سلطت جائحة كورونا الضوء على الممرضات والدور الذي يقمن به، ثم عادت الإضرابات الأخيرة لفعل الشيء نفسه، لكن موضوع الإضرابات مرتبط بمسائل أكبر بكثير من مجرد الأجور.
إليك، على سبيل المثال، آخر الأخبار حول رفع سن التقاعد الحكومي. هناك مجالات للتمريض، حيث من المحتمل للممرضات إمكانية العمل (وحالياً يعملن فيها) حتى أواخر الستينيات من العمر، حيث إن مسؤولياتهن الوظيفية تسمح لهن بالجلوس وأخذ فترات راحة منتظمة ومضمونة، من دون نوبات ليلية - ومن خلال نوبات عمل تسمح لهن بأخذ قسط من الراحة الكافية بين المناوبات. بالنسبة إلى الممرضات الأكبر سناً، واللاتي يعملن في مراكز صحية مزدحمة جداً، حيث لا يكون أي من هذه المجالات متاحاً على أرض الواقع، سيكون الأمر صعباً جسدياً وعقلياً للغاية. سيضطر معظمهن إلى تقليل ساعات العمل المتعاقد عليها لحماية صحتهن، وسيحتاج معظمهن إلى إجراء مزيد من التغييرات المهمة في مستوى معيشتهن لإدارة الانخفاض الناتج في الدخل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أملك ما يربو بقليل على 40 عاماً من الخبرة كممرضة في الهيئة الوطنية للخدمات الصحية (أن أتش أس) NHS في قسم حالات الطوارئ الحادة. لقد أكملت دورات تقليدية للتدرب على مهام عملي في الثمانينيات - وليس شهادة، ولا حتى دبلوم. فمن خلال مؤهلاتي العملية كممرضة عامة مسجلة، واصلت تعليمي، وأصبحت ممرضة مشرفة ورئيسة في كبرى مستشفيات (أن أتش أس) بوسط لندن. لقد رأيت الأمور التي يمكن تحقيقها داخل الهيئة عند توفر موارد كافية واستخدامها بالطريقة الصحيحة وإدارتها من قبل مجموعة صغيرة تضم قادة مبدؤهم "يمكننا القيام بذلك".
لقد أمضيت حياتي المهنية بأكملها أعمل في مستشفيات كبرى وممولة تمويلاً جيداً نسبياً. لقد شاهدت ظروف العمل الأساسية تتفاقم بسرعة على مدى العقدين الماضيين، وتترك تداعيات على الممرضات والأطباء وأخصائيي العلاج الطبيعي.
أستطيع البدء بمرافق تغيير الملابس غير الملائمة - فبالكاد يكون هناك أي مساحة للخصوصية أو الكرامة أو الاحترام مع بدء 27 ممرضة نوبتهن من داخل غرفة تشبه خزانة الملابس الكبيرة – والتي لا يوجد بها أي خزائن لحفظ الأشياء الثمينة، إلى مرافق حمامات الموظفين المغمورة بالمياه، والتي تفتقر إلى الصيانة والمهترئة بسبب الاستخدام الكثيف. لدينا غرف استراحة صغيرة بها عدد قليل جداً من الكراسي، وإمكانية محدودة للحصول على الأطعمة الساخنة أو المغذية.
تم تطبيق درجات التمريض الإجبارية في عام 2009، لكنني أعتقد أن (أن أتش أس) تحتاج إلى مزيج من الممرضات المتدربات والحاصلات على درجات علمية المتدربات، وكذلك الممرضات المتعلمات (المدفوعات الأجر)، حتى لا يتم حرمان كثير من الأشخاص ممن يحملون درجات أكاديمية أقل.
لم أرَ دليلاً واضحاً وقوياً على قدرة مهنتنا على التأثير في القرارات على المستوى الشعبي - والتي تعد إحدى الفوائد المقترحة للتحول إلى التدريب. نعم، لقد رأيت مزيداً من الممرضات المؤهلات يواصلن الدراسة في الأوساط الأكاديمية والبحثية (مجالات مهمة)، لكنني رأيت أيضاً زيادة في عدد الممرضات المؤهلات حديثاً اللاتي، يبدو أنهن اكتشفن أن التمريض السريري (مكان العمل) لا يناسبهن على رغم كل شيء، حيث أجبرن على اتخاذ قرار عندما كن في سن السابعة عشرة من أعمارهن، ولم يكن لديهن وعي تماماً بمهنة التمريض.
في رأيي، يحتاج جميع صانعي القرار إلى أن يتزودوا بمعلومات أكثر تفصيلاً. يجب أن يواصل المديرون التمتع بصدقية طبية طوال حياتهم المهنية من لحظة الوجود في مكان العمل، وحتى لحظة العمل بنوبات والراحة وتناول الطعام والمشروبات، كما تفعل الممرضة المسؤولة، وحينها سيفهمون القضايا الرئيسة ويتخذون قرارات معقولة، ويكونون قادرين على إيصال المعلومة بدقة إلى أعلى مستوى في التسلسل الهرمي.
أما بالنسبة لتصميمات المستشفيات الجديدة أو مشاريع التوسع، فعلينا أن نكون حريصين على عدم إنشاء مرافق فندقية ونضفي عليها صورة التبجيل، من أجل الفوز بجوائز التصميم، بينما يتم إهدار أموال كثيرة. يجب أن نستخدم أي مساحة جديدة كمستشفى. يجب أن يكون الموظفون قادرين على توفير الرعاية اللازمة. ليس هناك أي فائدة لفرش الأرض بالسجاد وتعليق الجلود على الجدران لأي سبب كان، حتى لو كان سيبدو ذلك أمراً جميلاً لبضعة أيام. نريد أن ينتقل المرضى عبر المستشفيات، لكننا بحاجة إلى الحفاظ على الموظفين.
فيما يتعلق بموضوع "الجوائز" - فالذين يكدون ويكدحون في العمل لن ينالوها أبداً. وبذلك، أعني هؤلاء الممرضات اللاتي يعملن بجد وتفانٍ دوماً لتقديم أفضل رعاية ممكنة، سواء كان ذلك خلال نوبة ليلية أو في عيد الميلاد. هؤلاء هن الممرضات اللاتي لا يستطعن "العمل من المنزل" عندما يكون الطقس سيئاً أو عندما لا تعمل القطارات. وهن اللاتي يجب عليهن دائماً المحافظة على مستواهن المهني، وأن يكن مرحات حتى عندما يكن مرهقات أو يواجهن مشكلات شخصية. وذلك يقودني إلى قضية خطرة أخرى. بمرور الوقت، أصبحت الخيارات المتاحة للمرضى وأقاربهم متزايدة وصاحب ذلك تهاون وتسامح أكبر تجاه سلوكيات المرضى وأقاربهم. وفي حين أن بعض هذه الجوانب إيجابية، للأسف يواجه الممارسون السريريون والممرضات الآن بانتظام الإساءة اللفظية والجسدية.
إن الضغط الناجم عن هذا التخويف الذي يتعرض له الموظفون له صلة مباشرة بصحتهم العقلية وقدرتهم على العمل بشكل مهني. يبدو الأمر كما لو أن هناك نقصاً في السياسة والتشريعات والإرادة لحماية الموظفين الرئيسين في الخطوط الأمامية بشكل صحيح.
يقولون لنا إن عدد موظفي (أن أتش أس) أكثر من أي وقت مضى، وإن عديداً منهم سيكونون مديري أعمال، وإن الآخرين سيكونون ممرضات هدفهن إبقاء المرضى خارج المستشفى، وتمكين المرضى من الخروج من المستشفى بشكل أسرع، ولكن هناك نقصاً متزايداً باستمرار في الخدمات على مدار 24 ساعة مثل أقسام الحوادث والطوارئ والعناية المركزة.
أعاد معظم الناس تقييم التوازن بين العمل والحياة خلال الجائحة الأخيرة. يجب القيام بشيء ما لمكافأة الموظفين الذين ما زالوا على استعداد للعمل في الأقسام التي تتطلب النوبات الليلية والعمل في عطلة نهاية الأسبوع (بما في ذلك العطلات الرسمية). نحن نستحق أكثر من زيادة في الأجور مقابل الساعات غير الاجتماعية، إضافة إلى الأشياء الأساسية مثل توفير الشاي والقهوة مجاناً ومساحة راحة للهدوء والحصول على الوجبات الساخنة. نحتاج إلى أماكن لإيقاف دراجاتنا أو سياراتنا حتى نشعر بالأمان عندما ننتهي من نوبات العمل في وقت متأخر من الليل.
يجب أن يكون الهدف العام لكل مدير هو ضمان حصول المرضى على أفضل رعاية ممكنة وأكثرها أماناً. أقترح أن نعود إلى وضع يمكن فيه للموارد البشرية أن تقوم بمزيد من أعمال الموارد البشرية، ويقوم التوظيف بمزيد من أعمال التوظيف وتقوم الممرضات بمزيد من أعمال التمريض.
بصفتي رئيسة ممرضات سابقة، أعلم تماماً أن معظم مديري الممرضات يبذلون قصارى جهدهم لرعاية فريقهم، ولكن ليس لديهم أي سلطة في كيفية استخدام أموالهم بطريقة عملية. لا عجب أن الممرضات يشعرن بالتعب والاستخفاف، لأسباب تتجاوز مستويات رواتبهن.
لا ينبغي قبول مغادرة الممرضات ذوات الخبرة أو تقاعدهن مبكراً - فهؤلاء لديهن خبرة ويعرفن ما هو الشيء المناسب وغير المناسب، وما هي المبادرات التي نجحت أو فشلت في الماضي، ولماذا، هذا النوع من المعلومات لا يقدر بثمن الآن. هناك كثير من الوقت والمال الضائع في جهد بلا طائل. الممرضات عموماً طيبات ومهتمات ويعملن بجد، مع استثناءات قليلة، كما هو الحال في كل جوانب الحياة. اعتنوا بالممرضات جيداً، وسيكن قادرات على رعاية المرضى جيداً أيضاً.
مع اقترابي من نهاية مسيرتي، أعلم أنه لا يوجد شيء أفضل من نوبة العمل في الأوقات العصيبة، وعندما يجتمع الجميع لتحقيق المستحيل كإنعاش مريض يعاني سكتة قلبية، أو التعامل مع حادثة جسيمة، أو استقبال [معالجة] طفل غير مستقر سريرياً ومريض جداً. هذه هي الهيئة الوطنية للخدمات الصحية في أفضل حالاتها.
هل سأعمل ممرضة مرة أخرى؟ لست متأكدة. لقد استمتعت بالتأكيد بمهنتي كممرضة، وآمل فقط أن يتم تحسين الظروف للتأكد من أنها خيار وظيفي جذاب للأجيال القادمة.
© The Independent