتى الآن في عدم ترشيحه رسمياً من قبل حزب الله. في المقابل كان باسيل يكتفي بالتعبير عن رفضه اعتبار كل قائد جيش مرشحاً طبيعياً للرئاسة. فما الذي تغير؟
طرح جنبلاط ومؤشرات خارجية أقلقت باسيل
لا يمكن فصل كلام باسيل عن سلسلة تطورات سبقت مؤتمره الصحافي شكلت ربما السبب الرئيس في هجومه العنيف على قائد الجيش من جهة، واستمراره في هجومه الدائم على فرنجية من جهة أخرى. في التوقيت هي الإطلالة الأولى لباسيل بعد لقائه وفد حزب الله في مقر التيار الوطني الحر، وبعد لقاء جمعه برئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. أما في المضمون فمن الواضح أن هجوم باسيل على فرنجية وعون مرتبط بما سمعه في اللقاءين. وكلامه يأتي رداً على طرحي حزب الله وجنبلاط، قاطعاً الطريق على خياري الفريقين. ففي اللقاء مع حسين الخليل المعاون السياسي للسيد حسن نصر الله ووفيق صفا رئيس لجنة الارتباط في الحزب، سمع باسيل تمسكاً بفرنجية مرشحاً وحيداً للحزب، وقد استتبع ذلك بإعلان المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب النائب علي حسن خليل ترشيح فرنجية إذا تم تأمين 65 صوتاً له حتى من دون الكتلتين المسيحيتين، أي القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر. وما هجوم باسيل على فرنجية إلا لتجديد الموقف الرافض لمرشح الحزب، ورسالة واضحة بأنه لن يمشي بهذا الخيار، مؤكداً بأن الرهان على عامل الوقت حتى يغير موقفه رهان ساقط، وذهب أبعد من ذلك في التلويح بفك الارتباط مع الحزب رئاسياً والاستعداد للتفاهم مع فريق آخر على اسم مقبول.
في المقابل تابع باسيل بقلق حركة جنبلاط الرئاسية، وآخرها في بكركي، منذرة ببدء "الخطة ب"، والانتقال من مرحلة المرشح ميشال معوض وسليمان فرنجية، إلى مرشح ثالث. وتوجس باسيل أكثر لدى إقدام جنبلاط على اقتراح اسم جوزيف عون خلال لقائه حزب الله من ضمن ثلاثة أسماء هي إضافة إلى عون، جهاد أزعور (وزير مالية أسبق ومسؤول كبير في صندوق النقد الدولي)، وصلاح حنين. علماً بأن جنبلاط كان أعلن في بدايات الاستحقاق الرئاسي أنه لا يحبذ وصول عسكري إلى الرئاسة، نظراً إلى التجارب السابقة غير المشجعة. شعر باسيل بالخطر، ووجه سهامه إلى قائد الجيش، قاطعاً الطريق على إمكان وصوله إذا قرر حزب الله، في لحظة إقليمية ما، أن ينتقل إلى دعمه، فقالها بالمباشر، لا لفرنجية ولا لقائد الجيش. علماً بأنه لا توجد مؤشرات من "حزب الله" حتى الآن تفيد بقبوله بقائد الجيش، لكن لا فيتو عليه أيضاً وفق ما تؤكد مصادر الحزب النيابية.
استياء في التكتل وعند حزب الله
ينفي عضو تكتل لبنان القوي النائب غسان عطا الله لـ"اندبندنت عربية" أن يكون هجوم باسيل على قائد الجيش سببه ارتفاع حظوظه لرئاسة الجمهورية، معتبراً أن الأجواء غير ذلك، وأن قائد الجيش لم يقبل به "حزب الله"، وأن طرح جنبلاط بتبني العماد عون غير جدي بدليل تحميله رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع تسمية عون، أما أسباب الهجوم فتعود وفق عطا الله إلى المعطيات والمعلومات التي تبلغها باسيل من وزير الدفاع، والاستفزاز في طريقة التعاطي مع وزير الدفاع. وفيما لم يصدر موقف أو إيحاء من حزب الله تعليقاً على كلام باسيل، كشفت مصادر مطلعة على أجواء الحزب لـ"اندبندنت عربية" عن أن وقع هذا الكلام كان له صدى بالغ السلبية في أوساط الحزب، وهي مواقف مفاجئة خصوصاً أنه جرى الاتفاق في اللقاء الأخير على مواصلة الحوار واللقاءات، لكن يبدو أن باسيل - تضيف المصادر - لم ينتظر وقرر التصعيد تخوفاً من وجود خطة ما يعمل عليها لإيصال سليمان فرنجية أو جوزيف عون. مواقف باسيل التصعيدية لم تلق ترحيباً ولا تأييداً حتى داخل تكتل لبنان القوي الذي يرأسه، كما كان لها نتائجها السلبية في صفوف التيار الوطني الحر، إذ سجلت في الساعات الماضية سلسلة استقالات على خلفية هذا الموقف، أبرزها من المنتسبين في التيار من بلدة العيشية في جزين، مسقط رأس قائد الجيش، هذا ورفض نواب في التيار بحسب مصادر نيابية من التكتل، ترشيح باسيل، وأبدوا استعدادهم لانتخاب قائد الجيش أو ترشيح اسم آخر من التيار الوطني الحر كالنائب إبراهيم كنعان أو النائب آلان عون، وهو ما يعترض عليه بشدة الرئيس ميشال عون، لكن النواب المعترضين تجنبوا التعليق لـ"اندبندنت عربية"، وهم إبراهيم كنعان وأسعد درغام وآلان عون وسيمون أبي رميا، واكتفى النائب اغوب بقرادونيان ممثل حزب الطاشناق المشارك في تكتل لبنان القوي، بالقول تعليقاً على هجوم باسيل على قائد الجيش "نحن ضد السقوف العالية"، مضيفاً "الشاطر هو الذي يقلل من الكلام في هذه الأيام".