يمثل الاتحاد العام التونسي للشغل، حلقة أساسية في تاريخ تونس السياسي، حيث انخرط منذ تأسيسه في خمسينيات القرن الماضي، في العمل السياسي، أي إن وجوده سابق لدولة الاستقلال مما يعطيه عمقاً تاريخياً وشرعية نضالية.
ولعب الاتحاد دوراً نضالياً في فترة الاستعمار الفرنسي لتونس من خلال تنفيذ عديد الإضرابات دعماً للحركة الوطنية، كما خاض في دولة الاستقلال عديد المواجهات مع نظام الاستبداد (1978 - 1984) دفاعاً عن المكاسب الاجتماعية للتونسيين وتعزيزاً للحقوق والحريات.
كما لا يمكن إنكار دور المنظمة النقابية، في سنوات 2012 و2013 و2014، عندما غرقت البلاد في أزمة سياسية خطرة فاقمتها الاغتيالات السياسية (شكري بالعيد ومحمد الإبراهمي)، علاوة على تنامي العمليات الإرهابية التي استهدفت قوات الأمن والجيش، عندما اقترح بمعية بقية المنظمات الوطنية (اتحاد الصناعة والتجارة وعمادة المحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان) مبادرة للحوار أخرجت البلاد من فوضى وشيكة.
مآرب سياسية للنقابيين
اليوم تبدو العلاقة متوترة بين السلطة السياسية في البلاد ممثلة في رئيس الجمهورية قيس سعيد، والأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، ويتبادل الطرفان الرسائل المشفرة، حيث لمح سعيد في زيارة غير معلنة إلى ثكنة الحرس الوطني بالعوينة، إلى أن "من يقومون بقطع الطرق وسكك الحديد أو التهديد بذلك بعلل واهية، لا يمكن أن يبقوا خارج دائرة المساءلة"، مضيفاً أن "الحق النقابي مضمون بالدستور، لكنه لا يمكن أن يتحول إلى غطاء لمآرب سياسية لم تعد تخفى على أحد".
ويرفض الاتحاد العام التونسي للشغل تلك الاتهامات الموجهة إلى قياداته ويلوح بالتصعيد للرد على ما اعتبره "شيطنة قياداته"، وتوجه إلى رئيس الجمهورية في وقت سابق برسالة دعاه فيها إلى الجلوس الجدي للحوار، وليس حواراً صورياً كالذي حدث بعد 25 يوليو (تموز).
فهل يدفع تدهور العلاقة بين الجهتين إلى المواجهة؟ وهل ما زال الاتحاد العام التونسي للشغل يملك أدوات رد الفعل في وضع اقتصادي واجتماعي متدهور؟
محاكمات ومضايقات للاتحاد
يملك الاتحاد العام التونسي للشغل أدوات الضغط الممكنة من خلال امتداده الجغرافي بنحو 10 آلاف نقابة، ونحو مليون منخرط، في القطاعين العام والخاص، وهو الأقدر اليوم في المشهد على تعبئة الشارع من أجل الضغط على السلطة السياسية الحالية المتمركزة في شخص رئيس الجمهورية.
وعلى رغم ما يملكه الاتحاد من إمكانات للتعبئة الجماهيرية، يستبعد أستاذ الإعلام والاتصال والكاتب الصحافي كمال بن يونس، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، المواجهة بالمفهوم الشامل، لأن الاتحاد في تقديره "بات ضعيفاً خلال العشرية الأخيرة بعد أن تورط في آلاف الإضرابات، وفقد شعبيته ورمزيته علاوة على وجود انقسامات في قياداته وفي قواعده، بينما السلطة اليوم قوية بعد أن باتت مركزة في يد رئيس الجمهورية، وليست موزعة بين البرلمان والحكومة والرئاسة مثلما كانت قبل 25 يوليو 2021".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف بن يونس أن "الاتحاد في أضعف مواقفه، ولا يتوقع أن يتخذ قراراً بإضرابات عامة أو مواجهة مباشرة"، داعياً السلطة إلى الإصغاء للاتحاد وبقية المنظمات، بخاصة "في وضع اقتصادي واجتماعي مترد".
ويشير بن يونس إلى أن الدعم الأوروبي والخارجي لتونس يشترط اليوم "وجود مؤسسات منتخبة ونقابات حرة، ومجتمع مدني حي وحوكمة رشيدة، ومن مصلحة السلطة السياسية ألا تصعد موقفها مع الاتحاد".
ويرى أستاذ الإعلام والاتصال أن "الاتحاد قد يتعرض لمحاكمات ومضايقات بهدف مزيد من إضعافه، إلا أنه لا يمكن الاستهانة بدوره في التوازنات السياسية في البلاد".
انفجار اجتماعي وشيك
ويتخوف الشارع التونسي اليوم من احتمال انفجار الوضع الاجتماعي، بسبب غلاء المعيشة وتردي الوضع الاقتصادي، وفي هذا السياق يؤكد أستاذ التاريخ المعاصر عبدالجليل بوقرة، في تصريح خاص، أن "التخوف من انفجار الأوضاع لا يعود إلى موقف الاتحاد من مسار قيس سعيد، إنما من الاحتقان الاجتماعي الذي وضع البلاد على صفيح ساخن قابل للانفجار في أية لحظة".
ويحذر بوقرة من "تداعيات الفوضى في الشارع"، جراء تردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي، مستبعداً مواجهة شاملة كالتي حدثت في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، لافتاً إلى أن "الاتحاد ليس كتلة متجانسة لوجود خلافات داخل عديد النقابات التي أصبحت متمردة على القيادة".
ويشدد أستاذ التاريخ المعاصر على "ضرورة الحوار بين الاتحاد والسلطة القائمة، لأن المواجهة لن تنفع أية جهة"، داعياً إلى "إيجاد حلول تشاركية للوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي في البلاد".
في غضون ذلك عقد الاتحاد العام التونسي للشغل اجتماعاً لهيئته الإدارية الوطنية، للنظر في مستجدات الوضع النقابي ولتدارس "خطوات الرد على استهداف المنظمة العمالية"، وفق ما أعلنه الأمين العام المساعد بالاتحاد حفيظ حفيظ.
خطاب استفزازي
ورفض الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي في افتتاح أشغال الهيئة الإدارية ما سماه "الخطاب الاستفزازي والتحريضي الصادر من طرف رئاسة الجمهورية في حق الاتحاد".
وتابع الطبوبي أنه "بعد فشل المسار والطريقة الحضارية التي عبر بها الشعب التونسي عن رفضه له بالمقاطعة، كان من باب الحكمة أن يخاطب رئيس الجمهورية شعبه من أجل الوحدة، وكان الأجدر العمل على إيجاد حلول للوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي".
وخلص إلى أن رئيس الجمهورية "أصبح القاضي والحاكم ومن يقرر من يتم سجنه"، وذلك في تعليقه على بطاقة الإيداع في السجن ضد الكاتب العام للنقابة الأساسية لشركة تونس للطرقات السيارة.