أبقت قدميها العاريتين خارج غطاء أزرق. التلفزيون يعمل وأظافرها الأنيقة مطلية باللون الوردي. قالت المرأة في لكنة جنوبية، "حسناً يا رفاق، هذه حالي الآن". قدماها ترتعشان بشدة. ترمي البطانية وترفع ساقيها، فتهتزان أيضاً كسمكة خارج الماء. ببساطة يقول التعليق: "شكراً فايزر"Thanks Pfizer [في إشارة إلى شركة الأدوية الأميركية التي تعاونت مع "بيونتيك" الألمانية في تصنيع أحد اللقاحات المضادة لفيروس "كورونا"].
إنه واحد من مقاطع فيديو كثيرة ظهرت أخيراً على الإنترنت التي، وفق المستخدمين الذين ينشرونها، تكشف عن "ارتعاشات شديدة تخص مختلف أجزاء الجسم" ويفترض أنها تعزى إلى لقاحات "كوفيد- 19". يحظى عدد من تلك المقاطع المصورة بتفاعلات كثيرة جداً على مواقع التواصل الاجتماعي، علماً أن المجموعة نفسها من الحسابات القليلة تعيد نشرها، فيما يبدو أنها تروج فيديوهات قليلة أخرى. المرأة عينها التي نشرت فيديو القدمين المرتعشتين، مثلاً، تشاركت مع المستخدمين فيديوهات أخرى أيضاً وصفت في واحد منها "أضرار اللقاح" التي لحقت بها بأنها "زلزال ضربها شخصياً"، وفي فيديو آخر كانت تتأرجح خارج حمام المستشفى، وقد عجزت عن ثني ركبتيها فيما أخذت أطرافها تهتز دونما توقف. في وقت كتابة هذا التقرير، جمع الفيديو المذكور أكثر من 13 مليون مشاهدة على "تويتر"، وأعيد نشره على نطاق واسع عبر "فيسبوك"، والأكثر مدعاة للقلق، وصوله إلى اليمين المتطرف والمجموعات القريبة إلى حركة "كيو إنون" QAnon على "تيليغرام".
بعيداً من تلك الأوساط المتطرفة، يبدو أن ثمة إجماعاً على أن "الارتعاشات" الناجمة عن لقاح "فايزر" مزيفة بشكل مفضوح، وأنها عبارة عن خدع مقصودة تسعى إلى لفت الانتباه وتنطوي على أهداف سياسية محافظة ومناهضة للتطعيم. ليست أعراضاً خلفتها "أضرار اللقاح" بل إنها نظرية مؤامرة. في الواقع، أضيف نص تحت منشور "شكراً فايزر" الخاص بالقدمين الذي، كما يذكر "تويتر"، اعتقد القراء "أن الناس ربما يرغبون في معرفته". ينص ذلك على أنه "لا دليل متوفراً على أن التشنجات أحد الآثار الجانبية المثبتة للقاحات ’كوفيد 19‘. 184 دولة وزعت على سكانها ما يربو على 11 مليار جرعة من اللقاحات المضادة لفيروس ’كورونا‘، ولم تظهر تلك الأعراض على أحد مطلقاً". يضيف النص أيضاً أنه على رغم أن ارتعاشات المرأة تبدو صعبة جداً، إلى حد أنه تتعذر السيطرة عليها، "تبقى الكاميرا ثابتة ومستوية..."
ربما كان متوقعاً أن شبكة الإنترنت تلقفت مقاطع فيديو لهذه المرأة واندفعت معها. تهز دوا ليبا وركيها على خشبة المسرح في أحد الفيديوهات وقد أرفق بتعليق يقول "شكراً فايزر". ومارك من البرنامج التلفزيوني البريطاني "بيب شو" Peep Show يتراقص على إيقاعات "رينبو ريثمز" Rainbow Rhythms. وفي غضون أيام، حتى الحساب الرسمي للتطبيق الرقمي "دولينغو" ركب هذه الموجة، إذ نشر صورة متحركة لعالم اللغة الطائر الأخضر وهو يهتز ويحرك جسمه بطريقة عجيبة على طاولة للاجتماعات. ومع ذلك، في حين كان رد الفعل العام إطلاق دعابة كبيرة من المحتوى الذي يعرض "ضرر اللقاح"، غير أنه يبعث أيضاً على قلق كبير. ما الذي يحدث فعلاً في تلك الفيديوهات؟ هل من يصنعونها "مخادعون"، أم أنهم مقتنعون حقاً بأنهم أصيبوا بهذا الضرر، على نحو تتعذر معالجته ربما؟ هل الارتعاشات التي يتعرضون لها حقيقية ولا إرادية، أياً كانت أسبابها؟ وأين يقع الخط الفاصل بين المعلومات المضللة والتآمر والوسواس المرضي؟ ربما الأهم من ذلك، كيف لأي أحد أن يعرف ما إذا كان شخص ما مريضاً حقاً، أو يعتقد أنه مريض، أو يدعي ذلك بغرض جذب الانتباه؟
أحد الأسباب الرئيسة وراء صعوبة إطلاق حكم قاطع بشأن صدق "الأعراض" التي يشاركها مستخدمون عبر الإنترنت أنه ببساطة، من منظور طبي، إصدار أي حكم من هذا القبيل سيكون موضع شك في أحسن الأحوال، وغير أخلاقي في أسوأها. تشدد المتخصصة في علم النفس السريري الدكتورة لورين كيروين، مثلاً، على أنه "لا يسعها التحدث عن دوافع" حملت أولئك الأشخاص على تصوير فيديوهات "ارتعاشات فايزر"، لأنها "لم تتحدث معهم أبداً ولم تقابلهم أو تقيمهم شخصياً". تقول كيروين إنه لا يمكنها أيضاً "التحدث عما إذا كانت اللقاحات تسبب تلك الارتعاشات أم لا. سيكون منافياً للأخلاق بالنسبة إلي تشخيص حالة هؤلاء الأفراد". على نحو مماثل، يشير الدكتور ديفيد فيل، استشاري في الطب النفسي في "مستشفى مودسلي" في جنوب لندن ومؤلف مشارك لكتاب "التغلب على اضطراب القلق بشأن الصحة" Overcoming Health Anxiety، إلى أن الأشخاص الذين يلتمسون القبول عبر الإنترنت من طريق مقاطع الفيديو هذه "يحتاجون إلى تقييم مناسب يتولاه أطباء متخصصون في الأمراض العصبية وفي الأمراض النفسية". ولكنه، يقول أيضاً إنه في حين أن هذه الارتعاشات "ربما تكون آثاراً جانبية نادرة جداً وغير معروفة للقاح"، يبقى ذلك "مستبعداً". ويشير إلى أن "بعضها ربما يؤشر إلى مشكلة لا تتصل باللقاح"، "ربما جاء بعضها نتيجة تخطيط مسبق، أو ربما يكون بعضهم الآخر تعبيراً جسدياً عن شعور بالضيق".
يخبرني الدكتور آصف مناف أن المجتمع الطبي "يسمي ذلك ’تحويل المعاناة النفسية إلى أعراض جسدية‘ somatization أو ’تجسيد الاضطرابات النفسية‘، إذ يظهر جسدك ما يخبئه العقل على نحو يتعذر إنكاره". بمعنى آخر، يمكن أن يطرح العقل تأثيرات قوية في الجسم، وقد يعاني الشخص أعراضاً حتى لو لم تكن ناجمة عن حالة طبية مشخصة. وكما يقول الدكتور مناف: "العقل أقوى أداة نعرفها". هل ما نشاهده ارتعاشات حقيقية؟ يجيب: "حسناً، إذا كنت تؤمن بشدة في أن اللقاح يسبب ارتعاشات، يمكنك نظرياً تطويرها جسدياً لأنك أقنعت نفسك بهذا السبب."
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بالطبع، حقيقة وجود "تجسيد للاضطرابات النفسية" لا تعني أن بعض الناس قد لا يتظاهرون عمداً بالأعراض. لا ريب في أن وجود اضطراب معترف به ومدروس على نطاق واسع يتمحور حول تلك الارتعاشات: إنه "اضطراب التمارض" factitious disorder، المعروف سابقاً باسم "متلازمة مونشاوزن" Munchausen syndrome. كما تشرح الدكتورة كيروين، إنها "حالة يصطنع فيها الشخص عن عمد أو يتظاهر بأعراض المرض كي يقلد دور المريض ويجذب انتباه الآخرين وتعاطفهم". ومع ذلك، في حين أن هذا ربما يبدو كأنه تلاعب قديم بسيط، تنبه الدكتورة كيروين إلى ضرورة اعتبار الاضطراب المفتعل حالة صحية حقيقية، وإن أسيء فهمها، وغالباً ما تنجم عن "مشكلات نفسية كامنة مثل تاريخ من سوء المعاملة أو الإهمال، وتدني احترام الذات، والحاجة إلى فرض السيطرة ". بعيداً من كونه حالاً من "الكذب" أو "اختلاق الأمور"، فإن الاضطراب المفتعل "حال شديدة التعقيد تتطلب تقييماً طبياً دقيقاً جداً"، وفق الاستشارية في علم النفس السريري الدكتورة كيرين شناك. تكمن المشكلة في أنه في حالات الاضطراب المفتعل، كما تلحظ الدكتورة شناك، "تكون التوقعات بشأن شفاء المريض ضعيفة، إذ لا يرغب غالباً في تقبل التشخيص".
في هذه الحالة، حينما يكون التقييم السريري غير متوفر أو أن نتائجه مرفوضة تماماً، يبدو أن كثيرين يلجؤون إلى الإنترنت للتحقق من صحة حالتهم. في الواقع، تشير لورين كالدين، علماً أنها أحد الأعضاء في مركز "دليل الاستشارة" Counselling Directory ، إلى أنه في السنوات الأخيرة، نظراً إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي تجعل في متناول هؤلاء الأشخاص الضعفاء منصة جديدة للفت الانتباه، فقد تطور اتجاه جديد يسمى "متلازمة مونشاوزن عبر الإنترنت". تعرف المتلازمة أيضاً باسم "اضطراب التمارض"، ولكن من الصعب طبعاً إثباته أو دحضه. ومع ذلك، يعتقد كثير من المعالجين والأطباء النفسيين الآن، من أمثال كالدين، أن "الإشباع الفوري الذي يحصده المصاب بهذا الاضطراب نتيجة الإعجابات والتعليقات والمشاركات" عبر الإنترنت قد يدفعه إلى "خلق صورة كاملة أو ابتكار شخصية بناء على أمراض مزمنة". ومع ذلك، يبقى السؤال: كيف يمكن لأي شخص أن يعرف ما إذا كان شخص ما "يخلق شخصية مبنية على أمراض مزمنة"، أم أنه يسعى يائساً إلى الدعم والتواصل مع الآخرين عبر الإنترنت فيما يعتصره ألم نفسي حقاً؟
ضربات القلب السريعة، والتعرق، والارتعاشات، والرجفان، وصعوبة التنفس، وضيق الصدر، كلها علامات على تفاقم القلق، ويمكن بسهولة الخلط بينها وبين حالة أخرى. لورين كالدين، عضو في "دليل الاستشارة"
في مجتمع من عاداته أن يرفض الأمراض المزمنة والعقلية ويخطئ في توصيفها، يحتل شبح الاضطرابين النفسيين التمارض وتوهم المرض على حد سواء مكانة كبيرة. على أية حال، غالباً ما يتهم كثر من المصابين بأمراض مزمنة بـ"اختلاق" أعراضهم أو المبالغة فيها، في حين يقال لمن يعانون اضطرابات القلق إن ما يمرون به مجرد "أوهام في عقولهم". إنه اتهام مدمر جداً، وجزء مما يجعل مسألة "الأعراض المزيفة" برمتها حقل ألغام، ذلك أن الخط الفاصل المفترض بين الاضطرابات العقلية والنفسية وبين الحالات الصحية الجسدية طالما كان ضبابياً إلى حد أنه غير موجود في الأساس. كما تؤكد كالدين، "كثير من أعراض القلق لا تختلف عن مشكلات صحية جسدية عدة. ضربات القلب السريعة، والتعرق، والارتعاشات، والرجفان، وصعوبة التنفس، وضيق الصدر، كلها علامات على تفاقم القلق، وربما تشخص على أنها حالة مختلفة عن طريق الخطأ". يعيدنا ذلك إلى "جسدنة الاضطرابات النفسية"، فكلما تفاقم قلقك، ازدادت تلك الأعراض الجسدية، وتعاظمت قناعتك بأنك تكابد المرض الذي يقض مضجعك. في الواقع، تصف كالدين القلق الصحي بأنه "أحد أكثر أشكال القلق شراسة وإنهاكاً".
في هذه الحالة، لا بد من أن يعتبر اللجوء القهري إلى الإنترنت للحصول على المشورة والمعلومات الصحية عارضاً في حد ذاته. وكما تؤكد الدكتورة شناك، الأشخاص الذين يكابدون القلق على صحتهم "قد يتفحصون جسمهم، ويبحثون على الإنترنت عن الحالات الصحية الخطرة ويقرؤون عنها على نطاق واسع [و] يخضعون لفحوص طبية متكررة". في حالات شديدة، يقتنع المرضى "بأنهم سيموتون قريباً نتيجة المرض الذي يشعرون بالقلق حياله، فيشرعون في وضع خطط لوفاتهم، ويناقشونها مع أحبائهم". شأنها شأن كالدين، تشدد الدكتورة شناك على أن القلق بشأن الصحة "حالة مرعبة بالنسبة إلى المريض حقاً"، ولكنها تؤكد أيضاً أنه إذا توفر الدعم الطبي والنفسي، في المستطاع "معالجتها والتغلب عليها".
المشكلة، مجدداً، أن المزيج الهائل من المعلومات والمعلومات المضللة التي يتشاركها مستخدمون عبر الإنترنت تصنع حلقات مفرغة - المصابون باضطراب القلق على صحتهم يلجؤون إلى الإنترنت متلمسين الطمأنينة وبدلاً من ذلك يجدون مصادر جديدة للذعر والخوف. يشير الدكتور باباك أشرفي من مؤسسة "سوبر دراغ أونلاين دكتور" Superdrug Online Doctor إلى أن شبكة الإنترنت تسهم لا ريب في تفاقم حالات القلق بشأن الصحة. يقول في هذا الصدد: "لا شك في أننا نشهد ارتفاعاً مستمراً في مستويات التشخيص الذاتي والقلق على الصحة في السنوات الأخيرة. صحيح أنه من المفيد أن يكون المرضى فكرة عن الحالة التي يعتقدون أنها تبعث القلق في نفوسهم"، ولكنه يشير إلى أن اختلاف التشخيص الطبي المهني عن التشخيص الذاتي للمريض عبر الإنترنت قد ينطوي على تحد كبير، لأنه يولد إحساساً بعدم الثقة ويتسبب في تأخر العلاج. يضيف ذلك عبئاً آخر على كاهل "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" ("أن آتش أس" NHS) البريطانية المثقلة بالأعباء أصلاً، ويخلق حلقة مفرغة أخرى. و"تلك الأعباء بدورها، وفق الدكتور أشرفي، "تجعل من الإنترنت المكان الوحيد الذي يلجأ إليه المرضى". في الواقع، أظهر بحث نهضت به "سوبر دراغ أونلاين دكتور" أنه بالنسبة إلى واحد من كل خمسة أشخاص في المملكة المتحدة، تبقى وسائل التواصل الاجتماعي ومنشورات الإنترنت المقصد الأول عند البحث عن المعلومات الصحية، إذ ينزع الأشخاص إلى تصفح المحتوى الصحي على وسائل التواصل الاجتماعي بدلاً من حجز موعد لدى الطبيب. يقول الدكتور فيل أيضاً إن "المرء يحاول أن يحصل على مزيد من المعلومات، ولكن عند مواجهة شيء من الغموض والالتباس، ينزلق إلى حفرة من الشكوك والضيق". مسلحون بمعلومات الإنترنت، يرفض المرضى الذين يسعون في النهاية إلى الخضوع لفحوص طبية، أي تفسير نفسي للمشكلة. أحياناً يكون الاعتقاد قوياً إلى حد أنه يعتبر "متوهماً"، على ما يقول الدكتور فيل.
لا شك في أن هذه الحال تنطبق على المستخدمين الذين يشاركون حالياً مقاطع فيديو "ارتعاشات فايزر". ذكرت مجلة "وايرد"Wired أخيراً أن امرأة نشرت مقطع فيديو على "فيسبوك" لنفسها وقد أخذ جسدها يرتجف فيما كانت ممددة على ما بدا أشبه بسرير مستشفى، وأعلنت يومذاك أن الأطباء أشاروا إلى أن اهتزازها مرده إلى ما يسمى "اضطراب التحويل" conversion disorder [تظهر على المريض أعراض جسدية تشبه أعراض اضطرابات الجهاز العصبي]، علماً أنها حالة عقلية نفسية ناجمة عن مواجهة ضغط نفسي شديد. ومع ذلك، قالت في منشور على "فيسبوك" في 12 يناير (كانون الثاني) الماضي إنها ما زالت غير مقتنعة بأن حالتها الصحية هذه تعزى إلى الضغط النفسي، ومنذ ذلك الحين نشرت منشورات عدة حول استخدام زيت "الكانابييول"CBD [واحد من 113 على الأقل من الكانابينويدات النشطة الموجودة في نبات القنب] و"إزالة السموم" من الجسم في مواجهة أعراضها. عندما لا يؤخذ بآراء الخبرات الطبية، تندفع العلوم الزائفة في قطاع الصحة والعافية بسهولة لسد الفجوة. على أية حال، الإبقاء على قلق الناس وأوهامهم ربما يعود بالأرباح.
جلي أن التنقل بين المرض والإنترنت موضوع معقد. ومع ذلك، أمر واحد من المهم عدم إغفاله في المناقشات حول المعلومات الطبية الخاطئة والعلم الزائف والتآمر، ألا وهو المعاناة الحقيقية التي يقاسيها الأشخاص الذين لا تندرج تجاربهم وأعراضهم ضمن التصنيفات السهلة. بريان بليرز موظف في "هيئة الخدمات الصحية الوطنية"، وطالما أيد اللقاحات. بعدما أخذ لقاحه الثاني المضاد لـ"كورونا" من إنتاج شركة "فايزر" في يوليو (تموز) 2021، أفاد بأنه يعاني "آلاماً شديدة في الصدر حملته على اللجوء إلى قسم الطوارئ والحوادث زهاء 12 مرة، ومتابعة كثير من الفحوص الطبية الخاصة بأمراض القلب، وفي النهاية عدم التوصل إلى تشخيص معين يصف حالته". بعدما التقط عدوى "كوفيد" في ديسمبر (كانون الأول) 2022، ساءت حالته الصحية. يقول: "أكابد ألماً شديداً في الصدر على الجانب الأيسر كل يوم تقريباً". خضع بليرز لـ"أشعة سينية للصدر، وكثير من مخططات تخطيط القلب، وتحاليل دم بحثاً عن [مستويات مرتفعة من] بروتين "تروبونين" [الذي قد يشير إلى إصابة في القلب] والجزيء البروتيني "ديمر- دي" [بروتينات تتشكل بعد تفكك تجلط الدم]، وتخطيط صدى القلب واختبار الإجهاد على جهاز المشي، ولكن حتى الآن لم تتوفر إجابات بعد. يصف بليرز كل يوم بأنه "مجموعة من التقلبات والاضطرابات العاطفية"، إذ لا تنفك أفكاره تتقلب بين "النهج العقلاني الذي يقوده الطب من جهة، واللاعقلانية المليئة بالقلق التي يغذيها الإنترنت بتسجيل وفيات كثيرة مرتبطة باللقاحات التي أخشى أن أمسي بين أعدادها، من جهة أخرى. الدلالة على الخراب الكبير الذي تطرحه حالي هذه في حياتي، أنني قد ودعت أحبائي وكتبت وصيتي وأنا بعد في الـ 32 من عمري".
يسأل بليرز، "ما الأعراض الحقيقية التي أعانيها، التي أعتقد أنها نادرة جداً إنما حقيقية؟" همه الأكبر ألا "يحشر ضمن مجموعة مؤيدي نظرية المؤامرة". في نهاية المطاف، لا شك في أن الخوف يتنازعه خشية رفضه وعدم تصديقه. يؤكد بليرز: "أعتقد أن هذه المجموعات تسببت بأذى حقيقي لمجموعة صغيرة من الأشخاص الذين ربما تطرح اللقاحات فعلاً تأثيرات سلبية في صحتهم، لأن حالتنا لن تؤخذ على محمل الجد إذا واصلت تلك المجموعات نشر محتواها".
ربما يبقى الخط الفاصل بين الحقيقة والصدق والأكاذيب مشوباً بالضبابية دائماً. ويخلص الدكتور شناك إلى أنه "أحياناً، نجد صعوبة بالغة في تقبل أن أجسامنا يمكن أن تنتج أحاسيس من دون وجود تفسير طبي واضح لها، أو أمراض من الناحية العلمية. يبحث الناس عن اليقين، وأحياناً ينتفي أي يقين."
© The Independent