تحول البرلمان في تونس بعد 2011 إلى قبة من الخيبة للمواطنين بسبب الصراعات السياسية التي وصمت أداءه، وارتسمت صورة مخيبة في أذهانهم عن هذه المؤسسة التي كان يفترض أن تصنع ربيع الانتقال الديمقراطي في البلاد.
ومنذ لحظة 25 يوليو (تموز) 2021 لم يفوت رئيس الجمهورية قيس سعيد مناسبة من دون أن يهاجم هذه المؤسسة ويصفها بالفاشلة، ويعتبرها لا تعكس آمال التونسيين إلى أن اتخذ الإجراءات الاستثنائية وعلق أشغالها ودخل بالبلاد في مسار جديد استمر لسنة ونصف السنة، وبدأت تتشكل ملامحه بوضع دستور جديد ثم انتخاب برلمان جديد.
فكيف ستكون ملامح هذا البرلمان؟ وهل سيتقاطع مصيره مع صورة البرلمان السابق، أم سيواجه المصير نفسه بسبب التشتت، إذ إن أعضاءه أفرزهم نظام انتخابي على الأفراد وليس على القائمات؟
برلمان بلا هوية سياسية
للمرة الأولى في تاريخ تونس السياسي يتشكل برلمان من رحم قانون انتخابي ينص على الاقتراع على الأفراد بدل القوائم، وسيكون أعضاء البرلمان الجديد الـ161 بلا هويات سياسية، ولا قواسم مشتركة، وهو ما أثار تخوفات من أن يؤدي التشتت وعدم التجانس داخل البرلمان إلى تعطيل أشغاله، وعودة الصراعات داخله.
وبينما ترى المعارضة أن البرلمان سيتشكل ضعيفاً ومن أفراد بلا وزن، ولا يجمعهم أي برنامج، يقول أنصار مسار رئيس الجمهورية، إن البرلمان الجديد سيضم كتلاً تجمعها رؤى وبرامج مشتركة.
ويؤكد أستاذ القانون المتخصص في النزاع الانتخابي والعضو السابق في الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عبدالجواد الحرازي يؤكد لـ"اندبندنت عربية"، أن "التخوف مشروع من عودة التشتت البرلماني إلى المؤسسة التشريعية الجديدة، لعدم وجود أغلبية موحدة"، لافتاً إلى أن "حزب حركة الشعب الممثلة في البرلمان السابق بـ15 مقعداً، لها مجموعة فازت ببعض المقاعد، وحراك 25 يوليو بدوره فاز ببعض المقاعد، بينما البقية نواب يمثلون جهاتهم ولا تجمعهم أية رابطة فكرية أو سياسية".
التشتت سيعطل عمل البرلمان
ويرى الحرازي أن "هناك عدداً من النواب لم يفصحوا إلى الآن عن توجهاتهم وميولهم السياسية، وهو ما لا يسمح بفهم واقع البرلمان الجديد"، مضيفاً أن "هذا التشتت سيؤثر في العمل داخل البرلمان، بخاصة في اقتراح مشاريع القوانين التي يتطلب تقديمها مصادقة 10 نواب"، محذراً من أن "تعود الصراعات مجدداً تحت قبة البرلمان".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشدد أستاذ القانون أن "هذا الوضع المعقد داخل البرلمان المقبل سيعطل تقديم مشاريع القوانين التي تتطلب تشكيل كتل برلمانية إلا أن مشاريع القوانين المقبلة من رئاسة الجمهورية ستكون لها أولوية النظر في البرلمان، وبالتالي فإن رئيس الجمهورية سيستخدمه فقط لتمرير القوانين التي يقترحها وستصبح الكتل البرلمانية عاجزة على تقديم أي مشروع قانون جديد، وستكتفي فقط بالنظر في القوانين المقبلة من رأس السلطة التنفيذية".
معاينة شغور سبع مقاعد
ويشار إلى أن البرلمان الجديد سيعاين في جلسته الأولى المنتظرة خلال مارس (آذار) المقبل شغور سبع مقاعد التي تمثل الدوائر الانتخابية في الخارج، والتي لم يترشح إليها أحد، ما يدعو إلى تنظيم انتخابات جزئية لسد تلك الشغورات.
وخلافاً للبرلمان السابق الذي ضمن حصانة قوية لأعضائه كانت محل جدل، فإن أعضاء البرلمان الجديد معرضون لخطر سحب الثقة (الوكالة)، من قبل عُشر الناخبين بدائرتهم في حال أخلوا بوعودهم، كما منع الدستور الجديد انتقال النواب من كتلة برلمانية إلى أخرى كما كان سائداً في السابق فيما كان يعرف بـ "السياحة الحزبية".
بداية تشكل كيانات جديدة
وإزاء التخوفات من أن يتأثر البرلمان الجديد بالنزعة الفردية لأعضائه، يقلل أستاذ الفلسفة السياسية في الجامعة التونسية صلاح الداودي من حجم هذا التخوف، ويقول في تصريح خاص، "لا توجد مخاوف من أن يظهر التشتت في البرلمان المقبل، معلناً عن وجود كيانات، وبداية تشكل تكتلات وهو ما سيساعد في عمل البرلمان في ظروف طيبة".
ويضيف الداودي، أن "ما يجمع هؤلاء النواب هو الهاجس الوطني، وأمهات القضايا في الصحة والتعليم والبيئة والفلاحة والاقتصاد، وهي هواجس جميع النواب في كامل تراب الجمهورية وهي عوامل استقرار، لأنها تمثل الخط الوطني وتجمع كفاءات وطنية لخدمة البلاد وليس الأحزاب كما كان في السابق".
ويشدد على أن "النواب الجدد واعون بضرورة التنظم في مجموعات وفق القانون"، لافتاً إلى أن "عدة ولايات (محافظات) لها نواب تتقاسم المشاغل نفسها وهي هموم وطنية بالأساس وهناك انسجام بينهم، وهو ما سيساعد في طرح عديد القضايا ذات البعد الوطني في البرلمان".
وذكر أستاذ الفلسفة في الجامعة التونسية بأن "مبادرة "لينتصر الشعب" المساندة لرئيس الجمهورية، لها مشروع جماعي متنوع فيه جهات عدة وهي نموذج لمجموعة برلمانية قوية ستضم على الأقل 50 نائباً".
حراك 25 يوليو يفوز بـ 80 مقعداً
في الأثناء، أعلن المتحدث باسم حراك 25 يوليو محمود بن مبروك، في ندوة صحافية أمس، "حسب النتائج الأولية للانتخابات التشريعية فإن الحراك فاز بـ 80 مقعدا في البرلمان الجديد، وستكون المرأة صاحبة القرار في هذه الكتلة". مرجحاً أن "تترأس البرلمان المقبل امرأة".
أسابيع قليلة تفصلنا عن أولى جلسات البرلمان المقبل الذي سيكون أول مؤسسة منتخبة في مسار 25 يوليو 2021، وسط تحديات كبيرة تواجهها البلاد اقتصادياً ومالياً وفي سياق اجتماعي مشحون بسبب تردي القدرة الشرائية والتهاب الأسعار، والانقسام السياسي الذي يمزق البلاد.