في إطار المساعي الدولية الرامية إلى إحداث خرق جوهري في نفق الأزمة اليمنية، أوفدت الإدارة الأميركية مبعوثها الخاص إلى البلاد تيم ليندركينغ في جولة خليجية متجددة تشمل السعودية وسلطنة عمان والإمارات، في مهمة متزامنة تهدف إلى الدفع بعملية سلام شامل، ووضع حد للمأساة الإنسانية التي اقتربت من عامها التاسع.
وفي المهمة المنتظرة التي تتزامن مع هدوء آلة الحرب في ظل أحاديث دولية عن تفاهمات غير معلنة للتوصل إلى اتفاق مبدأي قد يمهد الطريق أمام تسوية سياسية شاملة، "سيواصل المبعوث الخاص الجهود الدبلوماسية الأميركية المنسقة مع الأمم المتحدة والشركاء الإقليميين والدوليين لدفع بعملية سلام شاملة، بحسب بيان أميركي.
وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية إن "الهدنة التي تقودها الأمم المتحدة وفترة الهدوء التي أعقبتها أدتا إلى استمرار الفوائد الملموسة المنقذة لحياة اليمنيين، بما في ذلك تقليل القتال والخسائر المدنية والرحلات التجارية المنتظمة واستمرار تدفق الوقود".
غير أن البيان الأميركي لم يتطرق إلى فحوى تلك المحادثات والظروف التي تمنع تقدمها الموضوعي نحو الحل المنتظر الذي طال أمده، والطرف المعرقل لتمديد الهدنة الأممية المنتهية مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، خصوصاً في ظل تعاط إيجابي ومسؤول أقرت به الأمم المتحدة من قبل الشرعية اليمنية وداعميها الإقليميين مع كافة دعوات السلام التي تعيد الأمن والاستقرار لليمن وشعبه.
الحث على السلام
ومن دون انتهاج وسائل ضغط جديدة تفضي إلى سلام يمني، سيحث المبعوث الخاص ليندركينغ الأطراف على اغتنام هذه الفرصة لتكثيف مشاركتهم مع الأمم المتحدة لإطلاق عملية سياسية يمنية - يمنية يمكن أن تنهي الحرب بشكل دائم"، وفقاً للبيان.
كما سيحث الجهات المانحة على التبرع بسخاء عام 2023 لتمويل المساعدات المنقذة للحياة لليمنيين كجزء من خطة الأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية لعام 2023.
وبين حين وآخر يتردد ليندركينغ على المنطقة في جولات مكوكية يلتقي خلالها قادة تلك الدولة إضافة إلى مسؤولي الحكومة الشرعية اليمنية.
هل تنجح جهود مسقط؟
عادة ما تتركز زيارات ليندركينغ على الرياض وأبوظبي قبل أن يتضمن جدول زياراته الأخيرة مسقط التي تقود جهوداً دبلوماسية فاعلة لتقريب وجهات النظر بين الحكومة الشرعية والحوثيين، نظراً للعلاقات الجيدة التي تربطها بطرفي الحرب في جارتها اليمنية، فضلاً عن علاقتها الجيدة بطهران التي تدعم الحوثيين.
ويأتي تمديد الهدنة والأوضاع الإنسانية ضمن أولويات المحادثات التي ظلت تراوح مكانها على رغم المحاولات المضنية لحلحلة هذا الملف كتمهيد تتبعه مناقشة الملف السياسي المتمثل في جلوس الطرفين على طاولة المفاوضات، ووضع نقاط التقاء تمهد موضوعياً لإنهاء الصراع.
ومن دون الكشف عن المقترحات المطروحة للاتفاق الأولي ومدى نجاح الدبلوماسية العمانية، تتحدث أنباء عن تفاهمات متقدمة عبر وساطة عُمان قد تمهد لتفاهمات أوسع، ووفقاً لما أشار إليه عضو في حكومة ميليشيات الحوثي عقب جولات متكررة لوفود من سلطنة عمان إلى صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة المدعومة من إيران، فإن تمديد الهدنة وصرف الرواتب وإجراءات أخرى يجري بحثها، تمهد لحل سياسي للصراع الذي تسبب وفقاً للأمم المتحدة في أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويسيطر الحوثيون منذ عام 2014 على معظم المحافظات وسط وشمال اليمن وبينها العاصمة صنعاء، مما ألحق بالاقتصاد اليمني خسائر تراكمية تقدر بـ 126 مليار دولار، في حين بات 80 في المئة من الشعب اليمني بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة، بحسب بيانات صادرة عن الأمم المتحدة.
ترقب مشوب بحذر
ومع حال استبشار الشارع اليمني في كل مرة إزاء الخطوات التي يؤمل في أن تضع بلده على طريق العودة للأمن والاستقرار، إلا أن العراقيل الحوثية التي لا تنتهي قد تقوض هذه الجهود، ففي أواخر ديسمبر (كانون الأول) الماضي كشفت تقارير عن وضع ميليشيات الحوثي عراقيل جديدة أمام المشاورات الجارية برعاية الأمم المتحدة ووساطة سلطنة عُمان، ونقل عن مصدر حكومي قوله إن تلك العراقيل تمثلت في "اشتراط جماعة الحوثي السماح لجميع السفن بالدخول إلى موانئ الحديدة من دون تفتيش، فضلاً عن تقديم وجهتين ملاحيتين للرحلات الجوية من مطار صنعاء". في حين تمثلت البنود المتعلقة بالجوانب الإنسانية في رواتب وفتح بعض الطرق وإطلاق أسرى، إذ تم التوصل إلى حلول مقنعة لجميع الأطراف مع توسيع عملية وقف إطلاق النار ووضع مراقبين لتنفيذها.
ولاحقاً تردد أن أطراف الصراع توافقت على كل تفاصيل الملف الإنساني، وكذلك التوافق على صرف رواتب المدنيين والعسكريين وفق بيانات عام 2014، في إشارة إلى ما قبل انقلاب الحوثيين.
وإلى جانب ذلك "تم الاتفاق على تسيير ست رحلات تجارية إضافية من مطار صنعاء، والعمل على إنجاز آلية تنفيذية ومواعيد زمنية محددة للاتفاق"، وفق الصحيفة الإماراتية.
وعلى رغم انتهاء الهدنة الأممية قبل نحو أربعة أشهر إلا أن الهدوء يسود جبهات القتال من دون اتفاق رسمي معلن، إذ لم تشهد البلاد تصعيداً عسكرياً كبيراً.
ينبغي فعل المزيد
وفي وقت يتحدث الحوثيون بإيجابية عن دور الوساطة العمانية في "إجراء نقاشات جادة حول الترتيبات الإنسانية التي تمهد للسلام الشامل"، وفق تصريح رئيس وفد الحوثيين التفاوضي محمد عبدالسلام، لا يعلق مسؤولو الحكومة اليمنية على مسار تلك المحادثات في ظل مخاوف من تنازلات تثبّت أقدام الميليشيات بشكل أكبر.
ولهذا حذر رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي منتصف الشهر الماضي مما وصفه بخطورة إذعان المجتمع الدولي لابتزاز الحوثيين.
وبحسب ما ذكرته وكالة "سبأ" الرسمية فقد رحّب العليمي لدى لقائه سفير الاتحاد الأوروبي غابريل فيناليس بـ "المساعي الحميدة في دعم جهود الأمم المتحدة لإحياء العملية السياسية في اليمن على أساس مرجعيات الحل الشامل المتفق عليها محلياً وإقليمياً ودولياً، وعلى وجه الخصوص القرار (2216)".
وفي رفض لما تردد عن وجود ضغوط غربية على الشرعية من أجل "تقديم مزيد من التنازلات"، نبه العليمي "الوسطاء الإقليميين والدوليين إلى خطورة الإذعان لابتزاز الميليشيات الحوثية وتجاهل انتهاكاتها الفظيعة لحقوق الإنسان وأفكارها العقائدية المتطرفة وارتباطاتها المدمرة بالمشروع الإيراني التخريبي العابر للحدود، وما يتطلبه ذلك من إجراءات عقابية رادعة في مقدمها تصنيف الجماعة منظمة إرهابية دولية".
وفي حديث مشابه يشير وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان خلال تصريح له في الـ 18 من يناير (كانون الثاني) الماضي إلى أن "هناك تقدماً صوب إنهاء حرب اليمن"، لكنه استدرك بـ "أن هناك كثير ينبغي فعله، وضمن ذلك إعادة العمل بالهدنة وتحويلها إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار".