دخل المغرب منذ أعوام في مواجهة مفتوحة مع إيران عندما اتهمها بدعم جبهة "بوليساريو" الانفصالية المدعومة من الجزائر وتتنازع مع المملكة على الصحراء، لكن المواجهة اتخذت في الأشهر الأخيرة طابعاً آخر إقليمياً حيث يتردد باستمرار أن طهران تحاول ترسيخ نفوذ لها في القارة الأفريقية.
وبحسب عدد من الأوساط السياسية والمراقبين فإن الأبعاد الروحية والدينية من بين منافذ إيران للولوج إلى القارة الأفريقية، مما يدفع المملكة المغربية إلى التحرك، خصوصاً أنها من بين الدول المعروفة بنشر الطرق الصوفية في القارة الأفريقية.
ويؤدي وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان زيارة إلى أفريقيا، حيث حط الرحال في موريتانيا أول من أمس الثلاثاء، وأعلن من هناك خلال لقائه الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أن "إيران تدعم استقرار أفريقيا وأمنها".
صراع خفي
وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي قال وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة إن "بلاده تعاني التدخل الإيراني"، لافتاً إلى أن "طهران هي الراعي الرسمي للانفصال والإرهاب في العالم العربي مع وجود تواطؤ".
وفي وقت سابق أيضاً اتهم سفير المغرب لدى الأمم المتحدة عمر هلال إيران بالوجود في شمال القارة الأفريقية ومخيمات تندوف في الجزائر التي تؤوي عدداً من أنصار جبهة "بوليساريو" التي قال إنها تتلقى هي الأخرى تسليحاً من إيران.
وعلق الخبير في العلاقات الدولية حسن بلوان على الأمر معتبراً أن "هناك بالفعل صراعاً خفياً بين المملكة المغربية وإيران حول الامتداد الديني والروحي في أفريقيا، بخاصة إذا استحضرنا النفوذ التاريخي دينياً وروحياً للمغرب في القارة التي يدين معظم بلدانها بالمذهب السني المالكي المرفوق بالزوايا والطرق الصوفية ذات المنشأ المغربي".
وأضاف لـ"اندبندنت عربية" أنه "مع دخول إيران إلى المنطقة بدافع نشر التشيع اشتد الخلاف الديني مع الرباط ليتحول إلى خلاف سياسي تغذيه توازنات إقليمية ودولية، بخاصة مع معاكسة إيران للمملكة في قضية الصحراء ودعمها لجبهة بوليساريو عن طريق الجزائر أو عبر حزب الله اللبناني".
واستدرك بلوان، "لكن على رغم ما يمكن أن يسجل من مفارقات في التوجهات الدينية للطرفين، فإن الأفضلية أفريقياً لمصلحة المغرب بحكم تاريخية العلاقات الدينية بينه والدول الأفريقية، إضافة إلى تخوف معظم الأفارقة من الأجندات السياسية المشبوهة التي تحاول إيران إدخالها إلى القارة السمراء".
ولم تعد السلطات المغربية تخفي أنها في سباق مع الوقت لقصقصة أجنحة إيران في القارة الأفريقية التي يسودها الإرهاب والعنف الناجم عن الانقلابات العسكرية والتشدد الديني، مما يخلق مناخاً ملائماً لاختراقات محتملة من أي جهة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي وقت سابق قال بوريطة في كلمة أمام مجلس النواب المغربي (الغرفة الأولى للبرلمان) إن "إيران تحاول الدخول إلى غرب أفريقيا لنشر المذهب الشيعي، والأمن الروحي للمغاربة وللقارة الأفريقية يعد من بين الأولويات للتصدي للأطماع الإيرانية في القارة"، مما يعطي لمحة كافية عن الأهمية التي توليها الرباط للتصدي لإيران.
وشدد بلوان على أن "العقيدة الدبلوماسية للمغرب تقوم على حل النزاعات بالطرق السلمية، لذلك فإن الإجراءات التي تعتزم المملكة المغربية اتخاذها الآن تتمثل في تمتين الجبهة الداخلية وإعادة بلورة سياسة خارجية مشتركة مع الدول الأفريقية لمنع التمدد الإيراني والشيعي في القارة، بخاصة أن المغرب يتمتع بعلاقات متينة مع هذه الدول".
وحول إمكانية حدوث صدام مباشر قال الخبير في العلاقات الدولية إن "هذا الأمر مستبعد لأنه ليس في عقيدة وأدبيات رد المملكة المغربية التي تراهن على الأدوات السلمية لحل أي نزاع".
دعم "بوليساريو"
لا تقتصر الخلافات بين المغرب وإيران في القارة السمراء على محاولات التمدد التي تقوم بها طهران، إذ إن المملكة تنتقد باستمرار ما تسميه دعم إيران لجبهة "بوليساريو" المدعومة أيضاً من الجزائر.
وفي مايو (أيار) 2018 أعلن المغرب قطع علاقاته مع إيران في أعقاب اتهام "حزب الله" المدعوم من طهران بالدخول في علاقة عسكرية مع جبهة "بوليساريو" التي تلقت خسائر متتالية في الأعوام الأخيرة في مواجهتها مع الرباط حول الصحراء.
وتطالب الجبهة بالانفصال عن المملكة المغربية بمنح الصحراء استقلالها، لكن الرباط تقترح منحها حكماً ذاتياً على أن تبقى تحت سيادتها.
وقال رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان محمد سالم عبدالفتاح إن "دعم إيران لجبهة بوليساريو يمثل السبب الرئيس بين أسباب الخلاف المغربي- الإيراني، لكن الأمر لا يقتصر على ذلك بل يعود لمحاولات حثيثة تعكف عليها طهران لاختراق الأمن الروحي لبلدان المنطقة والتشويش على معتقدات شعوبها".
وأوضح عبدالفتاح في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن "المغرب يرد طبعاً على هذه المحاولات بدور ديني مثلاً في إطار الجهود الرامية إلى التصدي للتشيع ونشر الفكر الوسطي المعتدل وتحصين العقيدة السنية والمذهب المالكي أساساً".
وشدد على أن "إيران حاولت أيضاً اختراق المجال المغاربي بالتحالف مع الجزائر ودعم عدد من الجماعات المسلحة سواء في هذا المجال أو منطقة الساحل، وهدف هذا الاختراق هو ابتزاز هذه الدول باعتبار أنها في حاجة لتحالفات ودعم خارجيين"، مضيفاً أن "موريتانيا مثلاً في أعلى سلم أولويات أجندة إيران باعتبار موقعها الاستراتيجي لكن في اعتقادي لا تزال موريتانيا محصنة من هذا الاختراق".
ورأى عبدالفتاح أن "التغلغل الإيراني يتمثل أيضاً في تزويد جبهة بوليساريو بالأسلحة من خلال طرق عدة، مما أثار غضب المغرب خلال الأعوام الأخيرة، وردت المملكة على ذلك في مناسبات عدة".
وأخيراً بدا واضحاً أن طهران التي تتعثر محادثاتها مع الغرب لإحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015، تحاول تثبيت أقدامها أكثر في أفريقيا، مركزة على عدد من الدول التي لها مراكز حساسة في القارة على غرار إريتريا المطلة على مضيق باب المندب والسودان. وتشكو نيجيريا والسنغال مثلاً من تنامي التشدد الديني وسط تصاعد لنشاط جماعات إسلامية شيعية ربما يساعد التقارب مع طهران هذه الدول على ترويضها.
من جهته قال الباحث الإيراني والأستاذ في جامعة نيويورك آرش عزيزي إن "إيران كانت لها منذ ثورة 1979 علاقات وثيقة مع جبهة بوليساريو التي هي على خلاف شديد مع المغرب وهناك تراكمات قادت إلى القطيعة التي تعرفها اليوم العلاقات بين الرباط وطهران".
وتابع أنه "لطالما كان المغرب على خلاف مع إيران، على رغم وجود محاولات في كثير من الأحيان لزيادة التجارة بين البلدين والجمع بينهما"، مضيفاً "أجريت مقابلات مع دبلوماسيين إيرانيين أمضوا سنوات في محاولة تحقيق المصالحة بين طهران والرباط، لكن هذا أصبح مستحيلاً في الأعوام الأخيرة، وقطع المغرب العلاقات أخيراً عام 2018. وبعد ذلك بعامين انضم إلى "اتفاقات أبراهام" التي جعلته بعيداً من إيران من خلال إعادة إحياء العلاقة مع إسرائيل".
الحرس الثوري في أفريقيا
ويرى متابعون إيرانيون أن طهران اعتمدت كثيراً على الحرس الثوري الذي لعب دوراً بارزاً في القارة السمراء، خصوصاً في دول تشكو غياب الاستقرار وهو ما عبد طريق إيران للتسلل إلى هذه القارة.
وقال عزيزي "لقد أولى الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس التابع له اهتماماً خاصاً منذ فترة طويلة بأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وحاولوا توسيع أنشطتهم هناك"، شارحاً أن "السفارة الإيرانية في السنغال كانت ذات فائدة خاصة بهذا الصدد، حيث استضافت عدداً من أعضاء الحرس الثوري الإيراني الذي غالباً ما كان سبباً في أزمة بين البلدين انتهت بقطع العلاقات بينهما عام 2011".
وتابع، "تحت قيادة قاسم سليماني، وسع فيلق القدس أيضاً من آثاره في عدد من الحروب الأهلية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، والأهم في جمهورية أفريقيا الوسطى"، مؤكداً أن "الحرس الثوري كان له دور بعد ذلك في دخول مجموعة فاغنر الروسية إلى بعض الدول الأفريقية".
وقال إن "مجموعة فاغنر الروسية التي حلت الآن محل معظم المؤسسات في جمهورية أفريقيا الوسطى، وكما هي الحال في سوريا، حصلت على مساعدة من الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس، ونرى أيضاً اتجاهاً في بلدان أخرى مثل مالي وبوركين فاسو لطرد القوات الفرنسية والترحيب بالروس وفاغنر".
وأردف عزيزي أن "إيران تستخدم قواعدها في أفريقيا لمساعدة الحوثيين في اليمن أيضاً، بخاصة تلك الموجودة في القرن الأفريقي، وتعتبر إريتريا وبعض جزرها الساحلية حالة مثيرة للاهتمام، إذ إن لكل من إسرائيل والحرس الثوري الإيراني وجوداً استخباراتياً هناك ويستخدمانه للتأثير في جنوب شبه الجزيرة العربية واليمن".
وختم عزيزي، "في ظل هذا التشابك بين الثلاثي، المغرب، وإيران وإسرائيل، إلى جانب قوى إقليمية ودولية أخرى تحاول التموقع في أفريقيا، فإن ذلك من المرجح أن يجعل القارة مسرحاً للتوترات والتنافس على النفوذ، لا سيما بعد الدخول القوي لروسيا عبر عناصر مرتزقة فاغنر في دول مثل مالي وأفريقيا الوسطى وليبيا، فيما تطمح تركيا هي الأخرى إلى ترسيخ نفوذها من بوابة الإسلام".