لم يكتف الرئيس الأميركي جو #بايدن بتحدي الأغلبية الجمهورية الجديدة في مجلس النواب أو استفزازهم خلال خطاب "#حال_الاتحاد" السنوي أمام #الكونغرس، مستمتعاً بتوجيه اللكمات إليهم وتلقي لكمات مضادة، فقد بدا بوضوح أنه يخاطب الناخبين حول ما سيفعله خلال ست سنوات أخرى إذا أعيد انتخابه عام 2024. ومع ذلك تبدو مهمة بايدن عسيرة في ظل تأييد أقل من ثلث الديمقراطيين ترشحه لدورة رئاسية ثانية، فما سبب تفاؤل بايدن بالتعاون مع الجمهوريين بينما الصدامات المقبلة مضمونة؟ ولماذا ركز على الداخل متجاهلاً سياسته الخارجية ومواجهة روسيا والصين؟
إبراز التناقضات
وعلى عكس خطابيه السابقين عن "حال الاتحاد"، كان الرئيس الأميركي حاداً ونشطاً ومتحفزاً خلال معظم الخطاب الذي دام 72 دقيقة، وتشاجر خلاله مع الجمهوريين في مجلس النواب حينما اتهمهم بمحاولة العبث ببرامج الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية الحكومية، مما دفع النائبة مارجوري تايلور غرين إلى اتهامه بالكذب وسط صيحات الغضب والاستهجان من الجمهوريين، في مشهد نادر من الجدل والتناقض لم يتكرر منذ عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما في خطاب تنقله شبكات التلفزيون والصحافة على الهواء إلى #الشعب_الأميركي.
وعندما استمر #الجمهوريون في إنكار أنهم يخططون لقطع #البرامج_الاجتماعية التي تحظى بشعبية واسعة، عبر بايدن عن سعادته بموافقة الجمهوريين على ما وصفه بتخليهم عن المس بهذه البرامج، قائلاً إنه يستمتع بتحول موقفهم، مما دفع هيلين كوبر في صحيفة "نيويورك تايمز" إلى اعتبار أن بايدن أخرج هذا العرض ويستمتع بتوجيه اللكمات للجمهوريين وبلكماتهم المضادة لإضفاء حيوية على الخطاب.
ولم يكن هذا هو مشهد الدراما الوحيد للتناقضات في أول لقاء علني للرئيس مع الجمهوريين الذين سيطروا على مجلس النواب، فعندما ذكر أزمة الـ "فنتانيل"، وهي مادة أفيونيه تختلط بالكوكايين والهيروين وتتسبب جرعتها الزائدة في الوفاة، أزعجه بعض الجمهوريين قائلين "إنه خطؤك"، في إشارة إلى تهريب المادة عبر الحدود مع المكسيك.
دعوة إلى الوحدة بلا تنازلات
وعلى رغم حرص الرئيس بايدن على تهنئة رئيس مجلس النواب الجديد كيفن مكارثي ومصافحته وممازحته أيضاً، والتأكيد على رغبته في العمل سوياً مع الجمهوريين وهو ما كرره في خطابه 12 مرة، إلا أنه لم يقدم أية تنازلات، وبدلاً من ذلك دعا الجمهوريين إلى تبني برنامجه الخاص برفع الضرائب على الأثرياء وتقديم المساعدة الاجتماعية للمحتاجين، مستشهداً بتشريع تم تمريره من الحزبين عندما كان الديمقراطيون في السلطة قائلاً إن "القتال من أجل القتال والسلطة من أجل السلطة والصراع من أجل الصراع لا يقودنا إلى أي مكان، والشعب الأميركي يريد إنجاز المهمة".
واعتبرت صحيفة "واشنطن بوست" أن دعوة بايدن إلى الوحدة بين الحزبين هي رسالة موجهة إلى الجمهور الأميركي الذي يشاهد الخطاب على شاشات التلفزيون، في محاولة لوضع الرئيس كزعيم مسؤول محاط بمعارضة مشاكسة، بينما لا أحد يتوقع من الجمهوريين أن يتبنوا البرنامج التشريعي للرئيس بايدن، كما أنه ليس من المرجح أن يوافق الرئيس في أي وقت قريب على مطالب الطرف الآخر بخفض كبير في الإنفاق مقابل زيادة سقف الديون.
وحتى مع استعداد بايدن لإعلان حملة إعادة انتخابه خلال أسابيع، يتجه الرئيس ومجلس النواب نحو تصادم قد يعرض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة للخطر، بينما يسعى الجانبان إلى الفوز بمعركة كسب تأييد الرأي العام.
الترويج لبرنامجه
غير أن خطاب بايدن كان مزيجاً من الإشادة بما يعتبره إنجازات لإدارته على مدى العامين الأولين من توليه المنصب، وخطاباً للناخبين حول ما سيفعله خلال ست سنوات أخرى إذا أعيد انتخابه عام 2024، فقد جادل بايدن بأنه أعاد تنشيط الاقتصاد مشيراً إلى أن تقرير الوظائف لشهر يناير (كانون الثاني) الماضي، أظهر أن البطالة انخفضت إلى 3.4 في المئة وأن أسعار الوقود انخفضت بمقدار 1.50 دولار للغالون مقارنة بذروتها، كما روج لإقرار قانون حظر تصدير التكنولوجيا المتقدمة إلى الصين وقانون البنية التحتية بدعم من الحزبين، على رغم أنه استجاب لطلب مكارثي بعدم وصف داعمي ترمب من أنصار حركة "اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" المعروفة باسم (ماغا)، بأنهم يمينيون متطرفون، إلا أن بايدن هاجم العجز في الموازنة خلال حكم الرئيس السابق دونالد ترمب.
ولم يكن بحث بايدن عن العجز في عهد ترمب هو المؤشر الوحيد للسباق الرئاسي المقبل الذي قد يجمعهما في مواجهة رئاسية ثانية، فقد وجه بايدن خطابه بشكل مكثف للناخبين من العمال ذوي الياقات الزرقاء، إذ تواصل مع الأميركيين الساخطين الذين يشعرون بالتخلف عن الركب اقتصادياً، وتحدث عن سلسلة من الأفكار الشعبوية المتواضعة التي تركز على القضايا ذات الصلة مثل رسوم بطاقات الائتمان ورسوم شركات الطيران ورسوم السحب على المكشوف من البنوك، كما هاجم شركات النفط العملاقة لأنها جنت أرباحاً قياسية عندما قفزت أسعار الوقود، فضلاً عن هجومه الحاد على شركات الأدوية الكبرى وشركات الخدمات الإعلامية متعهداً بالتصدي لها.
إدراك الأزمة
لكن مع محاولات بايدن إقناع الأمة الأميركية بأنها تسير على الطريق الصحيح وسعيه إلى تقديم رؤية متفائلة في الأوقات العصيبة واحتفاله بالمكاسب الاقتصادية، فإنه اعترف بأن العديد من الأميركيين لا يشعرون بإيجابية كبيرة في شأن حال البلاد، كما يدرك مستشارو بايدن بشكل محبط أن معظم الأميركيين لا يعرفون سوى القليل عن القوانين التي مررها الكونغرس ويشعرون بتأثيراتها بدرجة أقل، ومع ذلك يراهن فريق بايدن على أن الناخبين منفتحون على سماع قضية الرئيس، ويمكن إقناع عدد من الأميركيين المتشككين بما يمكن أن يشاهدونه في حياتهم ومجتمعاتهم، لكن ما لا يستطيع الديمقراطيون التأكد منه هو ما إذا كان بايدن لديه فريق يتمتع بمهارة البيع والإقناع اللازمين لعرض القضية نيابة عنه.
وعلى رغم أهمية برنامجه إلا أن الرئيس يواجه ضغوطاً متصاعدة في سن الـ 80 فهو الآن أكبر رئيس في تاريخ الولايات المتحدة، وإذا سعى إلى إعادة انتخابه فسيطلب من الناخبين تكليفه بالبيت الأبيض حتى يبلغ 86 عاماً، بينما تظهر استطلاعات الرأي أن عدداً من الديمقراطيين قلقون في شأن عمره وحريصون على رؤية جيل الشباب يرتقي إلى قيادة الحزب، وأن معظم الأميركيين غير راضين عن قيادته، ربما بسبب تعثره في الكلمات وضعف التركيز أحياناً مثلما أخطأ في الخطاب عندما قال إن السيناتور الديمقراطي تشاك شومر هو زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ بينما هو زعيم الأغلبية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
صدام مضمون
وفي حين يجادل حلفاء بايدن بأن ما كان مجرداً في العام الماضي من إقرار تشريعات كبيرة سيصبح أكثر واقعية في العامين المقبلين مع بدء مشاريع التنمية الاقتصادية المحلية بتمويل حكومي ومنها البناء على الطرق والجسور، إلا أن الأوضاع تغيرت في الكونغرس وأصبح الجمهوريون في مجلس النواب مصممين على اختبار سلطاتهم الخاصة ودفع أجندتهم الخاصة ومقاومة مبادرات الرئيس، كما أنهم يخططون لإجراء تحقيقات في الإدارة واصطياد نجل بايدن في مزيج من إجراءات الرقابة والاستجواب والتحقيق القابلة للاشتعال.
وإذا لم يكن من السهل على بايدن إنجاز الأمور عندما كان الديمقراطيون يتمتعون بأغلبية ضئيلة في كلا المجلسين، فمن الطبيعي أن كل شيء سيكون أكثر صعوبة وإثارة للجدل الآن. وحتى لو كان مستشارو الرئيس مستعدين بالفعل لمواجهة الجمهوريين في الكونغرس فإن الصدامات المقبلة مع الجمهوريين مضمونة، إذ يرى كل جانب نقاط الاختلاف التي تفضلهم سياسياً ويستعدون لفصل طويل من الصراع السياسي.
أوهام اليقظة
وتجلى الحضور الجمهوري مع الرد الرسمي للحزب على خطاب بايدن من حاكمة ولاية أركنسو سارة هوكابي ساندرز التي شغلت منصب السكرتيرة الصحافية للرئيس ترمب في البيت الأبيض، فقد اعتبرت ببساطة أن بايدن غير لائق للعمل كقائد أعلى للولايات المتحدة، وأن "إدارة بايدن تبدو أكثر اهتماماً بأوهام اليقظة من الواقع الصعب الذي يواجه الأميركيين كل يوم، والذين يريدون أن يعيشوا حياتهم بحرية وسلام، لكنهم يتعرضون للهجوم في حرب ثقافية يسارية لم يبدأها الجمهوريون ولم يرغبوا أبداً في خوضها".
وقبل خطاب "حال الاتحاد" تعرض بايدن لوابل من انتقادات الجمهوريين حول التعتيم على سوء تعامل الرئيس مع الوثائق السرية والتي أدت إلى تعيين مدع خاص للتحقيق في هذا الشأن، كما اندلعت ضجة واسعة حول منطاد تجسس صيني عبر المجال الجوي الأميركي، وأمضى الجمهوريون الأيام القليلة الماضية في انتقاد بايدن لضعفه بزعم أنه كان يجب أن يأمر الجيش بإسقاط المنطاد على الفور بدلاً من الانتظار حتى وصوله إلى المحيط الأطلسي لتجنب الخسائر المحتملة من سقوطه على الأرض.
تجنب السياسة الخارجية
لكن بايدن تجنب الحديث باستفاضة عن سياسته الخارجية مفضلاً تخصيص معظم وقت الخطاب للشأن الداخلي الأميركي، إذ لم يشر بايدن إلى أزمة المنطاد صراحة بل ألمح إلى قراره بإسقاطه كمثال على تصميمه للوقوف بحزم ضد بكين عند الضرورة، وأنه إذا هددت الصين سيادة أميركا فستعمل إدارته على حماية البلاد.
وتشير آنا سوانسون في صحيفة "نيويورك تايمز" إلى أن العدد من السياسات الأميركية كانت متشابهة إلى حد كبير بين بايدن وترمب، لكن الاختلاف الرئيس هو أن إدارة بايدن اتبعت نهجاً أكثر حرصاً وشمولية أثبت في النهاية أنه صعب للغاية، في حين أن نهج ترمب كان أكثر اندفاعاً ولكنه أيضاً مبعثر.
وفي ما يتعلق بحرب أوكرانيا أعرب بايدن عن أمله في تعزيز دعم الحزبين لجهوده لإرسال أسلحة ومساعدات أخرى بقيمة عشرات المليارات من الدولارات إلى كييف لمساعدتها على هزيمة القوات الروسية بعد حوالى عام على الهجوم الروسي.
وبينما كان مكارثي قد تعهد في الخريف الماضي أنه إذا فاز الجمهوريون فلن يكون هناك "شيك على بياض" لأوكرانيا، إلا أن معظم المشرعين الجمهوريين يدعمون المساعدات العسكرية، ومع ذلك تظهر استطلاعات الرأي تزايد الشكوك بين الناخبين الجمهوريين.
ويشير جوليان إي بارنز في صحيفة "واشنطن بوست" إلى أن حرب أوكرانيا التي تعد أكثر تحديات السياسة الخارجية الحالية إلحاحاً، حصلت على جزء صغير من الخطاب، إذ تجنب بايدن الأجزاء المسببة للانقسام السياسي في دعم الإدارة لأوكرانيا أو الحديث عن المساعدات الإضافية مثل الطائرات المقاتلة أو الصواريخ طويلة المدى التي قد تكون الولايات المتحدة على استعداد لتقديمها، وبدلاً من ذلك ركز على كيفية تماسك الغرب، وهو إنجاز شرعي للإدارة التي اجتازت خلافات محتملة حول الدبابات والأسلحة الثقيلة.
وبينما يعمل بايدن على إقناع الجمهور بأنه الخيار الأفضل لمواصلة قيادة البلاد بحلول يناير 2025، بغض النظر عما إذا كان خصمه ترمب أو جمهورياً آخر، فإن هذه الانتخابات لاتزال بعيدة، وسيحدث كثير مما لا يمكن التنبؤ به قبل نوفمبر (تشرين الثاني) 2024.
ومع ذلك سيتذكر المراقبون خطاب "حال الاتحاد" باعتباره أول خطوة لبايدن في طرح قضيته أمام الأميركيين.