"ماذا تريد إيران من منطقة الساحل الأفريقي؟" سؤال تبادر إلى ذهن المراقبين عند الإعلان عن الزيارة المفاجئة لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان إلى موريتانيا أخيراً، والتي التقى خلالها الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، برفقة وفد رسمي وأجرى مباحثات مطولة بعدد من كبار المسؤولين في نواكشوط، لم يكشف عن فحواها الحقيقي، إذ اكتفى الطرفان بالتأكيد أن المباحثات اهتمت ببحث آفاق التعاون بين البلدين والسبل الكفيلة بتطويرها والارتقاء بها إلى آفاق أوسع في جميع المجالات.
وقال مصدر مطلع لـ"اندبندنت عربية" إن "زيارة الوزير الإيراني لم تدرج ضمن جدول أعمال الزيارات الرسمية المقرر في موريتانيا هذا الأسبوع، بل إنها كانت زيارة شبه مفاجئة وسريعة، ولم تحط السلطات علماً بها إلا قبل مجيء الوزير بساعات قليلة".
وأضاف المصدر أن "الارتجال في استقبال الوزير وبرمجة لقائه الرئيس الموريتاني في ساعة متأخرة من ليل الثلاثاء الماضي، يؤكد أن الزيارة لم تكن مدرجة على جدول الأعمال، لا في الخارجية ولا في الرئاسة".
وكشف المصدر عن أن المباحثات أحيطت بكثير من السرية، حيث لم يحضر اجتماعات الوزير الإيراني سواء بالرئيس الموريتاني أو وزير الخارجية سوى عدد قليل من كبار المسؤولين المعنيين بالعلاقات الثنائية بين البلدين.
وقال الوزير الإيراني عقب لقائه الرئيس الموريتاني إنه "تم خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين والسبل الكفيلة بتطويرها والارتقاء بها إلى آفاق أوسع". وأضاف أن "اللقاء كان فرصة لتبادل وجهات النظر حول القضايا ذات الاهتمام المشترك"، مشيداً بموقف موريتانيا المبدئي والثابت المناهض للإرهاب بكل أشكاله وصوره.
اهتمام متزايد بالمنطقة
نادراً ما يجري المسؤولون الإيرانيون زيارة لموريتانيا، البلد الواقع في أقصى الغرب الأفريقي والبعيد من النفوذ الإيراني، غير أن التطورات الدولية وسعي طهران نحو بسط نفوذها السياسي والاقتصادي في مناطق أخرى قد يدفعها إلى الإسراع بسحب موريتانيا إلى الاصطفاف لجانب المحور الذي تقوده موسكو وطهران حالياً.
وتأتي زيارة عبداللهيان قبل أيام فقط من زيارة سيجريها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى موريتانيا، إذ سيلتقي الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، وهي الزيارة التي جاءت بطلب من لافروف بحسب ما أكدت مصادر مطلعة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كذلك تأتي زيارة وزير الخارجية الإيراني، بعد أيام قليلة من زيارة وفد عسكري من قادة الجيش الجزائري إلى موريتانيا، وتمخض عن توقيع اتفاقيات عسكرية وأمنية كان أبرزها مكافحة الإرهاب في المناطق الحدودية للبلدين.
ويخشى مراقبون أن يتم سحب نواكشوط إلى الانخراط في محور إقليمي مع الجزائر وإيران وروسيا، ودعم تمدد هذه الدول في منطقة غرب أفريقيا التي تعد موريتانيا بوابتها الرئيسة.
فيما يرى آخرون أن نواكشوط واعية بمساعي إيراني للتمدد في أفريقيا، وأنها لن تفرط في الدعم الخليجي لاقتصادها مقابل إرضاء إيران التي لن تستفيد منها اقتصادياً.
غرب أفريقيا يغري إيران
المحلل السياسي محمد يحيى ولد الغوث يقول إن "موقع موريتانيا الاستراتيجي على بوابة غرب أفريقيا، المنطقة التي تعرف سلسلة من الاضطرابات، بات يشكل مطمعاً لعديد من الدول الطامحة لبسط سيطرتها، ولذلك تتودد إليها لاتخاذها جسراً لذلك، إلا أن نواكشوط ترغب في البقاء على الحياد من جميع التحالفات والصراعات وتعتمد سياسة الحفاظ على علاقات دبلوماسية مستقرة مع طهران ومع الدول الخليجية أيضاً".
ويضيف ولد الغوث "النزاعات الحالية في منطقة غرب أفريقيا والخلاف المغربي الجزائري سيضعان موريتانيا على مفترق طرق، وهذا ما لا تريده، فهي لا ترغب أن تكون قاعدة للتمدد الإيراني في شمال وغرب أفريقيا، ولا تريد أن يتم استدراجها عبر الضغط عليها بملفات اقتصادية لمحاصرة المغرب والوقوف في وجه المحور الخليجي".
ويشير المحلل السياسي ذاته إلى أن "القيادة في موريتانيا واعية بخطورة التمدد الإيراني في غرب أفريقيا وتتعامل معه بحرص شديد وترفض الانسياق للضغوط أو المساعدة في تغلغل إيران بالمنطقة، حرصاً على مصالحها مع الدول الخليجية"، منوهاً بـ"رفض الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني زيارة إيران على رغم تلقيه دعويين رسميتين خلال عام واحد وجههما له الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي".
تخوف من نفوذ إيران
لم تلق زيارة عبداللهيان ترحيباً سياسياً كبيراً في موريتانيا، بل إن كثيراً من السياسيين انتقدوا الحكومة التي سمحت بهذه الزيارة في هذا التوقيت، إذ انتقد حزب "الصواب" الموريتاني، زيارة حسين أمير عبداللهيان، إلى نواكشوط، لما يشكل ذلك من تعارض مع الوحدة العربية وسيادة الدول الحليفة لموريتانيا.
وقال الحزب في بيان إنه "من الغباء أن تستقبل حكومة موريتانيا وفداً حكومياً رفيع المستوى لنظام يقتل شعبه ويسير في كل يوم بخطوات توسعية لانتهاك مزيد من سيادة جيرانه، ويضرب في عمق استقرارهم ونسيجهم المجتمعي والمذهبي الطبيعي".
وأضاف البيان أن "الزيارة خارجة بشكل كلي عن السياق الطبيعي لما ينبغي أن تكون عليه موريتانيا من تضامن مع الإيرانيين في الداخل". وجاء في البيان أنه "لا يمكن لعدو العرب في الخليج والشام والعراق أن يكون صديقهم في المغرب العربي، ولا يمكن لنظام يبني سياسته على الدم والقمع أن تحسن صورته زيارة بلد عربي مسالم كموريتانيا".
ويخشى المراقبون أن تنجح الضغوط الروسية والجزائرية في دفع موريتانيا إلى القبول بتوطيد علاقاتها مع طهران وفتح نفوذ جديد لها بالمنطقة.
وفي انتظار ما ستسفر عنه الزيارات المقبلة لنواكشوط، بخاصة زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بداية الأسبوع المقبل، تبقى التأويلات والتخوفات من سعي طهران إلى التوغل في منطقة غرب أفريقيا تشغل بال الموريتانيين، وسط دعوات للحفاظ على التوازن في السياسة الخارجية تجاه جميع الأطراف.