صادق مجلس الدولة الليبي في طرابلس على الآلية المحالة إليه من مجلس النواب لاختيار شاغلي المناصب السيادية في الدولة، المتنازع عليها وعلى اقتسامها بين المجلسين منذ سنوات طويلة، في خطوة يأمل الليبيون في أن تنعش مفاوضاتهما المتعثرة لإقرار خريطة طريق شاملة تنهي المرحلة الانتقالية.
وعلى رغم أن هذه الخطوة من مجلس الدولة يفترض أن تعطي دفعة للمفاوضات السياسية مع البرلمان، إلا أن الوسط السياسي الليبي تعامل معها بفتور واضح وقلل البعض من أهميتها، لأن العقد الرئيسة في المسار التفاوضي تبقي الخلافات الدستورية التي تأزمت أكثر في جولات الحوار الأخيرة.
ضوء أخضر
منح مجلس الدولة الليبي برئاسة خالد المشري، الضوء الأخضر للآلية المقترحة عليه من البرلمان بشأن اختيار بعض شاغلي المناصب السيادية.
وقال مكتب الإعلام في المجلس، إنه "تمت خلال الجلسة المصادقة على الآلية المقترحة بشأن اختيار بعض شاغلي المناصب السيادية".
وأشار البيان إلى "البدء في نشر العروض المرئية للمرشحين عبر الموقع الرسمي للمجلس الأعلى للدولة، وتتضمن هذه العروض تعريفاً بكل مرشح وسيرته الذاتية، إضافة إلى برنامج عمله لتولي المنصب المتقدم له".
وقبل أيام، أعلنت لجنة قبول وفرز المرشحين لتولي المناصب القيادية بالوظائف السيادية، عن إنهاء عملية فرز الملفات الخاصة بالمناصب المنوط بها المجلس الأعلى للدولة، وهي ديوان المحاسبة ورئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات ونائب محافظ مصرف ليبيا المركزي ووكيل هيئة الرقابة الإدارية ووكيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.
خلافات داخلية
وأثار التصويت على آلية اختيار المناصب السيادية قبل حسم القضايا الدستورية الأكثر أهمية العالقة مع البرلمان، خلافات جديدة بين رئيس المجلس خالد المشري والكتلة المعارضة له في داخل المجلس، بعد مطالبة مجموعة من الأعضاء بمراعاة ترتيب الأولويات خلال الجلسة المقبلة، والاستمرار في مناقشة الوثيقة الدستورية، بدلاً من مناقشة ملف شاغلي المناصب السيادية.
وأصدرت هذه المجموعة من الأعضاء بمجلس الدولة، بياناً بخصوص جلسة مناقشة آلية اختيار شاغلي المناصب السيادية، قالوا فيه إنه "بالإشارة إلى الدعوة الموجهة من مكتب الرئاسة لعقد جلسة عامة يوم الثلاثاء 31 يناير (كانون الثاني) لمناقشة وضع آلية لاختيار شاغلي المناصب السيادية، وفي الوقت الذي يتوقع فيه الشعب الليبي صدور وثيقة دستورية متفق عليها بين المجلسين، وإصدار قوانين الانتخابات لتلبية إرادة أكثر من مليونين و800 ألف مواطن استلموا بطاقاتهم الانتخابية، نتفاجأ بدعوة رئاسة المجلس الأعلى للدولة لمناقشة آلية اختيار شاغلي المناصب السيادية".
وأضاف البيان، "وعليه نعلن نحن أعضاء المجلس الأعلى للدولة رفضنا مناقشة ملف شاغلي المناصب السيادية، وكنا قد أعلنا ذلك في بيان بتاريخ 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 2022".
وخلص الأعضاء إلى مطالبة رئاسة المجلس بـ"مراعاة ترتيب الأولويات والاستمرار في مناقشة الوثيقة الدستورية والسبل التي يمكن أن نصل بها لإجراء الانتخابات وتجديد الشرعية وتشكيل حكومة موحدة".
دفعة للمسار السياسي
من جانبه، اعتبر عضو مجلس النواب، جبريل أوحيدة، أن "إحالة مجلس الدولة المرشحين للمناصب السيادية، إلى البرلمان بعد المصادقة عليه، خطوة جيدة تسهم في تحريك الجمود الحالي بالمسارات الأخرى، خصوصاً في ما يتعلق بالقاعدة الدستورية للانتخابات العامة".
وأشار أوحيدة إلى أن "لجنة المسار الدستوري ستجتمع خلال اليومين المقبلين لبحث المسائل العالقة، قبل لقاء رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ومجلس الدولة خالد المشري، في الأسابيع المقبلة".
وقال النائب الأول لرئيس مجلس الدولة ناجي مختار، إن "المناصب السيادية يمكن التوافق بشكل كبير في شأنها، بعكس المسارات الأخرى، خصوصاً في ما يتعلق بعمل اللجنة في مجلس الدولة والتي قامت بالفرز وإجازة الكثير من المتقدمين للمناصب. بالتالي المناصب السيادية هي الأكثر يسراً في الإنجاز، وإذا تم التوافق على القاعدة الدستورية ستكون تلك الخطوة الثانية التي سيتم إنجازها".
وأشار إلى أنه "لا يوجد جدول زمني لإنجاز ملف المناصب السيادية، والمسألة متعلقة بالتنسيق بين المجلسين لتنفيذ خطوات اختيار شاغلي هذه المناصب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ماراثون تفاوضي
ويشكل توافق مجلسي النواب والدولة على الآلية الخاصة باختيار المناصب السيادية، الخطوة الأهم في هذا المسار، والتي تقرب أكثر موعد إعلان قيادات جديدة لهذه المناصب، التي يشكل بعضها حساسية كبيرة وأهمية خاصة ليس فقط للأطراف المحلية في ليبيا، بل حتى لبعض الأطراف التي لها مصالح اقتصادية ضخمة في البلاد، مثل منصب محافظ المصرف المركزي.
وكانت اللبنة الأولى لترسيم هذا الاتفاق بدأت في الاجتماعات التي شهدتها مدينة بوزنيقة المغربية في يناير من العام الماضي، بين وفدي البرلمان والمجلس الأعلى للدولة التي تم التوصل فيها لاتفاق على توزيع المناصب السيادية على أقاليم البلاد الثلاثة، لكن من دون تسمية شاغلي المناصب.
وبحسب هذا الاتفاق، منح إقليم برقة شرق ليبيا منصبي محافظ ليبيا المركزي وهيئة الرقابة الإدارية، وإقليم طرابلس غرباً، حصل على مناصب المفوضية العليا للانتخابات والنائب العام وديوان المحاسبة، أما إقليم فزان في الجنوب فتم منحه منصبي رئيس هيئة مكافحة الفساد ورئيس المحكمة العليا.
شروط الترشح
كما تم الاتفاق في تلك الجلسة على شروط ترشح شاغلي تلك المناصب، وأهمها أن يتمتع بالجنسية الليبية فقط، وألا يكون قد تقلد مناصب سيادية سابقاً، على أن يتم فتح عملية الترشح للمناصب لجميع الليبيين قبل أن تفرز الملفات من قبل المجلس الأعلى للدولة والبرلمان الليبي لاختيار المرشح الأفضل والأكثر إجماعاً.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أعلن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ومجلس الدولة خالد المشري، في مؤتمر صحافي عقب انتهاء جولة مشاورات جمعتهما في المغرب، عن اتفاقهما على تسمية اثنين من المناصب السيادية واستكمال المشاورات للاتفاق على بقية المناصب والحكومة الموحدة قبل نهاية يناير 2023 .
وكشفت مصادر في مجلس النواب بعدها عن المناصب السيادية التي جرى الاتفاق عليها في اجتماع المغرب، وهي المفوضية العليا للانتخابات وهيئة مكافحة الفساد.
رفض التقسيم الجهوي
وعلى رغم أن الاتفاق النهائي على تسمية شاغلي المناصب السيادية في ليبيا بات أقرب من أي وقت مضى، إلا أن مسألة تقسيمها على أساس جهوي التي تم التوافق عليها، ما زالت تواجه بالرفض من أطراف كثيرة في البلاد حتى داخل مجلسي النواب والدولة.
ويرى عضو مجلس النواب عبد السلام نصية، أن "هذا التقسيم الجغرافي بين أعضاء مجلسي النواب والدولة على آلية اختيار شاغلي المناصب السيادية مخالف في الأساس للمادة 15 من الاتفاق السياسي التي تحدد المناصب السيادية، ولا تشمل الوكلاء وأعضاء مجلس الإدارة".
وصرح نصية، أن "التوزيع الجغرافي للمناصب السيادية ينبغي أن يراعى، بشرط ألا يكون له الأساس والأولية في الاختيار، لأن المناصب السيادية تحكمها شروط وقوانين من بينها الكفاءة والقدرة، بحيث يتم الحفاظ على خصوصية هذه المناصب الحساسة في الدولة وتكون المحاصصة في الحكومة".
لجنة حوار جديدة
في شأن آخر، أعلنت منظمة الحوار الإنساني في جنيف التابعة للأمم المتحدة نيتها تشكيل لجنة حوار للتشاور حول اختيار مجلس رئاسي وحكومة جديدة في ليبيا.
وبحسب اللجنة، ستتشكل لجنة الحوار الجديدة من 90 شخصية من أعيان وحكماء ليبيا ومؤسسات المجتمع المدني، وستنطلق اجتماعاتها يوم 7 من الشهر الحالي لمدة ثلاثة أيام في العاصمة السويسرية جنيف.
وقالت إن المقترح الذي ستتم مناقشته سيبحث تكليف حكومة جديدة لإدارة البلاد مدة عامين، وستركز خلالها على الترتيب لتنظيم الانتخابات العامة.